الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

الخبير إدريس الكراوي يسلط الضوء على مقومات الرأسمال اللامادي

الخبير إدريس الكراوي يسلط الضوء على مقومات الرأسمال اللامادي

ماذا يقصد الملك محمد السادس ب"الرأسمال اللامادي" الذي ركز عليه في خطاب العرش؟ كيف يتم قياس الثروة والتنمية في بلد ما؟ وكيف نفسر المفارقة المتمثلة في أن الجزائر وليبيا والعراق ذات دخل قومي مرتفع مقارنة مع المغرب ومع ذلك لايمكن مقارنتها بالرغبة بالعيش فيها لشيوع اللااستقرار واللاأمن  واللاغذاء؟ هذه الأسئلة طرحتها "أنفاس بريس" على الخبير الاقتصادي والأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إدريس الكراوي ،فكان هذا التصريح:

 

"يلاحظ بأن المؤشرات التي تقاس بها التنمية على الصعيد الدولي اليوم، سواء تعلق الأمر بمؤشر التنمية البشرية أو غيرها من الآليات التي تعتمدها المؤسسات الدولية ذات المصداقية العالمية، ومراكز الدراسات والبحث على الصعيد الوطني والدولي، غالبا ما تعتمد معايير بمضمون ينطلق من عامل المقابل المالي والمادي للإنجازات التي حققتها الدول المعنية في عدة مجالات، بما فيها تلك المتعلقة بالتربية والصحة وتطور التجهيزات والإنتاج الفلاحي.. والحقيقة، أن هذا الطابع السائد أبان عن محدوديته على مستويين، الأول وهو أن تحقيق نسب مهمة على صعيد الجوانب المادية المحضة لا يكفي لبلوغ تنمية متزنة، مدمجة ومستدامة، قد تمكن جميع مكونات المجتمع وجهاته الاستفادة بنفس القيمة والأهمية من الخيرات المنتجة من جهة. ومن جهة أخرى، تبقى طبيعة قياس نمو التنمية عاجزة عن تبيان مدى الرفاه الاجتماعي الذي أوصلته هذه المؤشرات للاستفادة منه من طرف كل مواطني البلد. والسبب كونها لا تأخذ بعين الاعتبار الأمور الأكثر أهمية اليوم، وهي الجوانب اللامادية المتعلقة بمعايير أصبحت أساسية، وأخص بالذكر العيش في أمن وسلام، والتمتع بالحريات الفردية والجماعية، وكذا حقوق الإنسان الأساسية في شقها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، وتلك المرتبطة  أيضا بالحكامة، والمناصفة بين المرأة والرجل، فضلا عن حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والعيش في بيئة تضمن تدبير تسامحي ومنفتح للحقل الديني. فكل هذه العناصر تندرج ضمن قياس أمور لا مادية تلتقي عند غاية العيش المشترك بالرابط والتماسك الاجتماعي. وبالتالي، الوصول إلى ما يعبر عنه علماء الاقتصاد ب"اقتصاد السعادة". ومؤداه أن إنتاج الثروة لا يعني بالضرورة استفادة الجميع منها. علما أننا إذا لم نأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات المادية فإننا لا ننظر إلا لجزء من ثروة بلد معين في مرحلة معينة. ومن ثمة، فمساءلة الجوانب اللامادية في إنتاج الثروة هو في الواقع مساءلة طبيعة النموذج التنموي الذي يؤسس له مجتمع بذاته في فترة محددة من التاريخ، وأعني بهذا، المزج بين ما هو قيمي وما هو كيفي، وكذا بين المستوى المعيشي والنمط المعيشي، الذي ينتهي بنا إلى المزج بين الفعالية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي. وعلى هذا الأساس، يمكن لبلد مثل المغرب أن يغتني في فترة ما كما هو الحال لل15 سنة الأخيرة، لكن لا يفسر ذلك كون كل المغاربة استفادوا من هذه الخيرات. أما إذا حاولنا النبش في مكامن الخلل التي حالت دون الانتفاع الجماعي من تلك الثمرات، فيمكن إرجاعها إلى المقاربة التي اعتمدت في استثمارات السياسات العمومية، وهذا ما نبه إليه جلالة الملك في خطابه الذي حث المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومؤسسات أخرى ذات مصداقية كبنك المغرب، للقيام بلوحة فحص تكشف هذه الجوانب اللامادية والتي أصبحت ضرورية، وذلك لقياس القيمة الإجمالية لما ينتجه المغاربة من خيرات، وخاصة الكشف عن آليات توزيعها في أفق جعلها مستقبلا في خدمة كل المغاربة وكافة جهات المملكة. وبهذا نكون قد أسسنا لمرجعية جديدة تندرج ضمن جيل جديد من نماذج النمو والتنمية، تضع الرفاه الاجتماعي، من خلال توزيع عادل للثروات، في صلب أي عملية تنموية مستقبلية. ومادمنا في عمق الحديث عن هذه الانتظارات، يبقى من المفيد التطرق للضمانات، لذلك أدرجها في ما عبر عنه جلالة الملك في خطابه الأخير، على أن التوصيات التي ستنبثق عن تلك الدراسة التشاركية، التي سيقوم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشراكة مع بنك المغرب، وباستناد إلى كل الدراسات والمؤسسات الوطنية والدولية، ستعمل الحكومة والجهاز التشريعي وكل من له صلة بالسياسات العمومية، على أخذها بعين الاعتبار في أفق إعطائها طابعا إجرائيا وملموسا، من زاوية استفادة هذه السياسات العمومية وكل المغاربة من ثمار التنمية مستقبلا. إذن، فالإرادة السياسية والمعبر عنها على أعلى مستوى هي الضامن الأساسي لتحويل هذه الدراسة إلى واقع عملي يستهدف الإنصاف الاجتماعي والرفاه لفائدة كل المواطنين والجهات."