الأحد 19 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

عبد الواحد الراضي يتحدث عن الحسن الثاني وبنبركة وبوعبيد وإقصاء الاتحاديين من المسيرة الخضراء

 
 
عبد الواحد الراضي يتحدث عن الحسن الثاني وبنبركة وبوعبيد وإقصاء الاتحاديين من المسيرة الخضراء

أجرى الزميل صافي الناصري حوارا على أمواج الإذاعة الوطنية مع الأستاذ عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورئيس الاتحاد البرلماني الدولي.
ومعلوم أن الراضي، الذي يجر وراءه تجربة سياسية طويلة، عاش قريبا من القادة التاريخيين للاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية أمثال المهدي بنبركة، عبد الرحيم بوعبيد، عمر بنجلون. كما كان حاضرا في كل المحطات السياسية التي صنعت المغرب الراهن من موقع المسؤول الحزبي، البرلماني، رئيس الجماعة القروية، رئيس مجلس النواب، الوزير..
في هذا الحوار يكشف الراضي عن جزء من المسار الذي قطعه طالبا ومناضلا ومسؤولا حزبيا، وشاهدا استثنائيا على وقائع صنعت المغرب المعاصر. حيث تحدث عن المنعرجات الصعبة التي قطعها المغرب منذ الاستقلال إلى الآن، وتحديدا ذلك الصراع المرير بين المخزن وجزء من الحركة الوطنية، كما تحدث عن الأوقات الحرجة التي جمعت بين الملك الراحل الحسن الثاني والقادة الاتحاديين، وتحديدا المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، وأيضا عن جذوره العائلية، وانخراطه الحزبي المبكر، فضلا عن خلفيته الفكرية والثقافية، وتحديدا الخلفية السوسيولوجية التي تحول معها إلى رجل دولة.
"الوطن الآن" تنشر بتصرف أهم ما دار في الحلقات التي خص بها الراضي الإذاعة الوطنية



سنوات فرنسا واللقاء بماجون بييرجي وسارتر وكامو

الصافي الناصري: هل كان علال الفاسي مهتما بالعمل الشبابي؟

 

عبد الواحد الراضي: طبعا كان مهتما، وكنا نجتمع في المعمورة لتحرير القوانين الأساسية للجمعيات. إذ كان المهدي بنبركة يسير أعمالنا، فيما يزورنا علال الفاسي من حين لآخر.

الصافي الناصري: بخصوص علال الفاسي. هل سبق لك أن احتككت به؟

 

عبد الواحد الراضي: نعم، لكن ليس الدرجة نفسها التي تعاملت بها مع عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة.

الصافي الناصري: بعد هذا ستتوجه إلى باريس لإتمام دراستك. في أي سنة كان ذلك؟

 

عبد الواحد الراضي: ذهبت إلى باريس في حوالي سنة 1956 أو 1957 بعد أن كنت حارسا عاما في داخلية ثانوية مولاي يوسف. وطلبت عطلة إدارية للسفر رفقة زملاء آخرين. ولكن التهامي الأزموري هو الذي غادرت معه في نفس اليوم.

الصافي الناصري: هل ذهبتما في القطار؟

 

عبد الواحد الراضي: لا، في السيارة.

الصافي الناصري: كانت السيارة لك أم للأزموري؟

 

عبد الواحد الراضي: كانت لي، حيث ادخرت بعض النقود لما كنت حارسا عاما، واشتريت سيارة صغيرة من نوع «أوستين» الذي كان يستخدم عادة في سيارات الأجرة.

الصافي الناصري: كم كان ثمن السيارة وقتها؟

 

عبد الواحد الراضي: كانت قيمة السيارة الجديدة تبلغ ما بين 7000 درهم و8000 درهم. أما سيارتي فاشتريتها مستعملة بـ 2000 درهم.

الصافي الناصري: وهل كنت على معرفة بالتهامي الأزموري وقتها؟

 

عبد الواحد الراضي: نعم، كنا أصدقاء. وكان سفره بسبب إكمال دراسته في التاريخ، وأنا ذهبت لدراسة علم النفس الاجتماعي، أي توجهنا معا نحو الشعبة الأدبية.

الصافي الناصري: ماهي الصورة التي من الممكن أن تسترجعها وأنت طالب تصل لأول مرة إلى باريس؟

عبد الواحد الراضي: لما وصلنا واجهنا، للأسف، المشاكل المادية المرتبطة بالسكن والأكل وإنجاز الوثائق الإدارية التي أضاعت لنا قدرا كبيرا من الوقت. لكن بالنسبة للدراسة فقد كان أساتذتي مثلا من الأساطير التي نسمع عنها ونقرأ لها مثل جون بييرجي لأنه كان اختصاصيا في تكوين الطفل وكان صاحب نظريات ثورية. ومازالت أبحاثه ودراساته ذات قيمة إلى يومنا هذا. وهو للتذكير سويسري كان يسكن في جنيف ويأتي كل يوم ثلاثاء لإلقاء محاضرته.

الصافي الناصري: وهل هو من أنجزت أطروحتك معه؟

عبد الواحد الراضي: لم أكن مسجلا مع بييرجي. وإنما مع جون جون بار دولو، وفي مرحلة أخرى كنت مع جاك بيرك عالم الاجتماع الذي عاش في المغرب خلال فترة معينة. لأن فرنسا كانت في ذلك الوقت في أوج سمعتها الثقافية. كان مالرو وجون بول سارتر وكامي ورومي أرون عالم الاجتماع الكبير، وكانت هناك حرب باردة حتى في الميدان الثقافي. كما كان لدينا أساتذة كبار من ذوي التوجه الماركسي والليبرالي، حيث كان غيفياش عالم الاجتماع ماركسيا وأرون كان ليبراليا، في حين أن المواجهة البارزة كانت مابين أرونو وسارتر. فكان أرونو يكتب الافتتاحية في جرائد اليمين مثل لوفيغارو وكنا نحضر محاضراتهم وندواتهم خارج الجامعة. وقد كان غابرييل مارسيل يعتبر فيلسوف اليمين المسيحي وجون بول سارتر فيلسوف اليسار وريمي أرون فيلسوف الليبرالية. فلم نكن نحضر فقط للدروس ولكن أيضا مختلف الأنشطة الثقافية التي كانت سائدة.

الصافي الناصري: وهل كنتم تدخلون إلى المسارح؟

عبد الواحد الراضي: أكيد، فقد كان المسرح الفرنسي غنيا وكانت مؤلفات جون بول سارتر وكامي والإنتاج الكلاسيكي لموليير، وكانت المسرحية الشهيرة لجون جوني التي تدعم الثورة الجزائرية.


هكذا دعمنا الثورة الجزائرية


الصافي الناصري: كيف عشتم الثورة الجزائرية التي كانت في أوجها وأنتم طلبة مغاربيون؟

عبد الواحد الراضي: عشناها بتوتر كبير، لأن كل من كانت له ملامح إفريقية كان مستهدفا. خاصة بعد 1958 التي تغيرت خلاها فرنسا بمجيء الجنرال دوغول، إذ لم تبق تلك الحياة المعروفة بالتسامح ووصلت تقريبا حتى داخل البلد إلى حرب أهلية. ورغم أنها كانت مرحلة صعبة، فقد كنا نشارك في الاجتماعات والمظاهرات المناصرة لمدعمي مطالب الجزائر.

الصافي الناصري: هل التحقت بتنظيمات حزب الاستقلال هناك؟

عبد الواحد الراضي: بطبيعة الحال، وكان ذلك من البديهيات.

الصافي الناصري: من كان المسؤول عن الحزب في باريس؟

عبد الواحد الراضي: كان هناك عدد من الإخوان مثل المهدي العلوي وعبد الحق مزور ومحمد الجعيدي وأحمد الشرقاوي، وكانوا جميعهم طلبة في نهاية دراستهم.

الصافي الناصري: كيف تعاملتم مع القضية الجزائرية من موقف حزب الاستقلال؟

عبد الواحد الراضي: كنا نتصرف وكأننا جزائريون. نؤيد استقلال الجزائر والوحدة الترابية لها كما لو كنا ندافع عن استقلال المغرب. وليس نحن فقط الطلبة، بل كذلك العمال المغاربة الذين كانوا يشاركون في الكفاح المسلح ومنهم من حوكم وأعدم. بحيث كان المغاربة إلى جانب الجزائر بدون قيد أو شرط.

الصافي الناصري: هل كانت لديكم علاقات مع جزائريين؟

عبد الواحد الراضي: أكيد، كانت علاقات لكنها محدودة لأن جبهة التحرير الجزائرية قررت أن يغادر جميع الطلبة فرنسا ويلتحقوا بجبهات القتال.



عبد الله العروي كان وطنيا محسوبا على حزب الاستقلال

 

الصافي الناصري: كنا بصدد الحديث عن وجودك بباريس وأنت طالب والأجواء الثقافية والسياسية والشباب الذي كان حاضرا معكم في هذه المرحلة. هل كان عبد الله العروي من الأسماء المتواجدة إلى جانبكم؟


عبد الواحد الراضي: أكيد، فقد كان قيدومنا لأنه سبقنا بعدة سنوات، إنما وكما هو معروف عنه اجتهد من أجل عدة شواهد وإجازات في شتى التخصصات كالآداب وعلم الاجتماع والتاريخ واللغة العربية، بحيث وظف وقته جيدا، فكان قدوة بالنسبة لنا.

الصافي الناصري: وهل كان محسوبا عليكم كطلبة استقلاليين؟

عبد الواحد الراضي: طبعا، كان محسوبا علينا كطلبة وطنيين.


المهدي بنبركة وفلسفة طريق الوحدة

المنذوب السامي للمقاومة، لكثيري أثناء الاحتفال بالذكرى 56 لبناء طريق الوحدة

 

 الصافي الناصري: في هذه المرحلة ستنظم طريق الوحدة سنة 1957 وأنت في باريس..


عبد الواحد الراضي: نعم كنت طالبا في باريس، لكنني كنت أعود للمغرب كل عطلة. ولما تقرر بناء طريق الوحدة اتصل بي المهدي بنبركة.

الصافي الناصري: كيف كانت تتم الاتصالات؟

عبد الواحد الراضي: عن طريق الهاتف والبريد والاتصال المباشر. لأن قادة الحركة الوطنية كانوا يزورون باريس كثيرا. فاتصل بي المهدي كما قلت وقال لي بأن ادخل خلال العطلة الربيعية ل1957، لأننا نهيئ لطريق الوحدة. وبالفعل عدت في الموعد.

الصافي الناصري: هل عدت في السيارة؟

عبد الواحد الراضي: طبعا، لأن تذكرة الطائرة كانت مرتفعة السعر. وكنت أصطحب معي ثلاثة أو أربعة أشخاص آخرين حتى نتقاسم مصاريف السفر. إذ كانت تكلف الرحلة من باريس إلى الرباط حوالي 200 درهم للشخص الواحد.

الصافي الناصري: إذن ستساهم في تأطير طريق الوحدة في صيف 1957..

عبد الواحد الراضي: ساهمت، أولا، في تأطير المشرفين على الأوراش. وكان معنا محمد بنسعيد والمحامي الصقلي وأستاذ الرياضة البوحديوي. كما التحق بنا محمد الحيحي وبعض الموظفين الفرنسيين في الشبيبة والرياضة.

الصافي الناصري: إذا أردت تقريب الجيل الحالي من طريق الوحدة ماذا تقول؟

عبد الواحد الراضي: لما حصل المغرب على الاستقلال لم تكن لديه الوسائل المادية الكافية. وأهم ما يملك حينها هو الثروة البشرية. فكان المهدي بنبركة قد زار الهند والصين ويوغوسلافيا، وكانت هذه الدول أيضا بإمكانيات ضعيفة، لكن لديها قدرة بشرية كبيرة. وكانوا يساهمون ليس فقط في بناء الطرق ولكن أيضا في تشييد السدود والقناطر. فاقترح إنجاز عمل وطني ذا حمولة سياسية وبوسائلنا المتواضعة وهو الطريق الممتد على مسافة 60 كيلومترا. من تاونات إلى كتامة. وهناك من سأل وقتها عن الكيفية. فقال سنسخر حوالي 3000 من المتطوعين كل شهر لمدة أربعة أشهر أي بمجموع 12000 متطوعا. فكان السؤال من جديد عن كيفية نقلهم وتوفير مؤونتهم. فأجاب بأننا لن نبني الطريق فقط بل سنبني المواطن المغربي بتكوينه. فتكون الطريق رابطة بين شمال المغرب وجنوبه وفرصة للتعارف والتواصل بين مختلف مواطني جهات المملكة لتكون بذلك الوحدة الجغرافية والوحدة الإثنية والوحدة الفكرية والسياسية. وبالفعل تمت فكرة تعبئة الشباب التي غدت نموذجا للمساهمة في مشاريع أخرى لأنه قبل طريق الوحدة كانت مجموعة من المشاريع مثل بناء المدارس وحملة لمحاربة الأكواخ ومدن القصدير، إلى جانب هذا كانت حملة الميدان الاقتصادي والفلاحي «عملية الحرث». فكان أن تم تجنيد كل الطاقات والكل ساهم في بناء هذا المغرب.

الصافي الناصري: ماذا يستحضر عبد الواحد الراضي من مشاركته في طريق الوحدة؟

عبد الواحد الراضي: لا يمكن فهم طريق الوحدة إلا بوصفها مدرسة.

الصافي الناصري: هل كان العمل متعبا وشاقا؟

عبد الواحد الراضي: شاق نوعا ما. لأن يوم من العمل موزع. فكان المتطوعون يستيقظون باكرا للقيام بتمارين رياضية ثم تناول وجبة الإفطار قبل التوجه إلى الورش. وبعد الظهيرة يتم المرور إلى مرحلة التكوين على تقوية روح المواطنة في وقت كان الكلام مازال مترددا عن الديمقراطية والانتخابات.
عقب ذلك يتناولون وجبة العشاء وبعدها السهرة التي تكون متضمنة للمسرح والأناشيد ومختلف الأنشطة الترفيهية. وللعلم، فقد شارك جلالة المغفور له الحسن الثاني وحمل الفأس ودفع البرويطة وهز البالة. فواكبنا هو والمغفور له محمد الخامس منذ البداية إلى النهاية. كانت تجربة رائعة حقا.

هكذا أنجزت أطروحتي حول تنشئة الطفل المغربي


الصافي الناصري: بعد طريق الوحدة ستعود إلى باريس لإتمام تكوينك بخصوص دراسة علم النفس الاجتماعي، وأنجزت أطروحة بعنوان «التنشئة الاجتماعية للطفل المغربي». ماذا كانت فكرة هذه الأطروحة ولو بإيجاز؟

عبد الواحد الراضي: لكل مجتمع طريقته في تنشئة أبنائه من منطلق مشروعه ومعتقداته ومتطلباته. والهدف من الحفاظ على هذه التقاليد والعادات والقيم هو معرفة كيفية إدماج الطفل في وسطه. طبعا هناك قاعدة عامة طاغية على كافة المجتمعات وتفرض نفسها، لكن يكون بالمقابل بعض الاختلاف في التفاصيل. إذ مثلا في فرنسا لدى المسيحيين التنشئة الاجتماعية الخاصة بهم. وخاصيتنا نحن أن لدينا توحيد في ثقافتنا وديننا والمذهب المالكي.

الصافي الناصري: لكن ألا يخضع هذا للتجديد وصراع بين الاتجاهات والتربية التي تميل أحيانا إلى قيم الحرية؟

عبد الواحد الراضي: هذا يبين أن التغيير من مرحلة إلى أخرى لابد أن يمر عن طريق التربية والتعليم

الصافي الناصري: بمعنى أن أي مشروع مجتمعي من المفروض أن يمر عبر المدرسة؟

عبد الواحد الراضي: ليس فقط المدرسة، بل أيضا الأسرة والشارع والمجتمع المدني والأحزاب والنقابات. فهذه كلها مؤسسات تساهم في التنشئة الاجتماعية. وهناك التنشئة السياسية والتنشئة المهنية والتنشئة الحزبية والنقابية.

الصافي الناصري: في أي سنة ناقشت أطروحتك؟

عبد الواحد الراضي: في سنة 1969.

الصافي الناصري: لكن قبل هذا عدت إلى المغرب..في أي سنة؟

عبد الواحد الراضي: في نهاية 1961.

 

 العودة إلى المغرب واحتدام الصراع السياسي بين الملك والاتحاديين

المرحومان الملك الحسن الثاني وعبد الله إبراهيم

 

الصافي الناصري: أي في المرحلة التي دخلت فيها الساحة السياسية مرحلة الصراع.


عبد الواحد الراضي: الصراع بدأ في 1958 الذي سيؤدي إلى انشقاق 1959 ثم إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في 1960. لكن سنة 1962 كانت مهمة جدا لأنها شهدت المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية وانتخابي عضوا في المجلس الوطني. وما يميز هذه السنة بالنسبة للمغرب هو الاستفتاء على الدستور الذي كان نهاية 1962 ثم ستأتي وراءها سنة 1963 موعد الانتخابات التشريعية وبداية التجربة البرلمانية في المغرب.

الصافي الناصري: إذن ستتقدم كمرشح لانتخابات 1963 لربما كأصغر أو من أصغر البرلمانيين.

عبد الواحد الراضي: كنت وقتها مساعدا للمهدي بنبركة، لأنه وبعد عودته إلى أرض الوطن في ماي 1962 استقر في المغرب وشارك في حملة الدستور والانتخابات، وكان يلعب أيضا دور الكاتب الإقليمي للاتحاد في الرباط، وكنت أصاحبه في الخروج إلى البوادي والمدن الأخرى في إطار العمل التنظيمي وأنا أستاذ مساعد في كلية الآداب بالرباط. فكنا نجوب المغرب كله لكن على الخصوص جهة الغرب «سوق الأربعاء، سيدي سليمان، حد كورت، سيدي قاسم، سيدي يحيى إلخ..». ولما حلت الانتخابات كان المهدي هو المكلف بترشيحات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فاقترح علي الترشح قبل أن يمنحني 1000 درهم التي كانت محددة كسومة مطلوبة للصندوق. وترشحت في دائرة سيدي سليمان التي كانت تضم مدينة سيدي سليمان وأربع جماعات قروية كجار المساعدة وبلعامري والصفافعة. التي كان يغلب عليها الطابع الصناعي لتواجد مصانع تلفيف الحوامض وبعض أنوية الصناعة الفلاحية.

الصافي الناصري: كم كان عدد المرشحين المنافسين لك؟

عبد الواحد الراضي: لم يكن عددهم كبيرا. كنا أربعة فقط. شخص من حزب الاستقلال وآخر من الفديك وآخر من البي بي إس.

الصافي الناصري: وماذا تذكر عن هذه الحملة الانتخابية؟

عبد الواحد الراضي: كان وقتها سني صغيرا في حدود 26 عاما، لكن ما كان يميزني هو سمعة الوالد، ثم تعبئة الشباب ومن يعرفون أسرتي. لأنني ورغم أن دراستي الابتدائية كانت في سيدي سليمان إلا أنني لم أكن معروفا. ولكنني كنت الوحيد من المترشحين حسناوي من أبناء القبيلة، أما الآخرون فكانوا من خارجها، مما شكل عاملا مساعدا لي أيضا.

الصافي الناصري: هل فزت بسهولة؟

عبد الواحد الراضي: بالعكس بصعوبة، وذلك نتيجة التزوير الذي لم يكن يُتصور. ذلك أنه في اليوم المحدد لإعلان النتائج كان لنا الحق في الدخول لمركز الفرز ولكن طردونا للتفرغ للتزوير. ومع ذلك كانت تصلني أخبار تفوقي وأعمال استبدال الأوراق الممنهجة. فخرج الناس في مظاهرة حاشدة بسيدي سليمان للهجوم على القيادة التي كان بها الصندوق المركزي. وأمام هذه الوضعية وفوزي الواضح رغم التزوير جاءت عندي السلطة تطلب مني إيقاف المتظاهرين لأن ذلك سيؤدي إلى فوضى وأحداث خطيرة. فقلت لهم بأنني لست من حرضهم على التظاهر وعلى كل واحد أن يتحمل مسؤوليته. فكان الحل أن تم الاتصال من الرباط لتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي ويعلن فوزي. فانقلبت المظاهرة إلى عرس وفرح وحملوني على الأكتاف إلى مقر الحزب في شارع محمد الخامس بسيدي سليمان.

 

 حالة الاستثناء، الحسن الثاني وعبد الرحيم بوعبيد

عبد الرحيم بوعبيد


الصافي الناصري: بعد هذا ستأتي أحداث 23 مارس 1965 ثم حالة الاستثناء. ما تستحضر منها؟

 

عبد الواحد الراضي: كان السبب المادي لأحداث مارس 1963، إن أردت، هو دورية وزير التربية الوطنية بلعباس التي حدد بها شروط الاستمرار في الدراسة. وفي الحقيقة كان قرارا إداريا "وماشي شي حاجة كبيرة" ولكن الجو كان محتقنا وكان هناك سخط عارم عن الوضعية، لأن ما وقع من تزوير وقتلى في الانتخابات كان مبالغ فيه ولم تعد لنا طاقة لتحمل المزيد. لهذا وقعت أحداث الدار البيضاء الأخطر من نوعها في المغرب. فكانت اتصالات من طرف المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بعبد الرحيم بوعبيد ليعبر له عن رغبته في تغيير السياسة المتبعة.

الصافي الناصري: حول أي المواضيع كان حديث المغفور له الحسن الثاني والراحل عبد الرحيم بوعبيد؟

 

عبد الواحد الراضي: مما لاشك فيه أن الحسن الثاني رحمه الله وصل سنة 1965 إلى قناعة عدم صلاحية السياسة التي تم نهجها، وبالتالي ضرورة العمل على تغييرها. فبدأ بالعفو على جميع معتقلي 1963 بمن فيهم المحكومين بالإعدام كالفقيه البصري وعمر بنجلون والمديوري.

الصافي الناصري: هل كان ذلك مباشرة بعد أحداث 1965؟   

 

عبد الواحد الراضي: ليس مباشرة، ولكن بعدها بأسابيع. حينها استقبل المغفور له الحسن الثاني عبد الرحيم بوعبيد، وأخبره بفكرة التغيير، مؤكدا علمه بعدم رضى الحزب عن البرلمان وما شاب الانتخابات من تزوير. ومن ثمة، عزمه على حل البرلمان وإعادة الانتخابات.

الصافي الناصري: وهل اقترح عليه الاتحاديون المشاركة في الحكومة؟

 

عبد الواحد الراضي: أكيد، بل امتد الأمر إلى المصالحة مع المهدي بنبركة، فكلف سفير المغرب بفرنسا آنذاك مولاي الحسن لكي يتصل به لأنه كان وقتها في ألمانيا من أجل إقناعه بدخول المغرب. وبالفعل كانت تلك هي مناسبة عودة المهدي إلى أرض الوطن. لكن، كل هذه التوطئات المشجعة سرعان ما انقلبت إلى سيناريو معاكس. خاصة وأن أوفقير كان قد أصبح وزيرا للداخلية في صيف 1964، ومتحكما في المغرب كله عن طريق العمال الذين كانوا جميعهم من الأمن الوطني أو الجيش، بمعنى أن كافة الآليات الأمنية بين يديه. وبذلك مارس عدة ضغوطات على جلالة الملك حتى لا يحدث أي تغيير، مع العلم أنه لم يكن الوحيد الذي يتحفظ على استبدال السياسة المتبعة. وما اختطاف واغتيال المهدي بنبركة إلا جريمة تدخل في هذا المخطط الهادف إلى إيقاف مسلسل المصالحة بين الحسن الثاني والاتحاديين. فكانت النتيجة أن تأزمت تلك العلاقة، وعوض أن يحل البرلمان وتعاد الانتخابات في ظرف 40 يوما كما ينص الدستور، استمر الوضع على هذا الحال لمدة 12 سنة، من 1965 إلى 1977.


كيف استقبل الاتحاديون اختطاف المهدي بنبركة؟

المهدي بنبركة

 

الصافي الناصري: ربما أنت أول شخص توصل بخبر اختطاف المهدي بنبركة من الاتحاديين

 

 عبد الواحد الراضي: بالفعل، فقد كانت لي علاقات قوية بالتهامي الأزموري الذي كان السبب في علمي بالنبأ.


الصافي الناصري: صديقك الذي غادرت رفقته المغرب بالسيارة..؟

 

عبد الواحد الراضي: نعم، فقد كانت تربطني به علاقة حميمية قوية. وأسبوعا قبل عملية الاختطاف، كنا قد شاركنا معا في ندوة علمية بيوغوسلافيا، لكن ونحن في طريق العودة اختار البقاء في فرنسا. وهناك افترقنا يوم 25 أكتوبر. ولما اختطف المهدي ظن الأمر يرتبط بمجرد اعتقال. فاختفى مخافة اعتقاله هو الآخر، وكلف زوجته النرويجية لتتصل بسيدة أخرى نرويجية وهي زوجة الدكتور عبد العزيز التازي، الاختصاصي في أمراض القلب حتى تخبرني. وذلك ما تم، إذ اتصلت بي الأخيرة وحكت لي جميع التفاصيل بمنزلي.

الصافي الناصري: كم مر من الوقت بين اختطاف المهدي بنبركة وعلمك بالخبر؟

 

عبد الواحد الراضي: ساعتان تقريبا. وبمجرد أن ابتلعت الصدمة ذهبت على عجل إلى بيت عبد الرحيم بوعبيد بسلا وأخبرته. فغضب غضبا شديدا، مع أنه ظن هو الآخر أن الأمر متعلق فقط بمجرد اعتقال.

الصافي الناصري: ألم يكن لكم معارف في باريس حتى تجروا معهم اتصالات؟

 

عبد الواحد الراضي: أكيد كان لنا إخوان بالعاصمة الفرنسية، لكن لم يكونوا على علم بشيء.

الصافي الناصري: من كان مسؤولا عن الحزب هناك؟

 

عبد الواحد الراضي: كان محمد الطاهري هو المسؤول هناك. وأضيف بأنه في تلك اللحظة تقرر ذهاب عبد الرحمان اليوسفي والمهدي العلوي وهما محاميان لتتبع القضية ومجريات المحاكمة طالما أن اعتقادنا كان هو ارتباط الموضوع باعتقال. هذا طبعا قبل أن تبدأ وسائل الإعلام الفرنسية في الليلة ذاتها وبعدها الدولية في فضح المستور خاصة وأن جميع اتصالات الحزب والأصدقاء والصحافة بالمسؤولين الفرنسيين أكدت بأن ليس هناك أي أمر بالاعتقال. وقتها تملكنا الخوف الشديد على مصير بنبركة باعتبار أننا لم نكن نخشى مسألة الاعتقال التي كان لها أكثر من مبرر سياسي على الأقل وتتيح إمكانية الدفاع عنه، بحكم أن المهدي كان يهيئ لمؤتمر القارات الثلاث، فضلا على إزعاجه للكثيرين أثناء الحرب الباردة. إنها كانت بالفعل أسوأ ليلة نعيشها في حياتنا.

الصافي الناصري: ومتى أعيد خط التواصل بينك وبين التهامي الأزموري؟

 

عبد الواحد الراضي: أعيد بعد أن افتضحت المؤامرة واطمئنانه على استبعاد اعتقاله أو اختطافه بعد فترة من التواري عن الأنظار.

الصافي الناصري: هل عاد حينها إلى المغرب؟

 

عبد الواحد الراضي: أبدا، لم يعد إلى المغرب. إنما التقيته في الجزائر عام 1967 بمناسبة مؤتمر الاشتراكيين العرب الذي حضرته شخصيات مهمة من جميع الأحزاب الاشتراكية بالعالم العربي.

لماذا تم إقصاء الاتحاديين من المسيرة الخضراء؟

 

 الصافي الناصري: لنمر الآن إلى محطة القضية الوطنية والمسيرة الخضراء وأجواءها التي اتسمت بدينامية جديدة عرفتها البلاد. كيف عايشتها في إطار الحزب؟

 

عبد الواحد الراضي: قضينا حقيقة سنوات من الرعب. فقد كنا مراقبين على مدار الساعة واليوم والأسبوع والشهر. منعنا من مغادرة التراب الوطني وأعطيت أوامر لمراقبي الحدود بهذا الشأن، خاصة بالنسبة لنا نحن أعضاء اللجنة الإدارية والمكتب السياسي. إنه الحصار التام الذي ضرب علينا.

الصافي الناصري: ألم يحقق طرح القضية الوطنية بعض الانفراج لكم؟

 

عبد الواحد الراضي: لما طرحت القضية الوطنية كان جميع إخواننا في السجن. ومنعونا من التجند للمسيرة الخضراء، كما صدر قرار يحظر على الموظفين الذهاب إليها. اللهم الأخ محمد منصور الذي لم يكن موظفا وذهب بطريقته الخاصة. أما نحن فكنا محاصرين بمضايقات كبيرة أحدثت آثارا عميقة في أنفسنا.

هزيمة الجيوش العربية وبراءة الدليمي

الجينرال الدليمي

 

 

الصافي الناصري: هل كان هذا بعد هزيمة 1967؟

 

عبد الواحد الراضي: بل قبلها بخمسة أيام.

الصافي الناصري: معنى ذلك أن الهزيمة كانت في 5 يونيو وأنتما التقيتما يوم فاتح يونيو

 

عبد الواحد الراضي: يوم نزلنا من الطائرة بالمغرب كانت الهزيمة. ولكن عند بداية الأحداث كنا مازلنا هناك

الصافي الناصري: من هي الأسماء التي كانت حاضرة معكم من العالم العربي؟

 

عبد الواحد الراضي: كان اللبناني الديمقراطي الشهير جمال جمبلاط ومن العراق حزب البعث وصدام حسين إنما دون أن تكون له أي سلطة أو نفوذ بعد. ومن مصر نبيل شقير وخالد محي الدين الذي كان من الضباط الأحرار ضمن مجلس قيادة الثورة، ناهيك عن عدد مهم من المسؤولين العسكريين. فيما كان الوفد الجزائري ومن بينه عبد العزيز بوتفليقة والأخضر الإبراهيمي وأعضاء من قيادة جبهة التحرير الوطني مثل عبد الكريم بلقاسم.

الصافي الناصري: ومن المغرب..؟

 

عبد الواحد الراضي: كان من المغرب ثلاثة أفراد وهم: مصطفى القرشاوي ومحمد الحبابي وعبد ربه، مع العلم أننا وجدنا هناك التهامي الأزموري ومحمد البصري.

الصافي الناصري: بعد هذا سيعيش الاتحاد مراحل صعبة أبرزها اعتقالات 1969

 

عبد الواحد الراضي: قبل ذلك كان هناك تزامن لحدثين مؤلمين بالنسبة لنا سنة 1967، أولهما هزيمة الجيوش العربية، ثم نهاية محاكمة الدليمي في قضية المهدي بنبركة ببراءته. الأمر الذي شكل لنا إحباطا مزدوجا في أسبوع واحد.

الصافي الناصري: إذن كيف عشت مرحلة اعتقالات سنة 1969؟

 

عبد الواحد الراضي: عشتها كمرحلة تحمل كل قساوة الألم والعذاب. فإخواننا يعتقلون بدون أن نعرف السبب.


الصافي الناصري: إنما في كل مرة تتجاذبكم تيارات، وهناك من يقول بأن لديكم تنظيم داخل تنظيم

 

عبد الواحد الراضي: لا، لم يكن هناك تنظيم داخلنا. فكنا نعلم قدر قيادتنا وضوابطنا ومؤتمراتنا وقراراتنا ولم يكن يخالجنا أدنى شك في توجهنا.

الصافي الناصري: لكن إذا كان عبد الرحيم بوعبيد واضحا هنا، فإن الفقيه البصري كان مع نهج آخر في الخارج لمواجهة هذه الإحباطات التي تكلمت عنها..

 

عبد الواحد الراضي: من الممكن، لكن لم تكن لنا الثقة في شيء. وأبرر لك ذلك باعتقالي في أحداث 13 يوليوز 1963 أثناء اجتماع المجلس الوطني وأنا برلماني وبحصانتي، مما بين أن "هادوك ماكانوا كيعرفو لا حصانة ولا والو. فزجوا بي في معتقل معتقل درب مولاي الشريف بتهمة أنني انقلابي وأدخل في محور المتآمرين، في حين أن لا علاقة لي بهذه الأمور. لذلك، كيف يمكن أن تصدق أي اتهامات توجه للآخرين عندما تواجه مثل هذه الادعاءات؟

الصافي الناصري: كم قضيت في درب مولاي الشريف سنة 1963؟

 

عبد الواحد الراضي: قضيت شهرا كاملا. أسبوع في الكوميسارية سنطرال بالمعاريف في الدار البيضاء، ونحو 15 يوما في درب مولا ي الشريف وأسبوعين في كوميسارية أخرى. إذ كان ينقلونني من هنا إلى هناك.. لكن كانت أصعب مرحلة هي مرحلة درب مولاي الشريف.

الصافي الناصري: لكن في 1969 لم يتم اعتقالك

 

عبد الواحد الراضي: لا لم يتم اعتقالي. واعتقل محمد اليازغي والحبيب الفرقاني ومجموعة من الإخوان.

الصافي الناصري: حكى لنا اليازغي عن ذلك في البرنامج نفسه..

 

عبد الواحد الراضي: نعم، فهو من سيكون أحسن شاهد عن هذه المرحلة لأنه عاشها، أما نحن فكنا نقوم فقط بمساعدة إخواننا. حيث كنت أنا مثلا من المتطوعين، وأحمل بسيارتي عائلة محمد اليازغي "أمه وزوجته التي كانت حينها خطيبته" إلى مراكش لزيارته بالسجن. هذه الزيارة التي كنت ممنوعا منها.

الصافي الناصري: طبعا ستتواصل السنوات القاسية من خلال المحاولتين الانقلابيتين لـ1971  و1972، ثم أحداث 3 مارس 1973

 

عبد الواحد الراضي: أكيد، فقد عشنا المرارة في كل صورها جراء دستور 1970 والضغوطات التي آنذاك، بالإضافة إلى التراجعات التي حملها وانتخابات ما سمي ببرلمان أوفقير سنة 1970. إذ في الوقت الذي كنا نطمح للتغيير وتحسن الأوضاع لم نجدها إلا في الطريق الأسوأ.

آه ... لو استمر عمر بنجلون معنا

عمر بنجلون

 

الصافي الناصري: بعد هذا سيأتي اغتيال عمر بنجلون.. ماذا يمكن أن تقول عنه؟

 

عبد الواحد الراضي: سنة تقريبا بعد المؤتمر كنت في مقر الحزب بشارع الحسن الثاني في الرباط بسبب اجتماع، ليتصل بي سيدي عبد الرحمان القاديري ويخبرني باغتيال عمر بنجلون.

الصافي الناصري: هل كان لك احتكاك بعمر بنجلون بما فيه الكفاية؟

 

عبد الواحد الراضي: أكيد، فقد تعرفت على عمر بنجلون أيام حصولنا معا على شهادة الباكالوريا. إذ كانت لنا جمعية الطلبة المغاربة قبل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومن الخدمات التي كانت تقدمها لنا هذه الجمعية بطاقات مطعم أحد الفنادق الذي كان له معه اتفاقية من أجل تناول الوجبات بأثمنة منخفضة. وكان ذلك في حوالي سنتي 1954 أو 1955. بعد ذلك أمضينا فترة في باريس ونحن ضمن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. بحيث كان كل شيء يجمعنا ونشتغل كثيرا ومتحدين في الوجهات والاعتقادات لمدة 20 سنة.

الصافي الناصري: ما الذي كان يميزعمر بنجلون أكثر في تقديرك؟

 

عبد الواحد الراضي: كان رجلا بمحاسن عديدة. له تكوين جيد في الميدان السياسي والقانوني. كان إنسانا نشيطا وبقدرة خارقة على العمل والتنظيم والإقناع. كما كان صبورا ومستعدا لكل التضحيات.

الصافي الناصري: ولكن مع هذه القدرات الكاريزماتية وهذه الجسارة. هل كان أيضا يتحلى بالمستوى السياسي الرفيع والحكمة كما كانت لدى عبد الرحيم بوعبيد؟

 

عبد الواحد الراضي: كانا شخصيتين مختلفتين.

الصافي الناصري: ألم يكن أكثر اندفاعا؟

 

عبد الواحد الراضي: لا أظن بأنه اندفاع بقدر ما كان يعتبر الأمر واجبا نضاليا.

الصافي الناصري: ولكن كان من الناس الذين ساهموا في  الخيار الديمقراطي؟

 

عبد الواحد الراضي: فعلا، فقد أعطى الكثير وتحمل الأكثر بقناعة. لأنه عاش بنفسه تجارب كثيرة ومعقدة وكان ضحية لها لأنه اشتغل أولا بالبريد وكان مؤطرا بنقابتها. كما تعذب وقبض عليه مرارا إلى درجة أننا لم نعد نستطع إحصاء عدد اعتقالاته. ولكن في الأخير بدأنا نستشعر بعض التغيير لدى عمر. لا أقول نقدا ذاتيا، ولكنه اعتراف ببعض الأخطاء كدليل على نضجه. والحقيقة لو استمر عمر لكان له تأثير كبير على الحزب.