Friday 12 September 2025
مجتمع

الشيخ يوسف احنانة في ذاكرة التسامح والتعايش المشترك كما عاشه يهود تطوان

الشيخ يوسف احنانة في ذاكرة التسامح والتعايش المشترك كما عاشه يهود تطوان من اليمين إلى اليسار :يوسف احنانة، مصطفى اعديلة، ابراهام العرار، مصطفى البكوري، أندري أزولاي، بوشتى المومني
بدار الزعيم عبد الخالق الطريس بالمدينة العتيقة، تواصل "مؤتمر تطوان للتسامح والسلام وقيم التعايش المشترك" تحت شعار:"تطوان نموذجا للتلاقح وانصهار الديانات السماوية"، السبت 8 يوليوز 2023 بمداخلة الدكتور يوسف احنانة، عضو المجلس العلمي المحلي ، في موضوع: "جدلية اللاهوت والعلم في أول مدرسة يهودية حديثة بتطوان".
استهل شيخ الأشعرية مداخلته بتحديد المقصود بيهود تطوان. إذ هم الذين تم طردهم بعد سقوط آخر قلاع المسلمين بغرناطة عام 1492.واستقر بهم المطاف في مدينة تطوان، حيث حملوا معهم الميراث العبري الأندلسي كما تشكل مع الفيلسوف واللاهوتي الكبير موسى بن ميمون، والذي يركز على تصفية الذات الإلهية من التشبيه والتعدد. وعلى الكمال الأخلاقي، كما شكلته الكتابات العبرية المتأثرة بالمعتزلة والأشاعرة.
هذا الميراث الديني والخلقي تبلور وتطور مع الربيين اليهود في تطوان، حتى شكل منظومة متناغمة ومنسجمة ومتفتحة ومستنيرة. فأضحى يهود تطوان ميالين في ثقافتهم إلى ثقافة الروح. وصارت تطوان بهم تسمى القدس الصغرى.
وعلى مستوى الأخلاق، بنى يهود تطوان منظومة أخلاقية صارمة لا وجود فيها للزواج المبكر، ولا وجود لتعدد الزوجات، ويندر فيها الطلاق. كما تسود أخلاق التراحم والمؤازرة بينهم. وأعطوا للمرأة وظيفة راقية في تكوين وتربية الأطفال على المسؤولية والاستقلالية. مما جعلهم يحظون باحترام جيرانهم من مسلمي تطوان.
وفي الجانب اللغوي حافظ يهود تطوان على اللغة الإسبانية لغة تواصل يومي لهم. مما جعل يهود الداخل يطلقون عليهم صفة الروميين أي المتشبهين بالأوربيين. في حين أطلق يهود تطوان على يهود الداخل forasteros أي الغرباء. أعني غرباء عن التمدن والتحضر، وعن الفهم الصحيح للدين.
وهذا الانفتاح اللغوي، مكنهم من ربط صلات خارجية بمختلف الأوساط في أوروبا وأمريكا.
ولما ظهرت للوجود جمعية الاتحاد الإسرائيلي العالمية، وفكرت في إنشاء مدارس لليهود عبر العالم، اختارت مدينة تطوان،لكل هذه المواصفات السابقة، سنة 1862 .حيث كانت أول مدرسة عبرية حديثة في إفريقيا وآسيا. وهي المدرسة التي ترأسها عالم تطوان، وكبير حاخامات اليهود بها وقتها، إسحاق بن وليد (1789_1870)، والذي كان مشهورا في الأوساط العبرية بسعة علمه وشخصيته المستنيرة والمتفتحة، حتى أطلق عليه بين يهود العالم شعلة المغرب العربي. فقد بذل مجهودات جبارة في أن تحقق المدرسة أهدافها.
فقد كانت كلمته التوجيهية وقت الافتتاح تشي بالتشجيع التام على العلوم الحديثة. وهو ما أنتج أن أحد التلاميذ في وقت إدارته للمدرسة ذهب إلى فرنسا لإكمال دراسته العليا هناك.
ويواصل الشيخ احنانة الحديث: كما أن الوجود اليهودي بتطوان جسد عنصر التعايش والطمأنينة ورفاهية العيش بالنسبة لتطوان. إذ كان ابن وليد شخصية عادلة، يعطي كل ذي حق حقه من غير تحيز ولا محسوبية ،حتى إنه شهر بين مسلمي تطوان بلقب العادل. فقد كان الجميع يرتاحون لأحكامه. وقد كانت له من جهة أخرى مجالسات علمية مع ولي تطوان يومها، سيدي عبد السلام بن ريسون. حيث تبادلا وجهات النظر في العديد من القضايا التي تهم أهل تطوان ومعيشهم المشترك مع أبناء بلدتهم اليهود.
و بالنظر إلى خصوصية يهود تطوان ضمن المنظومة اليهودية المغربية، ومستوى الانصهار المجتمعي لهم فيها ،عاش ابن وليد هذا مفارقة، تتمثل في أنه في عام 1865 سافر إلى فلسطين للاستقرار فيها، لكنه صدم لما اعتبره هناك من انحراف في العقيدة العبرية وفي الأخلاق، ليقرر الرجوع إلى تطوان ،ويموت بها، ويدفن عام 1870.وهذا مؤشر مهم لما كانت تمثله تطوان له من أمن روحي.
وقد كان لهذه الثقة في فضاء العيش/التعايش بتطوان أثرها البليغ حين وفاته.فقد شكل موته حدثا استثنائيا في مدينة تطوان، حيث بكاه أهلها بمختلف أطيافهم ودياناتهم.
لما توفي ابن وليد، خلفه عالم آخر، هو صامويل بن ناهون(ت1901) الذي سار على نهج سلفه، وأكمل المهمة. حيث تخرج من هذه المدرسة المئات من التلاميذ الذين التحقوا بفرنسا أو إسبانيا، لإكمال دراستهم العليا هناك.
لكنهم حينما كانوا يعودون بشهاداتهم الحديثة ،لا يجدون فرص الشغل في وطنهم الأصلي، مما كان يجعلهم ، يضطرون للهجرة إلى فنزويلا والأرجنتين وفرنسا وإسبانيا وغيرها ،دون أن يستفيد من خبراتهم ،وطنهم الأم.
ويقف المحاضر في الختام على آخر محطة لهذه المدرسة بالقول: لكن هذه الحرية ليهود تطوان في ممارسة خصوصيتهم الدينية، ستتراجع مع الحماية الإسبانية. ذلك أنه لما استعمرت إسبانيا شمال المغرب، فرضت نظامها التعليمي على يهود تطوان، فأدمجتهم في منظومتها التعليمية، مع تخصيص خمس ساعات أسبوعية لتعلم العبرية وأخرى لتعلم الدين اليهودي. وتكييف عطلهم مع أعيادهم الدينية مثل حانوكا وبوريم وشابوت.. فتم التذويب التدريجي لهذه المدرسة العبرية الحديثة في تطوان. فانتهت معها صفحة من تاريخ خطوات عملاقة في درب العلم والمعرفة، أنجزها رجال ونساء تطوان اليهود، في فضاء العيش المشترك مع مسلمي هذه المدينة.
وللإشارة، فإن مؤتمر تطوان للتسامح والسلام وقيم التعايش المشترك -المنظم من طرف جماعة تطوان، وجامعة عبد المالك السعدي، بدعم من عمالة تطوان، وبشراكة مع جمعية الصويرة موكادور، مركز الأبحاث والدراسات حول القانون العبري كرسي القانون العبري بالمغرب - قد انطلقت فعالياته، مساء يوم الجمعة 7يوليوز 2023 بالجلسة الافتتاحية في رحاب رئاسة جامعة عبد المالك السعدي ،تحت إشراف المستشار الملكي أندري أزولاي.