الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد العزيز عليلي: الجنوب الشرقي..  سحرالإقصاء وعبقرية التهميش!!

عبد العزيز عليلي: الجنوب الشرقي..  سحرالإقصاء وعبقرية التهميش!! عبد العزيز عليلي
 ترتبط جودة حياة المواطن وتحسين مستوى معيشته بإتاحة الخدمات الأساسية من صحة جيدة وتعليم جيد، بتقوية البنية التحتية ، وبالحد من الفقر، بالقضاء على الجوع، بتوفير منظومة متكاملة للحماية الاجتماعية، بإثراء الحياة الثقافية،  وبتنمية مقدرات البلاد وخيراتها وبإدارتها بطرق لا تؤدي إلى الإستنزاف والهدر. وكذا بتحقيق عدالة مجالية تمكن من الإستفادة المتوازنة مما يختزن البلد من ثروات طبيعية  ومعدنية ومن الإستثمار.،و يعني  كل ذلك إتاحة حياة كريمة والولوج للحقوق الأساسية،وهي حقوق مشروعة لجميع طبقات المجتمع دون استثناء.غير أن مانلمسه على أرض الواقع في مغربنا الحبيب هو نهج سياسة الفصل المجالي .وهي سياسة غير متوازنة ، تكرس الإرث البغيض للمستعمر؛ بوجود مغرب متعدد الأوجه : مغرب يحضى بسخاء حاتمي من طرف الدولة متمثل في استثمارات متدفقة وامتيازات مجانية لا حصر لها من قبيل المساعدات الغذائية والإعفاءات الضريبية ،الرخص،ناهيك عن توفير العديد من فرص الشغل ... ومغرب آخر متخم بالغنى تضخمت فيه جميع السلط سواء كانت سياسية أو اقتصادية ،أوغيرها . ومغرب منسي يعيش الإقصاء،العزلة والتهميش، كذاك المقذوف بالجنوب الشرقي .
ربوع ماعادت تغري، لم يعد الهدوء يعلو كثبانها الذهبية،ولم تعد نخيله باسقات تبلغ هاماتها سحاب السماء؛ولم يعد أهاليه وزواره ينغمسون ويستمتعون بنجوم لياليه الصافية. ضاق الإنسان المجبول على الطيبة درعا بتكاليف الحياة ،وعانى و أي عذاب ذاق،وأضحى يستشعر الظلم ،التهميش والحرمان . وأصبحت آماله ما بين المقبض والقوس.إلى أن اختلجته الأحاسيس والشكوك بظنه: إنهم 'أرادوا بنا كيدا' نطرح مرة أخرى هاهنا ودون كلل سؤال العدالة المجالية ،وسؤال الحكامة الترابية في جغرافية العمق والهامش بالجنوب الشرقي للمغرب بجهة درعة تافيلالت !؟؛ الجهة الأكثر تهميشا ،وتأثرا بفعل سياسة الدولة الإقصائية .
سياسة عمرت طويلا ،وتصر الحكومات المختلفة على إطالة معاناة أهلها بالتجاهل والصمم . تشير إحصاءات رسمية أن مؤشرات التنمية في  مدن الجنوب الشرقي هي الأشد انخفاضا في البلاد.فهي  تعاني الفقر والحرمان من برامج التنمية المحلية. وترزح تحت تناقضات صارخة غير مفهومة ؛ كونها تتوفر على إمكانات اقتصادية وطبيعية هامة جدا وتعيش بالمقابل واقعا بئيسا جدا لايعكس الحجم الهائل لمقدرات الجهة، فما أسباب هذا التهميش؟هل هو عقاب سياسي أم أشياء أخرى ؟ 
لقد سبق وأن تبنت الحكومة برنامجا للحد من الفوارق الترابية والمجالية ورصدت له ميزانية مهمة .وكانت القطاعات المستهدفة من البرنامج هي الصحة،الماء،
المسالك الطرقية التعليم... لكن ما لاحظناه مشهدا لجهات تثبت أقدامها في عالم التنمية والاستثمارات، وأخرى تحاول اللحاق بها، وثالثة نائية تعاني الشقاء والبؤس تستجدي العون ولا تعرف للتنمية سبيلا ،وهذا ديدن جهتنا المكلومة جهة درعة تافيلالت . حق لنا أن نصدق من قال بأن  تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر.
 تمت دسترة صندوق التضامن بين الجهات، بهدف خلق توازن بين الجهات وتجاوز التوزيع غير المتكافئ للموارد، قصد تقليص الفوارق الاجتماعية و التفاوت بينها ( الفصـل 142 ) الذي يقول:( يحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق للتأهيل الاجتماعي، يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات. يحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات، بهدف التوزيع المتكافئ للموارد، قصد التقليص من التفاوتات بينها) ، وقد صدر ظهير شريف رقم 1.15.83  يقضي بتنفيذ القانون التنظيمي يحدد موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات  المنصوص عليها في الفصل 142.بالرغم من ذلك لا تزال أوجه التفاوت واللاتوازن مستمرة على صعيد الجهة وفيما بين الجهات .
والمثير للانتباه والاستغراب هو الحجم الهائل من المقدرات المعدنية الكامنة بتراب الجهة والتي تعتبر من أثمن المعادن وأنفسها كالذهب والفضة اللذان يتمركزان في منطقة إميضر نواحي تنغير، والنحاس في منطقة احصيا بتنغير وأمجران، والبليدة بزاكورة، ومعدن الكوبالت بمنطقة بوازار وغيرها ..وأشارت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ، ليلى بنعلي مؤخرا بأن جهة درعة تافيلالت غنية بالمؤشرات المعدنية وتعد الأولى على المستوى الوطني من حيث منح عدد الرخص للشركات، بحيث وصل عددها إلى ثلاث مائة 300 شركة بالجهة.أين هي الجهة مما يختزنه ترابها؟
أضف إلى ذلك مايميز الجهة من مؤهلات متفردة كمحطة الطاقة الشمسية بورزازات  ومزرعة الطاقة الريحية بميدلت واستديوهات السينما بوارزازات والمواقع السياحية الهامة بقلعة مكونة ،مضايق تودغا بتنغير، كتبان تينفو بزاكورة ومرزوكة بالراشدية . والقصور والقصبات ..ذاك التراث المعماري الساحر على امتداد واحات الجهة ،ثم واحات النخيل على طول وادي درعة اغريس ؛وزيز؛ بالإضافة إلى توفرها على منتوجات محلية أصيلة كالورود؛ الحناء ،الزعفران ،التفاح ، التمور ...  إن مجالا بهذا الغنى والحجم لقمين بأن ينال نصيبه من الإهتمام .
دون أن ننسى الإمكانات البشرية المشهود لها عالميا بالكفاءة ،الجدارة والأهلية والتي فرت مضطرة هي الأخرى واستوطنت في أماكن تزخر بشروط العيش الكريم.هجرة بلغت مداها بعد توالي سنوات الجفاف وتراجع دور الواحات في الحياة الإقتصادية والإجتماعية ،وما لحقها من إهمال ؛خصوصا ما شهده النخيل من إبادة جماعية بسبب الإجتتاث ، الجفاف ،الحرائق ،الأمراض ،التلوث،الشيخوخة .إلى جانب نضوب المياه الجوفية بسبب الاستغلال المفرط بفعل زراعات غريبة لا تتلائم والمجال الجغرافي لهذه البقاع .عوامل جميعها ساهمت بشكل كبير في الهجرة وارتفاع نسبة البطالة بالجهة 
.وللإشارة ،بفضل هذه الواحات يتبوأ المغرب مراتب مهمة على مستوى إنتاج التمور في العالم ،تساهم جهة درعة تافيلالت لوحدها بأكثر من 80% ..
نمني النفس و نعيش على أمل التمييز الإيجابي الذي نص عليه الدستور.على الدولة أن تسعى إلى تحديد أولوياتها وفقا لمنظور يضمن توازنا مستداما بين الجهات.لأن تحقيق الوحدة الوطنية والإستقرار والسلم الإجتماعي لن يتأتى بدون عدالة مجالية، وبدون التخلي عن منطق المركز والهامش. نتطلع إلى فك العزلة عن جهة درعة تافيلالت وأن تحضى بنصيبها من التنمية وذلك ب :
- تفعيل صندوق التضامن بين الجهات الذي تمت دسترته
- توطين مشاريع تتلائم مع الخصوصيات المجالية للجهة
- إنشاء جامعة تضم جميع الكليات والتخصصات
- إنشاء مستشفى جامعي وكلية الطب
- إنشاء منطقة صناعية بالجهة 
- الرفع من نسبة الإستثمار العمومي بالجهة
- تثمين مستخرجات المناجم والكم الهائل من المعادن النفيسة بالجهة للإستفادة من عائداتها
- بلورة وتنزيل  برنامج التنمية الجهوية بهندسة ترابية منصفة
- تقوية البنية التحتية للجهة وتعزيز جادبية مدنها
- تثمين السياحة الطبية ،الطبيعية والسينمائية ،
وذلك بوضع برنامج جهوي للسياحة .حتى لا تظل الجهة منطقة عبور سياحي
- الإهتمام بالبيئة والمجال الغابوي والموارد المائية 
- خلق تكامل والتقائية واندماج بين السياسات العمومية لتفادي تعدد التصورات 
- حل الإشكالات المرتبطة بأراضي الجموع والأراضي السلالية والتي تهدد السلم والإستقرار بالمنطقة
- إنشاء وكالة لتنمية أقاليم جهة درعة تافيلالت
- نريد قيادات جهوية وإقليمية فاعلة وذات كفاءة عالية 
- تقوية القدرات الترافعية للمجتمع المدني بالجهة في إطار تشبيك فعال ومنتج .
- إنشاء إذاعة جهوية للتعريف بمؤهلات الجهة وتسويق ما تزخر به الجهة في مختلف المجالات.
في الأخير، نتمنى صادقين أن لا نظل مطمورين في المجهول .لا نريد لجهة درعة تافيلالت أن تظل خلاء صفصفا . نريدها جهة تحضى بحقها من التنمية وأن تنال تمييزا ايجابيا.  لا نريد وطنا يجمع بين متناقضات مغرب يعيش بين مراكمة الثراء الفاحش وآخر يفاقم الفقر المدقع . نطمح أن يكون مغرب اليوم وطنا ضامنا للتوزيع المتكافئ للموارد وأن تنال جميع الجهات حظها من التنمية حتى نعيش جميعا بسكينة، طمأنينة وسلام . 
عبد العزيز عليلي، رئيس جمعية درعة الكبرى للتنمية والتضامن