الأربعاء 8 مايو 2024
خارج الحدود

محسن الصادقي: هاجس الإجهاز على اتحاد المغرب العربي هدف الجزائر

محسن الصادقي: هاجس الإجهاز على اتحاد المغرب العربي هدف الجزائر الجنرال شنقريحة والرئيس عبد المجيد تبون
كشف الموقف الأرعن للنظام الجزائري ،ردا على تعيين الأمين العام لاتحاد المغرب العربي دبلوماسية مغربية تتولى إدارة إحدى مديريات الاتحاد ،ممثلة دائمة له لدى الاتحاد الإفريقي ،أن هذا النظام لم يؤمن أبدا ببناء المغرب العربي، بقدر ما بادر بسلوكاته ،منذ تأسيس الاتحاد المغاربي في 19 فبراير 1989 في مراكش ،إلى إشهار المعاول لهدم كل مبادرة صادقة لقيام الاتحاد على أسس صلبة تضمن خلق فضاء واحد يخدم التكامل والتعاون في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،في إطار التكافؤ والمساواة بين أقطاره الخمسة ،بما يجعله مؤثرا ضمن خريطة التكتلات الإقليمية والجهوية في القارة الإفريقية ، في سياق تعزيز دور التجمعات الإقليمية الاقتصادية الإفريقية الثمانية ،التي تضطلع بدور محوري في تحقيق أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، ولا سيما على مستوى التنمية الاقتصادية والاندماج.
وكانت عقيدة النظام الجزائري قبل تأسيس الاتحاد وبعده قائمة على الهيمنة وادعائه أن الجزائر دولة محورية، متوهما بذلك قدرته على ترتيب الأوضاع في المنطقة، بما يخدم نظرته التوسعية المؤسسة على ضرب وحدة المغرب الترابية وخلق كيان انفصالي تابع له في الصحراء المغربية وإخضاع كل دول المنطقة لنزعته الهيمنية.
وتأكد الإصرار الجزائري على مواصلة شل الاتحاد المغاربي ومنعه من إيجاد موطئ قدم له إلى جانب التكتلات الإقليمية المعتمدة في الاتحاد الإفريقي، في البيان الذي تهجمت فيه وزارة الخارجية الجزائرية يوم 16 أبريل الماضي على رئيس مفوضية التحاد الإفريقي موسى محمد فقي لاعتماده السيدة أمينة سلمان ممثلة دائمة للاتحاد المغاربي ،مدعية أن تعيين المندوبة غير مؤسس وأن ولاية الأمين العام لاتحاد المغرب العربي التونسي الطيب البكوش ،الذي بادر بهذا التعيين ،انتهت في فاتح غشت 2022.
ولم يتأخر رد الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي التي وجهت في بيان لها في 19 أبريل صفعة للنظام الجزائري، بأن أشهرت في وجهه حقائق سفهت فيها محتوى بيان وزارة خارجيته، أولها أن هذا النظام يتملص منذ سبع سنوات من أداء واجبات عضوية الجزائر في الاتحاد وبالتالي لا يحق له تنظيميا وسياسيا وأخلاقيا المساهمة في القرارات التي يتخذها الاتحاد أو الاعتراض عليها.
ويمكن في هذا الشأن الاسترشاد بالمتحدة التي تنص على أنه لا يكون لعضو الأمم المتحدة يتأخر عن سداد اشتراكاته المالية في المنظمة حق التصويت في الجمعية العامة إذا كان قيمة المتأخر عليه مساويا لقيمة الإشتراكات المستحقة عليه في السنتين الكاملتين السابقتين أو زائدا عنها.
والاستثناء هو سماح الجمعية العامة للدولة العضو بالتصويت إذا اقتنعت بأن التأخر في السداد ناشئ عن أسباب لا قبل للدولة العضو بها وأسهمت في عجزها عن الدفع.
ولا ينطبق هذا الوضع بالقياس على الجزائر، التي تتوفر على عائدات مالية كبيرة من صادراتها النفطية والغازية وأحجمت عن دفع مساهماتها للاتحاد المغربي، راضية في الوقت نفسه بأن يحصل دبلوماسيوها العاملون فيه على رواتبهم، طيلة ست سنوات (سحبت آخر دبلوماسي لها من الاتحاد في يوليوز 2022)، من مساهمات الدول الأربعة الأخرى.
وزعم النظام الجزائري، عبر أحد أذرعه الإعلامية، في هذا الصدد أن الدول الأربعة الأخرى لم تدفع مساهماتها في ميزانية مجلس شورى اتحاد المغرب العربي منذ 2014، علما أن عدم تلك الدول مساهماتها مبرر، لكون النظام الجزائري جعل من هذا المجلس ملحقة له وليس مؤسسة اتحادية ويكفي في هذا الشأن الاطلاع على تصريحات الأمين العام للمجلس الجزائري سعيد المقدم، التي خرج فيها عن واجبات الالتزام بمهام بوظيفته وتحول إلى بوق للنظام، خصوصا في ترويج أطروحته المعادية للمغرب ولوحدته الترابية.
وتتمثل الحقيقة الثانية التي أبرزتها أمانة الاتحاد المغاربي في أن قرار تعيين ممثلة دائمة للاتحاد لدى الاتحاد الإفريقي تم اتخاذه في سنة 2018 ولم تسمح ظروف جائحة كورونا بتنفيذه
وفندت الأمانة العامة للاتحاد ادعاءات الجزائر بحقيقة ثالثة مفادها أن اتخاذ قرار تعيين ممثلة دائمة للاتحاد لدى الاتحاد الإفريقي تزامن مع تمديد عهدة الأمين العام الطيب البكّوش الذي طلب أكثر من مرة أن يُعيّن خلف له، وآخرها بمناسبة القمة العربية بالجزائر يومي 1 و2 نونبر 2022، معبرة عن أسفها لما وقع فيه النظام الجزائري من تناقض بوصف الأمين العام بعبارة "أمين عام سابق"، رغم أن كبار رجال الدولة الجزائرية ومن بينهم الرئيس تبون واصلوا مراسلته حتى الآن، بصفته أمينا عاما للاتحاد.
وواجه الأمين العام الطيب البكوش في بداية الشهر الحالي النظام الجزائري بحقيقة تماديه في الإجهاز على بناء المغرب العربي، بقوله في حديث لقناة فرانس 24 أنه"لا يمكننا بناء اتحاد مغاربي كبير، بحدود مغلقة ولا بعلاقات دبلوماسية مقطوعة"، في إشارته إلى إغلاق النظام الحدود البرية مع المغرب منذ قرابة 29سنة وقطعه العلاقات الدبلوماسية مع المغرب منذ 24 غشت 2021، في خرق سافر لمعاهدة تأسيس الاتحاد وأوفاقه القائمة على تعزيز العلاقات بين دول الاتحاد وتسهيل تنقل الأشخاص والممتلكات ضمن فضائه الموحد.
وجاء الرد الجزائري على تصريح البكوش مطبوعا بالافتراء بأن ادعى الناطق باسم وزارة الخارجية رسميا أن "الجزائر هي العضو الوحيد في الاتحاد الذي سبق وأن صادق على جميع الاتفاقيات المبرمة في إطار اتحاد المغرب العربي منذ إنشائه مع الدعم غير المشروط لأنشطة كافة المؤسسات المغاربية ومشاريعها الاقتصادية والاجتماعية الثقافية والذي لم يبادر يوما بطلب تجميد أنشطة المؤسسات المغاربية".
والواقع أن فرية توقيع الجزائر 29 اتفاقية من أصل 37 اتفاقية اتحادية لا تنطلى على أحد. لأن العبرة بتنفيذ تلك الاتفاقيات وليس إدخالها في الأدراج وجعلها للتباهي والعمل في الاتجاه المعاكس لاتفاقية مراكش، من قبيل إغلاق الحدود البرية وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وليس من قبيل الافتخار ادعاء الناطق الرسمي الجزائري أن بلاده لم تطلب يوما ما تجميد أنشطة المؤسسات المغاربية، لأن الجزائر بادرت بدون طلب إلى تجميد أنشطة تلك المؤسسات، بما صدر عنها من مواقف وتصرفات ترمي إلى هدم الاتحاد المغاربي.
وتجلى سعي النظام الجزائري إلى قتل تطلعات الشعوب المغاربية إلى بناء الوحدة ، بإغراق المنطقة في محاورعلى أنقاض الاتحاد المغاربي،هاجسه في ذلك هوالطمع في عزل المغرب و إضعافه والهيمنة على باقي دول المنطقة ،في استصداره من الرئيس التونسي قيس سعيد ما يسمى "إعلان قرطاج"، في 16 دجنبر 2021 ،عقب زيارة الرئيس تبون لتونس ، الذي جاء فيه أنه"اعتبارا للدروس المستخلصة من التجارب السابقة وبالنظر إلى الإنجازات التي حققتها العلاقات بين البلدين، تداول الرئيسان (التونسي والجزائري) في أهمية اعتماد نظرة طموحة نحو إرساء فضاء إقليمي جديد جامع ومندمج ومتكامل يقوم على القيم والمثل والمبادئ المشتركة ويوفر ردودا منسقة وناجعة للتحديات الأمنية والاقتصادية والصحية وللأحداث ولكافة التطورات الراهنة والقادمة على الصعيدين الإقليمي والدولي".
وكشف النظام الجزائري بهذا الإعلان أن هدفه هو خلق اتحاد بديل لاتحاد المغرب العربي، لا يضم المغرب في عضويته، فضلا عن إثارته الفتن في المنطقة بما يخدم مؤامرته في الإسراع في الإجهاز على الاتحاد المغاربي ومن ذلك استغلاله الأزمة الاقتصادية والمالية في تونس لدفع الرئيس قيس سعيد إلى تخصيص استقبال رسمي للانفصالي إبراهيم غالي، بمناسبة اجتماع منتدى تيكاد للتعاون الياباني الإفريقي في الصيف الماضي، لإحداث أزمة في العلاقات بين المغرب وتونس.
وفي غمرة استمرار دسائسه لدفن الاتحاد المغاربي، لا يجد النظام الجزائري حرجا في مواصلة التضليل والكذب، بادعاء الناطق باسم وزارة خارجيته أخيرا أن "الجزائر ستبقى متمسكة بإرادتها القوية في إصلاح مسار بناء الاتحاد المغاربي وتحقيق التطلعات المشروعة لشعوبه التواقة إلى تنشيط العمل المغاربي على أُسس واضحة وجامعة ودون أي شروط مسبقة".