الأحد 19 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

الملك يطوق خطة إسبانية لتجفيف منابع إمارة المؤمنين

 
 
الملك يطوق خطة إسبانية لتجفيف منابع إمارة المؤمنين

رغم أن الملك ألف التنقل إلى مدن الشمال منذ اعتلائه العرش، فإن زيارته لمدينة الفنيدق يوم 27 يونيو 2014 كانت محط كشافات الضوء التي سلطها المراقبون على هذه الزيارة، ليس للوقوف على حصيلة عشرية إحداث العمالة المجاورة لسبتة المحتلة فقط، بل (وهذا هو المهم) لقراءة رسائل الحدث الذي احتضنه مسجد محمد الخامس بالفنيدق. ففي ذلك اليوم (27 يونيو) سيؤدي الملك محمد السادس، بوصفه أمير المؤمنين، صلاة الجمعة بالمسجد المذكور واختار لإمامة الصلاة إماما من مدينة سبتة، في شخص سي أحمد بنحمو خطيب مسجد الأمير بحي «بريسيبي» بسبتة المحتلة. وهنا بيت القصيد، فالمغرب يضم حوالي 60 ألف إمام موزعين على 50 ألف مسجد، ومع ذلك ارتأى أمير المؤمنين أن تكون صلاته ليوم الجمعة وراء الخطيب سي أحمد بنحمو تحديدا. وهو ما جعل المراقبين يلتقطون الرسائل التالية:
 1الخطيب بنحمو محسوب على مسلمي سبتة (إذا استعملنا بتحفظ القاموس الإسباني) وهو من الأئمة المعروفين في سبتة باعتناقه للمذهب المالكي، فضلا عن كونه منتسبا للزاوية التجانية، بل يعد هو المسؤول عن هذه الزاوية بالمدينة المحتلة. وإذا علمنا أن إسبانيا ظلت دوما تستعمل الورقة الدينية لفصل مغاربة سبتة ومليلية دينيا عن المغرب آنذاك نفهم رمزية المناداة على بنحمو للإمامة بأمير المؤمنين في الفنيدق، أي أن الرابط الديني أقوى من أن تفلح قوة استعمارية في تكسيره، بدليل أن هذه الرمزية تأتي لتزكي خطوة مماثلة قام بها الملك في ليلة القدر من رمضان الماضي حينما كان لفقهاء سبتة حضور في صلاة التراويح بمسجد محمد الخامس بالفنيدق، إذ كان من بين الأئمة الذين صلى وراءهم الملك آنذاك خطيب مسجد سيدي مبارك بسبتة. وهذا ما يقود إلى النقطة الثانية..
حي «بريسيبي» بسبتة من الأحياء التي فرخت فيه إسبانيا مختلف الجمعيات الحاملة للواء «المعارضة الدينية» للمغرب، فضلا عن كونه من الأحياء التي تغاضت فيه إسبانيا عن تناسل التيارات الجهادية والمتطرفة فيه. بدليل أنه ما من خلية إرهابية تفكك بشمال المغرب، إلا وتكون بصمات التيارات الجهادية بمليلية وسبتة حاضرة. وبالتالي فالمناداة على بنحمو من عمق حي احتضن البيئة الجهادية التي ربتها ورعتها إسبانيا معناه أن المغرب يخير إسبانيا بين الإسلام المعتدل والمنفتح أو التطرف واللعب بالورقة الدينية التي قد تحرق إسبانيا أكثر مما ستحرق المغرب.
إسبانيا لم تتوان عن التدخل في استغلال الورقة الدينية للتشويش على المغرب وابتزازه. بدليل أن وزارة العدل الإسبانية (الوصية على الحقل الديني) استعملت كل الطرق لاستغلال «المعارضين الدينيين بالمغرب» عبر احتضانهم وتمويلهم وتسخيرهم في التقاطبات الداخلية المغربية وحثهم على قطع حبل السرة بين المغاربة السبتيين والمليليين وإمارة المؤمنين برفض التعامل مع وزارة الأوقاف، إلا أن الخطة فشلت وازداد التئام الأئمة والخطباء والقيمين الدينيين بالمدينة المحتلة حول إمارة المؤمنين. فكانت المناداة على الخطيب سي بنحمو (وهو الصوفي المعتدل) كرسالة مشفرة للإسبان هذه يد المغرب الممدودة لتعزيز الإسلام المعتدل الذي يعد أيضا جزءا من موروث إسبانيا ومن ذاكرتها (مكث المسلمون ثمانية قرون هناك)، وبالتالي على إسبانيا التعاون لترسيخ هذا النموذج. فالمغرب ناصح أمين حتى لا تكتوي إسبانيا بالنار، إن لم نقل أنها اكتوت فعلا.

الملك بإسبانيا له سلطة زمنية على مواطنيه الإسبان، لكن من الناحية الروحية فالمسيحيون الإسبان يدينون بالولاء لسلطة الفاثيكان روحيا. وإذا كان هذا الحق مكفولا لهم فلماذا الحرص على انتهاك حق المغاربة في إشهار ولائهم الديني للمغرب؟ فإسبانيا تقيم الدنيا وتقعدها لتحرم المغاربة بسبتة ومليلية بعدم التقيد برؤية هلال رمضان مثلا مع المغرب وتحرص على نسف قانون الأحوال الشخصية كي لا تباشرها المحاكم المغربية على أساس تفويض ذلك لجمعيات تبيع وتشتري الوثائق تحت حماية الإدارة الإسبانية وبالتالي فصلاة الملك وراء الإمام بنحمو كانت أيضا - في رأي المراقبين- رسالة لحكام مدريد. فإن كانت إسبانيا ترفض وتعادي حق المغاربة الطبيعي في استرجاع سبتة ومليلية فليس لها الحق إطلاقا في حرمانهم من إشهار ولائهم للسلطة الروحية لأمير المؤمنين. ومن مصلحة إسبانيا أن تحمي الأمن الروحي للمغاربة الموجودين فوق ترابها وداخل المدينتين المحتلتين، لأنهم ليسوا جزءا من ذاكرتها المشتركة (8 قرون من الحضور المغربي في إسبانيا أيام المجد الإسلامي) بل هم أيضا جزء من رفاهيتها.

فهل سيلتقط الملك الإسباني الجديد الرسالة - الهدية؟ ذاك هو السؤال.

محمد علي حامد، رئيس جماعة المسلمين بسبتة المحتلة

 

محمد علي حامد، رئيس جماعة المسلمين بسبتة المحتلة

صلاة الملك وراء إمام سبتة زادتنا يقينا بأن المغرب يفكر فينا

أكد محمد علي حامد، رئيس «جماعة المسلمين بسبتة المحتلة»، أن الأغلبية الساحقة من ساكنة المسلمين المغاربة بمدينة سبتة يتبعون المذهب المالكي السني الصوفي، اللهم بعض الاستثناءات المشبعة بأفكار السلفية الجهادية. مشيرا في حوار مع "الوطن الآن" إلى كون جميع القيمين الدينيين والخطباء والوعاظ بالمساجد البالغ عددها34، معينون من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وفيما نفى أي مضايقات للسلطات الإسبانية على الحرية الدينية، لم يخف بعض التشويش الذي تمارسه في حق إمارة المؤمنين. وقبل أن يقدم قراءته لاختيار فقيه من سبتة لإمامة صلاة الجمعة بحضور الملك محمد السادس، أقر محمد علي حامد بعدم معرفته لأسباب التناقض المتضارب بين حرص المحتل على مراقبة المساجد وتتبع المشتبه فيهم، وكذا تصنيف المدينة كأبرز منابت تفريخ الخلايا الإرهابية.

كيف يمكن تحديد الخريطة الدينية بمدينة سبتة. بمعنى هل التيارات الموجودة بها لها علاقة بالإسلام المغربي أو الإسلام المشرقي أو بالتطرف، أم هناك استقطابات أخرى؟

الأمر الذي لا شك فيه هو أن أغلب السكان المسلمين المغاربة الحاملين للجنسية الإسبانية، يتبعون المذهب المالكي المغربي. غير أن هناك جمعيات استطاعت أن تستقطب بعض الشباب المتشبع بأفكار السلفية الجهادية وخصوصا من أولئك الذين نسمع عنهم ذهابهم إلى سوريا أو العراق. أما الأغلبية الساحقة كما قلت فهي وفية للمذهب المالكي السني الصوفي.

بكم تقدر عدد المساجد في مدينة سبتة؟
هناك تقريبا 34 مسجدا.

وإلى من يعود تدبيرها. هل إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أم لوزارة العدل الإسبانية؟
لا أستطيع الحسم في هذه المسألة، لكن ما يمكن أن أؤكده لك هو أن جميع القيمين الدينيين والخطباء والوعاظ والحزابة الذين يفوق عددهم المائة هناك 103 أو 105 قيم ديني) تابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. مع وجود، طبعا، مساجد تابعة للخواص يتولون تسييرها ولا علاقة لها بأي جهة رسمية لكن جميع القيمين يتبعون لوزارة الأوقاف بالمغرب.

ومن يتكلف ببناء المساجد بسبتة؟
l
المحسنون هم الذين يتحملون مصاريف التشييد. إلا أن هناك مساجد تساهم في بنائها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مساهمة فعالة كما هو الشأن بالنسبة لمسجد سيدي امبارك الذي عرف تجديدا هاما، فضلا على أن وزارة الأوقاف تؤدي فواتير الماء والكهرباء، إلى جانب أمور الصيانة والترميم.

كيف تتعامل السلطات الإسبانية مع النشاط الديني للمغاربة في سبتة ومليلية؟
ظاهريا ليست هناك أي مضايقات للسلطات الإسبانية أو شيء من هذا القبيل على النشاط الديني. نمارس طقوسنا بكل حرية. وبطبيعة الحال، فإن لهذه السلطات تخوف كجميع الدول من التطرف والإرهاب. لذلك تتخذ كافة أسباب الحيطة والحذر في المساجد، وتعمل على مراقبتها مراقبة دقيقة. زيادة على تتبعها للشباب الذين تبدو في تحركاتهم شبهة ما.

يقول البعض بأن إسبانيا تعمل على التشويش على إمارة المؤمنين والإسلام المغربي ككل عبر احتضانها لكل التيارات المنافية للتدين المغربي. وإيوائها للمعارضين الدينيين للمغرب، ما رأيك؟

هذه مسألة معروفة في أي وضع استعماري. إذ المحتل حيثما كان يسكنه هاجس الخوف من السكان الأصليين وتحركاتهم. ومادام السكان الأصليين لمدينة سبتة جلهم من أصل مغربي، فالإسبانيين يأخذون هذا المعطى بالكثير من الاهتمام. واضعين في حساباتهم السهولة التي من الممكن أن يجدها المغرب إن أراد استرجاع المدينتين السليبتين، مع وجود الشأن الديني في قبضة إمارة المؤمنين. لهذا يقوم الإسبانيون بين الفينة والأخرى بالتشويش على أمير المؤمنين بالخصوص، إلى درجة أنها جندت في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ 2007إن لم تخني ذاكرتي، مجموعة من الجمعيات التي انخرطت في الترويج لمزاعم عدم الحاجة في سبتة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حتى تقوم بأنشطة دينية داخل المدينة، ومن ثمة الدعوة إلى فك الارتباط الديني مع المغرب. لكن وللحمد أفشل مغاربة سبتة الخطة الإسبانية وتشبثوا بإمارة المؤمنين.

لكن كيف تفسر علاقة ماقلته بخصوص حرص السلطات الإسبانية على مراقبة المساجد مراقبة دقيقة بسبتة، واحتضان هذه الأخيرة لخلايا الإرهاب تصديرها والعناصر الجهادية نحو المغرب؟

إنه السؤال الذي يحيرنا نحن كذلك كجمعيات، على اعتبار أن السلطات الإسبانية تدعي المراقبة وتعقب المشتبه فيهم من الإرهابيين، في الوقت الذي لا نلمس سوى تفاقم الظاهرة في المدينتين. وهذا يدفعنا لطرح أسئلة أخرى، حول ما إذا كانت السلطات الإسبانية غير واعية بهذا الأمر، أم أن لها نية مبيتة، أم كونها تفكر بأن يأتي يوم تستغل فيه تلك المجموعات لغرض ما.. فكل هذه التساؤلات نضعها ولا نعرف جوابها. مع العلم أننا نسمع من وقت لآخر عن إلقاء رجال الشرطة القبض على إرهابي أو اثنين أو أكثر، واقتيادهم إلى مدريد، فيسجن البعض والأغلبية تحكم عليهم بالبراءة.

من أي زاوية تقرأ اختيار إمام من سبتة لإمامة صلاة الجمعة (27 يونيو 2014) التي أداها الملك محمد السادس بمسجد محمد الخامس في الفنيدق؟
قراءتي هي أن صلاة جلالة الملك محمد السادس بالفنيدق التي لا تبعد عن سبتة سوى ب10 كيلومترات، وتكليف خطيب من سبتة والذي هو أيضا عضو المجلس العلمي للفنيدق بالإمامة، لتعبير صريح عن عين الرضى التي ينظر بها جلالته إلى السكان المغاربة بمدينتي سبتة ومليلية. ورغبته في أن يقرب هؤلاء المواطنين وربطهم أكثر مما هو عليه الواقع بإمارة المؤمنين وبلدهم الأم.

وماذا عن الوقع الذي خلفته هذه المبادرة لدى ساكنة مدينة سبتة؟
من الصدف أن هذا الإمام يسكن في نفس الحي الذي أسكنه «حومة برينسيبي» بسبتة، والمعروف بكونه أكبر الأحياء المحتضنة للمغاربة بمدينة سبتة. والواقع، أن الجميع هناك ارتاح كثيرا لرؤية إمام منهم يصلي بجلالة الملك بالفنيدق، وازدادوا يقينا بأن المغرب يفكر فيهم ويهتم بهم خاصة على المستوى الديني.

بثينة الجحرة

مكائد الاستعمار الإسباني لطمس مغربية سبتة ومليلية المحتلتين

عانت المدينتان السليبتان سبتة ومليلية المغربيتان، سلسلة من المشاكل كان أهمها يخص الحقل الديني الذي استطاعت أن تسيطر عليه جماعات مناوئة للولاء الروحي لإمارة المؤمنين، الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، ويعود ذلك إلى رغبة السلطات الإسبانية في الاستحواذ عليه، خاصة أنها لا تنظر بعين الرضا إلى ما تعتبره «بالتدخل» المغربي في شؤونها الداخلية. فإذا عدنا إلى ما بعد الاستقلال مباشرة، نجد أن السلطات الاستعمارية عملت على قطع كل صلة تجمع بين المغاربة السبتيين والمليليين وبلدهم الأصلي المغرب، وكانت أول مبادرة هي حذف الأسماء العائلية، حتى لا يظل النسب حجة تدل على ما يربطهم بأصولهم، لتقوم مقامها الأسماء الثلاثية، ثم تحت غطاء التعليم والأعمال الخيرية، التي كانت تقوم بها راهبات قصد تلقين الديانة المسيحية لبنات المسلمين، كما أنشأت مدارس للأيتام والفقراء لنفس الغرض، فحاولت تغيير أسماء الصغار المسلمين بأسماء مسيحية بمجرد ولوجهم هذه المدارس، وبعد فشل هذه الخطة، انتقلت السلطات الاستعمارية إلى طرد المغاربة الأصليين من مدينتهم أفردا وجماعات، وتطبيق قانون جديد ينظم وجود الأجانب بإسبانيا مقحمة السكان المغاربة الأصليين في المدينتين السليبتين، قصد ضياع هوية مغربية المدينتين، وانسلاخ أبنائها عن مغربيتهم وعن مقوماتهم الثقافية والوطنية والدينية، أملا في ذوبانهم داخل مجتمع بعيد عن أصالتهم العربية والإسلامية، ولم تسلم أيضا الآثار ذات الطابع الإسلامي  بالمدينتين من الإجرام، حيث قامت السلطات الاستعمارية بمحوها من الوجود مستعملة لذلك الآلات الجارفة لهدمها وإتلاف محتوياتها ساعية إلى إلباس المدينتين العريقتين حلة أوربية تتلاءم وطبيعة محتليهما، وحاليا هناك مؤامرة تحاك من أجل فصل المدينتين عن المغرب من الناحية الدينية .ومن أجل تحقيق ذلك تصدت السلطات الاستعمارية لكل ما يتصل بلغة الدين والقرآن الكريم، فرحبت الحكومة الإستعمارية بمقترح ترسيم الدارجة والأماريغية كلغتين ثانيتين بعد اللغة الإسبانية في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، ورفضت مشروع ترسيم اللغة العربية كلغة ثانية في المدينتين، رغم أنه تم تقديم طلب في الموضوع  للبرلمان الإسباني، واعتبر تجاهل مشروع اللغة العربية، وإقرار الاعتراف بالأمازيغية وإدماجها ضمن المنظومة التربوية في مدارس مليلية المحتلة، على حساب اللغة العربية، تشجيعا لمطلب الحكم الذاتي في الريف، وفي السياق ذاته تعمد البرلمان الإسباني أن لا يناقش مشروع القرار الذي قدمته جمعيات سبتة ومليلية بخصوص الاعتراف باللغة العربية، في حين ذكرت وسائل الإعلام الإسبانية، أن استجابة الدولة الإسبانية لمطلب الجمعيات والمنظمات الإسلامية بالمدينتين السليبتين، بتدريس التربية الإسلامية وما تبعه من تعيين مجموعة من الأساتذة المختصين في الدراسات الإسلامية في المدارس، جر وراءه معارضة شديدة من قبل أعضاء فرع حزب اليسار الموحد بسبتة، الذين رفضوا قرار الحكومة بإدراج مادة التربية الإسلامية ضمن المقررات التعليمية، معتبرين ذلك الإجراء نوعا من الرضوخ لمطالب المنظمات والجمعيات الإسلامية بالمدينتين المحتلتين، وطالبوا حكومتهم المركزية بالتراجع الفوري عن هذا القرار، وإبقاء الدين بعيدا عن المدارس، أما تدريس الأمازيغية فلم يقابل بأي اعتراض من قبل الأحزاب الإسبانية. بعد كل المحاولات المباشرة الفاشلة من طرف السلطات الإسبانية لإبعاد المسلمين بالمدينتين المحتلتين عن ما يربطهم بالمغرب من علاقات دينية وثقافة وتقاليد بالإضافة إلى الروابط العائلية، بدأت تتبلور لديها فكرة طمس هذه الروابط بخلق سلاح داخل المجتمع المدني الإسلامي بالمدينتين، فسخرت بعض الأفراد تزعموا عملية فك الارتباط الديني بين مسلمي المدينتين والمغرب، هذا الارتباط الذي ظل قائما بين سكان المدينتين ووطنهم قرونا متعددة، لتبقى الحكومة الإسبانية في صفوف المتفرجين على مكائدها ضد السكان وبلدهم الأصلي، ليصبح الشأن الديني بين أيدي جماعات استطاعت أن تسيطر على بعض المساجد، تحت غطاء الدعوة والأعمال الخيرية، أبرزها جماعة الدعوة والتبليغ» وهي جماعة إسلامية، تعمل تحت رعاية السلطات الإسبانية ولم تقتصر مكائد الحكومة الإسبانية فقط على سكان المدينتين المحتلتين، بل طالت كذلك المسلمين القاطنين بإسبانيا، حيث تحاول السلطات الاسبانية منع المغرب من الإشراف على المسار الديني هناك وتأطير الجالية المغربية التي تفوق المليون مواطن، عبر جمعيات إسلامية، مما وصفته إسبانيا بالتدخل في شؤونها، وجعلها تحسب له ألف حساب محاولة بشتى الوسائل قطع الطريق أمام المغرب وعرقلة ما يصبو إليه، وتمادت أكثر لما سيطرت على الفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية ومساعدة جمعيات إسلامية محسوبة على جماعة العدل والإحسان للسيطرة على إدارتها وتسييرها، والجدير بالذكر أنه لم يتم السيطرة على الفيدرالية وتغيير رئيسها السابق بغيره لتطوير الشأن الديني بإسبانيا، وإنما لكي يظل الشأن الديني تحت سيطرة الإدارة الإسبانية عن طريق مراقبة تحركات الرئيس الجديد المنتمي لجماعة العدل والإحسان، وتوجيهه حسب هواها، وخلق ما يسمى بالإسلام الإسباني.

عن مدونة «بثينة الجحرة» (بتصرف).

  مصطفى غديري، أستاذ باحث بجامعة وجدة
                                                                                                                             

ذ. مصطفى غديري، أستاذ باحث بجامعة وجدة

الدين والأمازيغية: ورقتان تستعملهما إسبانيا لفصل مليلية عن المغرب

 

أقر مصطفى غديري، أستاذ باحث بجامعة وجدة، بأن إسبانيا وبفعل علمها الجيد بمدى خطورة الضربات الدينية ضد المغرب، فإنها لا تتردد في توظيف الورقة الدينية من أجل توسيع الهوة بين مغاربة سبتة ومليلية وبلدهم الأم عبر منحهم العديد من الامتيازات، مشيرا في حوار مع «الوطن الآن» إلى ما أسماه بالدور الخطير الذي تلعبه الزوايا في هذا الإطار، وأيضا اللغة الأمازيغية التي تستغلها الجارة الشمالية لخدمة أجندتها التمييزية بين ساكنة المدينتين المحتلتين والمغرب. وفي جوابه عن خلفيات تأخر إسبانيا عن مد يدها للمغرب رغم اكتوائها بنار الإرهاب، برر مصطفى غديري ذلك التجاهل بعدم اهتمام إسبانيا بالإسلام المعتدل بقدر ما يعنيها الجانحون الذين لا يؤذون بلدها. هذا، في الوقت الذي يرى فيه محاورنا إمامة فقيه من سبتة صلاة الجمعة أمام الملك بالفنيدق رغبة من المغرب لتأكيد رعايته لهؤلاء المواطنين الموجودين في سبتة ومليلية المحتلتين.


لماذا، في رأيك، تتهم إسبانيا دائما بتوظيف الورقة الدينية لخلخلة التقاطبات الداخلية بالمغرب؟
بالفعل، فإسبانيا تحاول بشتى الطرق استعمال الورقة الدينية لصالحها ضد المغرب، وخاصة في ما يتعلق بمسلمي أو مغاربة مليلية وسبتة. لهذا، فهي لا تدخر جهدا من أجل توسيع الهوة وخلق النفور بين المغاربة ووطنهم وكذا حكومتهم الأصلية. وحتى تبلغ هدفها ذلك، فإنها تمنح من الامتيازات للمغاربة في مليلية ما لا تمنحه للإسبان القادمين من إسبانيا. على أساس أنها مسكونة بشبح ذاك اليوم الذي قد تقترح فيه الأمم المتحدة استفتاء يُخيٍّر المغاربة في سبتة ومليلية بين إسبانيا والمغرب. ومن ثمة، ترى بأن الحل الاستباقي هو زرع نوع من العداء بين المغاربة وبلدهم. النقطة الثانية التي يمكن أن أضيفها للإجابة على سؤالك وهي المتعلقة ما يسمى بالدخل الأدنى بدون شغل أي «مرتب من غير عمل» الذي تضعه إسبانيا رهن إشارة العاطلين. ويكفي أن تعلم بأن المغاربة الموجودين في مليلية وأكثرهم من الجانحين والعاملين، إذا ما هاجموا سيارة تحمل رقما مغربيا لا تتابعهم السلطات الإسبانية وتلتزم التغاضي. في حين لا يسمح إطلاقا بمجرد اقترابهم من سيارة إسبانية. أما المسألة الأخرى التي لا تقل أهمية، فهي المتصلة بعدم الاستعمال الواعي للدين. إذ أن معظم مغاربة مليلية يجهلون تماما تعاليمه وحقيقة المذهب المالكي الذي يتبعه المغاربة والمؤسس على الاعتدال والوسطية. زد على هذا وجود الكثير من التيارات داخل مليلية، أغلبها إما من المتعصبين والأصوليين، أو الفارين من العدالة المغربية الذين تجدهم يجولون بكل حرية هناك.

لكن البعض يقول بأن إسبانيا لا تتصرف بالورقة الدينية عن جهل، وإنما بوعي، والحجة كونها تحتضن كل الذين يتبنون مذاهب أو تصورات مناهضة للتدين المغربي..
لما تكلمت عن لا وعي أو الجهل، فإنني لم أقصد إسبانيا وإنما الأتباع. لأن إسبانيا وبكل تأكيد تستعمل تلك الورقة بدراية وتبصر عال، كما أنها تعلم جيدا مدى خطورة الضربات الدينية ضد المغرب. وفي هذا الاتجاه يأتي تفسير معنى منحها الرخص لجميع الزوايا في مليلية سواء «العلوية أو القادرية أو فرع البودشيشية أو العيساوية..»، مع تمتيعها بكامل
الامتيازات. هذا في الوقت الذي لا يجب أن ننسى بأن هذه الزوايا لا تخدم المغرب والدين الإسلامي بقدر ما تخدم إيديولوجيتها. إذ كيف يمكن أن يخدم هؤلاء الدين وأغلبهم من الأميين الذين لايعرفون سوى «الطبل والغيطة والحضرة والشطيح». ومع ذلك، عندما يطلبون رخصة إقامة الموسم يتسلمونها على الفور، بل يسخر لهم حراس، في حين لو طلب الإسبانيون هذه الأمور لتم رفضها.

يلاحظ بأنه وعلى الرغم من أن المحتل واحد وهو إسبانيا، فإن الانزلاق الديني في مليلية يبقى أفظع من مثيله بسبتة. ما السبب في نظرك؟
الأمر يعود إلى مجموعة من الخلفيات، أولها سهولة الدخول إلى مليلية على عكس مدينة سبتة، إذ يمكن لأي صاحب بطاقة تعريف وطنية من الناظور ونواحيها أن يعبر لمليلية دون الحاجة إلى جواز سفر أو تأشيرة. يضاف إلى هذا عدم تواجد زوايا بسبتة شبية بتلك المتجذرة بمليلية كـ«الزاوية العلوية القادمة من الجزائر والزاوية العيساوية ذات الأصل المكناسي والزاوية القادرية الآتية من أحواز الناظور». اللهم إن استثنينا بعض الزوايا الدينية الأصيلة كالزاوية الحراقية. ثم لا نغفل مسألة استخدام اللغة الأمازيغية في هذه المنطقة التي أضافت للطين بلة وخاصة بالنسبة للأميين الذين لا يفقهون في العربية حرفا. ويبقى ما سبق ذكره في كفة، والحديث عما يمكن تسميته بجمهوريات مستقلة داخل مليلية (الأحياء المهمشة التي يقطنها المغاربة) في كفة ثانية. هذه الأخيرة التي لا تدخلها إسبانيا وتبقيها بعيدة عن مراقبتها، لما بها إجرام وفوضى. إذ لا تجد من المتجولين في تلك الأحياء الفقيرة جدا وخاصة حي الجِمال «باريوكانييوس» وحي «المعازيز العليا» وحي «المعازيز السفلى» في الأغلب الأعمر سوى الشواذ والمنحرفين والعاطلين، إلى جانب المدمنين على كل أنواع المخدرات.

هل ما قلته بخصوص الأمازيغية يفسر الأسلوب الذي تعامل به السلطات الاسبانية المغاربة هناك والمبني على أساس التمييز بين ساكنة المدينتين. على غرار سماحها للأخرين باستعمال الأمازيغية في حين رفض طلب قاطني سبتة باستعمال العربية؟
بل أزيدك أكثر من هذا، والمتمثل في توفرهم على محطة إذاعية وقناة تلفزية ناطقة بالأمازيغية داخل مليلية. وذلك في خطوة ملغومة لتشجيعهم على الغرق في سباتهم العميق. مع العلم أن أغلبهم بمستوى تعليمي متواضع ولا يتعدى مرحلة الشهادة الابتدائية.

قد نفهم من هذا أن اسبانيا تستغل اللغة الأمازيغية للعزف على وترها بغية تعميق مسافة الفرق بين المغاربة المغرب؟
هذا أكيد ومؤكد..

ولكن على صعيد آخر، ألا ترى بأن إسبانيا وبعد أن سبق لها اللعب بالورقة الدينية والجماعات المتطرفة ضد المغرب، حان الوقت عقب 2005 لتعيد النظر في سياستها تلك خاصة مع تلقيها ضربات الإرهابيين واكتوائها بنارهم، وبالتالي العمل على مد يدها إلى المغرب في محاولة لتبني نموذج إسلام معتدل؟

لابد من الاقتناع بأن إسبانيا لا يهمها الإسلام المعتدل، بقدر ما يعنيها الجانحون الذين لا يمسون أو يؤذون بلدها. وسأعطيك مثالا.. الأصوليون الذين ظهروا بالناظور والقادمون من مليلية، أحدهم كان جنديا برتبة «كابورال» وآخر برتبة «كابورال شاف». إذ تبين أنهم من المتعصبين الذين يجندون الشباب من أجل «الجهاد» في سوريا. وقس على ذلك. فمخابرات إسبانيا، على كل حال، تشتغل في ما يخدم دولتها ولا شأن لها في ما يخدم المغرب. بدليل أنها لا تسلم هؤلاء الخارجين عن القانون إلى السلطات المغربية رغم أنهم مبحوث عنهم، متحججة بعدم وجود أي علاقة لها في هذا الإطار بين مليلية والمغرب، وأقول بين مليلية والمغرب وليس بين مدريد والرباط. وحتى نكون واقعيين وديمقراطيين وأحرار في تفكيرنا، يلزم أن نثير بعض الالتفاتة إلى موضوع إزالة إسبانيا للشفرات التي كانت تضعها على أسلاكها الشائكة بمجرد تنديد السوق الأوروبية بذلك. في حين ترك المغرب فراغا بين سلك إسبانيا وأقام سياجا آخر، حيث ما إن يخرج المهاجر السري من حاجز المغرب حتى يسقط في ما بين السلكين، الأمر الذي يسهل القبض عليه من قبل الجارة الشمالية. فالمغرب وبكل صراحة، يقوم الآن بدور الدركي الحارس. إذ كيف يمكن للسوق الأوربية أن يحتج ويطالب بمنع الشفرات في الأسلاك الإسبانية ونحن نضع موانع شائكة ثانية بفرق يقدر ما بين مترين إلى ستة أمتار بين الفاصلين. وكأننا نحرص على حراسة إسبانيا في حين أنها لا تحرسنا من الداخل، بل على العكس من ذلك تطلق الجانحين والجهاديين والمتطرفين اتجاهنا. وأعتقد بأن الأجهزة المغربية تعرف ذلك حق المعرفة ولكن لا أدري سر سكوتها عنه.

المفروض أن يلعب المجلس العلمي المحلي دوره لتطويق الانزلاق بمليلية؟
سأذهب معك إلى أبعد من ذلك لأؤكد لك بأن رئيس المجلس العلمي السابق بالدريوش كان إماما بمليلية، ولولا فضيحته المالية لما عزل مؤخرا. والأكثر من هذا هو أن المغرب يمنح ما يزيد عن مائة بطاقة حج بالمجان لسكان مليلية سنويا حتى يؤدون المناسك ضمن الوفد الرسمي، ولكن الأساسي هو كونهم يظلون هم قلة. أما الفئة الواسعة من الجانحين والشواذ هم من تقوم إسبانيا بتربيتهم على هذا النمط من السلوك العدائي ضد المغرب.

سأعود إلى موضوع إمامة خطيب من سبتة لصلاة الجمعة التي أداها الملك بالفنيدق. يوم 27 يونيو لأسألك عن قراءتك لاستدعاء أمير المؤمنين لإمام من هذه المدينة المحتلة للصلاة به؟

لا يجب أن ننسى أولا، بأن سبتة ومليلية إلى حدود سنة 1946 كان الدعاء لخليفة السلطة يرفع من على منابر مساجد المدينتين. أما من جهة قراءتي للحدث، أقول بأن المغرب يحاول تتبع هؤلاء المواطنين ورعايتهم، مع منحهم ذات الامتيازات التي يمنحها للمغاربة بالداخل وربما أكثر منها.

ولكن على مستوى المجلس العلمي للناظور والدريوش، هل يمكن للمرء أن يضعه على مشرحة السؤال في ما يخص الدور الممكن أن يلعبه على صعيد القيمين والتأطير الديني في مليلية؟
والله هذا سؤال ينبغي أن يوجه لهم. أما من ناحية أخرى، لا أعتقد بأن مجالس المنطقة تلعب دورا في استقطاب مغاربة مليلية بما يكفي أو بسياسة لبقة وطريقة وسطية. لا أظن هذا. وحتى مجالسنا العلمية ليست على مستوى موحد، فذلك المحسوب على وجدة ليس هو الموجود بالدار البيضاء أو الناظور أو الدريوش. فكل مجلس له طاقته وسياسته وحنكته. في وقت كان من الأجدر أن يلعب الدور الأساسي في التحكم بالمساجد إلى آخر نقطة في حدود مليلية. والحقيقة، أنه لا علم لي إن كانوا يمضون في مسار مثل هذا أم لا. ولكن الثابت بالنسبة لي هو أن الزوايا، أقول وأكرر، تنهج مخططا خطيرا في مليلية.

خطيرا.. من أي باب مثلا؟
عبر باب استقطابها من قبل إسبانيا والمريدين الموجودين بمليلية. بمعنى أن هناك المتبوع والتابع. وهذا مشكل، لأن إسبانيا تمنح لهم الرخص والمساعدات في الكراء والماء والكهرباء وغير ذلك. ولا تنسى بأن إسبانيا لا يمكن لها أن تقوم بهذا دون أن يكون هناك ما يخدم أجندتها. لهذا، أعتقد بأن إسبانيا أذكى مما يتصور في هذا المجال.