الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

سمير شوقي: المغرب والصحافة الفرنسية.. قصة تروى

سمير شوقي: المغرب والصحافة الفرنسية.. قصة تروى سمير شوقي
محاكمة الصحفيين الفرنسيين المتهمين بالابتزاز ضد القصر الملكي. هي حلقة أخرى في العلاقة المضطربة بين الصحافة الفرنسية والمغرب.
فمنذ عام 2015، والملف يدور في المحاكم الفرنسية، بناء على الشكاية التي رفعها القصر الملكي ضد الصحفيين إريك لوران وكاثرين غراسيي.
 
النقطة التي أفاضت الكأس 
قصة هذين الصحفيين معروفة جيداً ففي غشت 2015، تم القبض عليهما متلبسين بحمل ظرفين فيهما أموال، بعد كمين نصبته لهما الشرطة الفرنسية بالتنسيق مع المدعي، محامي القصر الملكي. كان كل ظرف يحتوي على 40.000 يورو كتسبيق على المبلغ "المتفق عليه" والبالغ مليوني يورو، إضافة لإقرار مكتوب بخط اليد يؤكد فيه الصحفيان ويعلنان: "لن نكتب شيئًا أكثر عن المملكة المغربية بعد اليوم ولن نتحدث علنًا عن هذا البلد مرة أخرى، مقابل مبلغ مليوني يورو. نؤكد أننا تلقينا اليوم تسبيقا قدره ثمانون ألف يورو..". فهل هناك ما هو أوضح من إقرار مكتوب مدعوم بالتسجيلات المتاحة للعدالة الفرنسية؟. ومع ذلك خضعت العدالة لضغوط التضامن المهني لأن الصحافة الفرنسية لا تريد تشويه سمعتها واتهامها بالصحافة المرتشية، رغم أن صحفيين مرموقين صبوا جام غضبهم على زميليهما لكن في المجالس المغلقة. وهكذا تمت متابعة الصحافيين في حالة سراح بكفالة لأكثر من ستة سنوات!
الكاتب الفرنسي الشهير بكتابه "صديقنا الملك"، من عهد المرحوم الحسن الثاني جيل بيرو كان واضحا بدون لف ولا دوران و قال لـقناة ARTE: "لا يهم من أخذ زمام المبادرة، ما تم إثباته هو أنهما وافقا على بيع ذمتهم وانتهى الأمر، لقد حدث الضرر". المتهمة غراسييي، غير قادرة على الدفاع عن نفسها بشأن حقيقة الارتشاء، تحاول عبثًا أن تبرىء نفسها بحجة مضحكة و مبكية في الآن ذاته : "لقد سئمت الكتابة عن المغرب ولا شيء يتغير ...أنا متعبة وأعتقد أن لدي الحق لتحقيق حلمي في الحصول على إسطبل الخيول الخاص بي!". يبدو أنها مكلفة بمهمة الدفاع عن شعب "مضطهد" لا يستطيع التعبير عن نفسه دون علم هذا الشعب! إن الصحافة الفرنسية تدرك جيدا أنه في المغرب هناك مظاهرات احتجاجية مصرح بها كل يوم، وأن الصحافة المطبوعة والرقمية مليئة بالمواضيع بالغة الأهمية وحتى الحساسة. يشير هذا إلى كون الصحافة الفرنسية تجاوزها الزمن و مازالت تدقق فينا بنفس الطريقة كما كانت تفعل قبل ثلاثين عامًا، بينما تغير العالم تمامًا وقلبت الشبكات الاجتماعية الأمور رأسًا على عقب وكسرت العديد من الطابوهات لدينا كما في العالم أجمع، و ما عليهم إلا أن يطلعوا عما يُكتب في الشبكة العنكبوتية المغربية.
أخيرًا، إذا كانت هذه القضية تخاطر بتحطيم حلم غراسيي في الإسطبل، فلن تسمح للمتهم الثاني لوران بالتمتع بتقاعد ذهبي أيضًا، كما قال لزملائه الصحفيين. كلاهما يواجه خطر السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات مع غرامة قدرها 75000 يورو حسب القانون الفرنسي إذا طُبق حرفياً.
 لكن الغريب أن المدعي العام الفرنسي لم يطلب سوى سنة واحدة مع وقف التنفيذ!
المغرب سجل
تجاري مربح
الصحافة الفرنسية دائما مهتمة بالمغرب لعدة أسباب أهمها القرب الثقافي و جمهور القراء الكبير. المقالات الصحفية والتقارير التلفزيونية والكتب عن المملكة لا تعد ولا تحصى وتستند غالباً على رؤية واحدة للمعارضين للنظام المغربي. و في الواقع، على مدار الثلاثين عامًا الماضية، من الواضح أنه عندما يتعلق الأمر بالمغرب، هناك ثلاثة أنواع من الصحافة بفرنسا.
الأول، كتابات أو أشرطة وثائقية وتحقيقات تدافع عن المصداقية والحياد بدون أي خلفيات ، وهذه أقلية. 
ثانياً، الصحافة التي تداعب المملكة مقابل الكرم من أجل القوة الناعمة وحتى الدعاية. 
ثالثاً، اختيار بعض وسائل الإعلام خط تحريري عدائي للإضرار بصورة المغرب لسببين إثنين. ابتزاز المملكة، كما هو الحال مع غراسيي ولوران، أو الرد على طلب دولة تسعى لتشويه سمعة المملكة. و في الحالتين لا يشرف الأمر الصحافة الفرنسية.
على أي حال، فإن هذه  الصحافة ، بجميع أشكالها، تجد نفسها متورطة في هذا المستنقع الذي يضر بصورتها، ويزداد تورطها عندما تدافع عن ما لايمكن الدفاع عنه، وهو الإبتزاز والرشوة، حتى لو كان ذلك يعني فقدان مصداقيتها.
فعندما يخرج صحفي من إحدى الصحف اليومية الفرنسية المشهورة و يعلن دون إحراج، في مجموعة من القنوات ، أن غراسيي ولوران غير مخطئان لأن الآخر هو الذي حاول إرشاؤهما، فلا يمكن إلا أن ندعو الصحافة الفرنسية للتوقف عن إعداد نفسها كمقدم دروس. وفي انتظار حكم محكمة باريس، ستؤدي متابعة الصحافة الفرنسية لفضيحة غراسيي و لوران إلى تدفق الكثير من الحبر هنا وهناك، لكن أهم شيء هو وضع القصر الملكي حدا لكل محاولات الابتزاز للمملكة. وترك لكل فرد الحرية في كتابة أو إنتاج المحتوى الذي يناسبه، وأي انحراف عن قانون الصحافة من شأنه أن يؤدي إلى اللجوء إلى العدالة، وهي أنبل خطوة.