الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي: الاصطدام بالواقع 

عبد السلام المساوي: الاصطدام بالواقع  عبد السلام المساوي
 ليس هناك أسهل من إنكار الواقع ومعطياته على مستوى الخطاب، غير انه ليس هناك أقصر الطرق الى الاصطدام بالواقع ومعطياته من هذا الإنكار. يوحي الإنكار برفع الواقع، وبالقدرة على التحدي، والاستخفاف بقوته. لكن الاصطدام، عندما يحدث، يكشف ان مواطن الضعف، كلها، في الإنكار، وان القوة الحقيقية تكمن في الاعتراف بالواقع باعتباره مدخلا لا مناص منه للتأثير، وربما المساهمة في تغيير اتجاهات الأحداث.
 ليس ممكنًا إدارة الظهر للواقع إلى ما لا نهاية. ذلك أن هذا الأخير يصر على احتلال موقع الصدارة في نهاية المطاف. وهكذا يجده المرء منتصبًا أمامه، حيثما حل وارتحل، رغمًا من الظن الذي لازمه بأن إدارة الظهر للواقع كفيل بنفيه والتحر من قوانين جاذبيته القاهرة. 
وعندما يحدث الاصطدام المحتوم بين الواقع ووعي عدم القدرة على تجاهله، تكون الغلبة للواقع على الوعي الذي دخل غمار المعركة وهو أعزل وأكثر هشاشة على تحمل صدمات المواجهة .
ليس بإمكان من ينطلق من تصورات يعتقدها ثابتة لقراءة الواقع المتغير أن يقوم بقراءة موضوعية ومطابقة لمقتضيات الواقع. ليس بسبب عدم قبول الواقع المتغير فكرة الثبات على حال فحسب، وإنما أيضا لتهافت منطق الثبات في تصورات الانطلاق وفساد المسلمات التي يقوم عليها.
إن الواقع قادر على كشف هذا التهافت بطبيعة الحال، غير أن عقل تلك التصورات التبريرية لا يسمح بطرح مسألة مسلماته على بساط البحث والتمحيص.
وهكذا يحرم نفسه من إمكانية القيام بالمراجعات الضرورية لكل تقدم في مقاربة الواقع ولمساءلة التصورات في ضوئها في آن معا. 
والمحصلة النهائية التخبط والإبداع فيه أحيانا .
تكرار كلمة من الكلمات او مفهوم من المفاهيم في مجال تحليل واقع متحرك على الدوام، لا يسهم كثيرا في تفسير هذا الواقع، فأحرى ان يكون عاملا من عوامل تغييره. ذلك ان المفاهيم او ما يقوم مقامها من العبارات اذا لم تكن قادرة على مواكبة تطور الواقع بمختلف ابعاده المادية والفكرية والسياسية تصاب بالتكلس وتفقد بالضرورة قدرتها على التحليل بل قد تتحول الى ما يشبه تعويذة يخيل لمن يثابرون على تكرارها انها تملك من القدرات الخارقة ما يعفيهم من بذل الجهود المضنية التي يتطلبها الاضطلاع بمهام محاولة فهم الواقع والعمل على تغييره.
هذا يعني ان المفاهيم تفقد مع مرور الزمن قدراتها الإجرائية في مقاربة الواقع ما لم تكن قادرة على مواكبة تطوراته وبذلك تدب اليها مفاعيل اللاجدوى في أحسن حالاتها وكثيرا ما تتحول الى أداة للتضليل وحجب حقائق الواقع.
وبالمناسبة فهذا يسري على التي يتم نعتها عادة بالحديثة كما يسري على عبارات تقليدية تم التعامل معها في فترة من الفترات باعتبارها مفاهيم اجرائية في تشخيص الواقع او تحليله في هذا المجتمع او ذاك.