السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: توتر اجتماعي وسياسي كبير بفرنسا على خلفية اصلاح نظام التقاعد

يوسف لهلالي: توتر اجتماعي وسياسي كبير بفرنسا على خلفية اصلاح نظام التقاعد يوسف لهلالي

تعيش فرنسا توثرا اجتماعيا وسياسيا على خلفية اصلاح نظام التقاعد، وكشفت الحكومة الثلاثاء الماضي على مشروعها لاصلاح نظام التقاعد الذي تضمن رفع سن التقاعد الى 64 عاما وهو ما يرغب به الرئيس ايمانويل ماكرون وتعارضه النقابات، وهو المشروع الذي وحد النقابات بمختلف توجهاتها.

وحدة النقابات وغياب اغلبية لصالح الحكومة تندر ببداية سنة جد ساخنة ومظاهرات ضد الحكومة، خاصة ان استطلاعات الرأي كشفت هي الأخرى ان اغلبية الراي العام الفرنسي يعارض بدوره هذا الإصلاح.

ومند ثلاثة عقود كان اصلاح نظام التقاعد مصدرا لتوثر الاجتماعي بفرنسا، وكانت هذه الإصلاحات لأنظمة التقاعد تتم للاستجابة لتقدم السكان بالسن، حيث بدأ الهرم السكاني يتميز بالشيخوخة وهو ما يشكل ضغطا ماليا كبيرا على صناديق التقاعد.
وكان الاصلاح الذي يركز على تمديد سن العمل بفرنسا. تنظم ضده تحركات عمالية واحتجاجات اجتماعية. لكن المفارقة الكبيرة بفرنسا ان الحكومة تريد تمديد سن العمل في بلد تعتبر فيه نسبة توظيف كبار السن جد متدنية مقارنة بباقي البلدان الصناعية.

وفي الوقت الذي يقترح فيه المعارضون إصلاحات مختلفة تركز على رفع من المساهمات من اجل تغطية العجز في حين يتشبث الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالإصلاح الذي يركز على العمل لفترة اطول.
وتقترح  الحكومة رفع سن التقاعد قانونيا الى 64 عاما بدلا من 62 حاليا، كما سبق لها ان صرحت في الاعلام ان  فكرة رفعه الى 65 عاما ليس طابو محرم.
هذا الارجاء في سن التقاعد، سيرافق تمديد فترة المساهمات التي  الى 43 عاما قبل أفق 2035 الذي حدده إصلاح سابق لهذه المنظومة.
وتأمل الحكومة  بهذا الإصلاح  خفض النفقات بحلول العام 2030. وقد تكون مستعدة لرفع الحد الأدنى لرواتب التقاعد الى 1200 يورو لكل المتقاعدين.
ولا يحظى رفع سن التقاعد بتأييد شعبي في فرنسا والذي تعارضه الأغلبية، في بلد اوربي يبقى فيها سن التقاعد هو الأدنى مقارنة مع المانيا أو إيطاليا إو إسبانيا.
فقد عبر أكثر من ثلثي الفرنسيين (68%) عن معارضتهم رفعه الى 64 عاما بحسب استطلاع أجراه "ايفوب ".

النقابات وفي اجماع نادر، اعتبرت هذا الإصلاح ظالما، خاصة ضد العمال غير المؤهلين او الذين يقومون بأعمال شاقة حيث يستحيل عليهم الاستمرار في هذا النوع من العمل الى سن 64.

المعارضة السياسية من جهتها لا تؤيد هذا الإصلاح خاصة اليسارية التي تعتبره في خدمة الميسورين. وأمام هذا الاجماع بين النقابات وأحزاب اليسار بالبرلمان، تسعى الحكومة الى استمالة نواب اليمين (الجمهوريون) لصالح مشروعها، وللحصول على اغلبية في البرلمان، وقد ابدى زعيم المعارضة اليمينية ورئيسها إيريك سيوتي استعداده للتصويت على "إصلاح عادل". كما صرح حول هذا الموضوع.
هذا التصويت لحزب الجمهوريين يمكن أن يجنب الحكومة اللجوء مرة أخرى الى المادة 49.3 التي لا تعتبر ديموقراطية واستخدمت حوالي عشر مرات في ظل الولاية الثانية لإيمانويل ماكرون منذ خسر حزبه الغالبية في الجمعية الوطنية، وهي تتيح للحكومة تمرير مشاريع قوانين بدون عرضها على التصويت.

 

النقابات عقدت اجتماعاتها التنسيقية وأعلنت التعبئة الشاملة ضد هذا المشروع وتحالف اليسار هو الاخر يهدد بمواجهة هذا المشروع داخل قبة البرلمان وكذلك من خلال التظاهر والاحتجاج مع النقابات.

طبعا الجميع ينتظر بفرنسا رهان القوة الذي دخلت فيه الحكومة مع النقابات والمعارضة، وقد نجحت الحكومة في توحيد النقابات بمختلف تياراتها حول معارضة هذا الإصلاح، وإذا كان ايمانويل ماكرون يعتبر ان اصلاح نظام التقاعد هو" ام الإصلاحات" فإن النقابات ردت عليه بالقول بانها سوف تأخذ ضده "ام المعارك"، وهذا الشهر الذي سيعرض فيه مشروع اصلاح التقاعد على البرلمان سوف يكون مقياسا لتوثر الاجتماعي بهذا البلد.

وأول مؤشر سلبي، لا يخدم مصلحة الحكومة، كان يوم السبت الماضي، حيث عادت إلى الشارع حركة "السترات الصفراء" التي ألقت تجمعاتها بثقلها لمدة أكثر من سنة على ولاية ماكرون الأولى. التجمع الأول بباريس وبعض المدن الفرنسية تخللته أغان منددة بالرئيس الفرنسي لكن بدون أعمال عنف أو صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن التي سادت هذه التحركات بين نهاية 2018 ومطلع 2020.
لكن التساؤل الذي سيبقى مطروحا، هل ستأخذ هذه التظاهرات الاحتجاجية لنقابات ولسترات الصفراء حجما متزايدا مع إصلاح سن التقاعد، والنقاشات التي سترافقه بالبرلمان. ام ان زخم هذه التظاهرات سيكون ضعيفا وسينجح ماكرون وحلفاؤه في فرض اصلاحهم لتقاعد على الفرنسيين خاصة انه استطاع استقطاب جزء من المعارضة السياسية بالبرلمان وهو حزب الجمهوريين اليميني الذي عبر عن ارتياحه ودعمه لهذا الإصلاح.  هذا السؤال حول نجاح ام فشكل معارضي هذا المشروع في مواجهة الحكومة سوف تجيب عنه الوضعية الاجتماعية بفرنسا في الأيام والاسابيع المقبلة.