الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد فردوس: وداعا شمعتنا "الصَّبَّاحِيَةْ" التي أضاءت أوراق وجع الوطن وأنفاسه 

أحمد فردوس: وداعا شمعتنا "الصَّبَّاحِيَةْ" التي أضاءت أوراق وجع الوطن وأنفاسه  أحمد فردوس
هل غادرنا؟ هل رحل عنا في عز شبابه وعطائه؟ ألا يكون الرجل قد سئم من أقنعة مسرح الحياة الخادعة، واختار جوار ربه للتأمل قليلا، وفتح نقاش مع من اختطفهم الموت من رجالات الإعلام والصحافة والفكر والثقافة والفن هناك؟ 
لذلك لا يمكن أن أرثيك أيها المصباح المضيء المتلألئ في سماء الصحافة، أنت الحاضر معنا وبيننا وإلى أبد الآبدين. لقد تركت الأثر الطيب والخالد في نفوسنا جميعا نحن الذين نعرف قيمتك الإنسانية، بالكلمة الطيبة، بالسلوك الأنيق الذي يكشف عن طينة الرجال من حملة سلاح القلم الذين قال فيهم المولى عز وجل: ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَنْ يَنْتَظِر وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلا).
بالنسبة لي فقد كان الزميل توفيق مصباح نعم الموجه والناصح والرفيق والأخ والصديق والزميل الذي لا يتردد في السؤال عن الحال والأحوال كلما رن هاتفي. (كاين شي تبوريدة، ماذا في جعبتك من مواد تراثية وثقافة شعبية... سلم ليا على المدير أمين اليوسفي فردوس) كان حريصا على الإطمئنان وتتبع خطواتنا ومسارنا وكيفية معالجتنا للأخبار، والمواد الإعلامية، ومصححا لأخطاء الكتابة والرقن... لأنه كان يؤمن بالعمل الصحفي الجاد.
على نور مصباحه السّحري، كان يقاوم بإرادة قوية كل مظاهر القبح بسلاح الكتابة الجميلة، لا يخطئ الهدف برصاص قلمه السيّال، حتى المرض اللّعين واجهه بالكتابة الرزينة والنكتة الساخرة، وكان يبتسم بفرح في وجه الألم بالأمل.
كان آخر ما قرأت لزميلنا الراحل توفيق مصباح رحمة الله عليه، نصا "مؤلما" كتبه بسبك ينبض بالحياة الجميلة رغم قساوتها وقدر المرض اللعين، حيث صاغ النصّ بحروف وكلمات تفوح بعطر الأمل، ولم يتردد في مخاطبة "الموت" بلغته الأنيقة النافدة إلى أعماق الفؤاد ليخلخل بقلمه هواجس الخوف والقلق من مصير محتوم..."الموت كنهاية".
ألم يتوسّل فينا مصباح نورنا، ذات يوم أن نبحث معه عن هذا الموت من أجلنا ـ نحن الطامعين ـ بالزيادة في أعمارنا حين قال لنا: "دُلّوني على هذا المسمّى (الموت) لأتفاوض معه وأعقد معه صفقة. أريد أن أقول له خذْ نفسا عميقا واسترح قليلا. ألا تتعب أيها الموت؟ ألا تتعب من ضجر الجنائز؟ كم يكفيك من الموتى لتنام طويلا وتحلم بالصباح وتغريدة الحسّون؟ ترجّل قليلا من قطار الحصاد. استرح تحت ظل أشجار حديقة بيتنا..."
فعلا لا يخاطب "الموت" إلا من آمن به كقدر محتوم، فلترقد روحك الطاهرة بسلام في جنة الخلد مع الصديقين وحسن أولئك رفيقا عزيزنا الأعز.
ألم ينبه مصباحنا المنير إلى عادات سيئة تقترف صباح مساء من طرف طوابير المتسولين بأقنعتهم المتنوعة، متأبطين شهادة الضعف والمرض على مواقع التواصل الاجتماعي، (نَبَّهَ) إلى عدم المسير تحت جنح الظلام، والاسترزاق بالمرض والتسول بالألم، حيث دعا أقوام الفيسبوك إلى نثر ورود الفرح والأمل؟ 
فلنعد قراءة هذا النص البليغ الذي خطته أنامل فقيدنا العزيز:
"لا تسترزقوا بالمرض...لا تتسولوا بالألم...انثروا ورود الفرح والأمل يرحمكم الله!!!  
لا يختلف الكثيرون ممّن أشهروا مرضهم بالفايسبوك، سواء كانوا متعمّدين أم صادقين في درجات النفاق. إشهار المرض في حد ذاته على مواقع التواصل الاجتماعي تحوّل إلى عادة سيئة. إعلان أخبار الوفيات جعل صفحات الفايسبوك صفحات مآتم ومعرضا للحداد. تقاسم الألم مع أصدقاء افتراضيين هو منتهى "تسوّل" الجمجمات ورصّ الجماجم.
العزاء لا تختزله فقرة أو مجرد صورة مطرزة لجمع "بصمات" الأصابع الزرقاء، بل العزاء هو أن أتقاسم معك عن قرب ألم الفقدان.
عيادة المريض بكيس بلاستيكي من الفواكه الطازجة وعلب دانون والحليب المبستر خير من نسخ عبارات جاهزة "باردة" موشّاة برموز القلوب والوجوه المستعارة.
فعلّة بعض المشاهير في الاسترزاق بالمرض والتعازي كشفت عن الجانب المشوّه في علاقاتنا الإنسانية الباردة التي طغت عليها أحاسيس النفاق والرّياء والتباعد الجسدي الحقيقي والتفاعل الإنساني الصادق.  فلا تسترزقوا بالمرض. لا تتسولوا بالألم. انثروا ورود الفرح والأمل يرحمكم الله".
كان وسيظل نبراسا مضيئا بمصباحه الوضاء، كيف لا وهو الذي كان يبدع مفردات وجمل نابضة بالحيوية والسخرية ترمي الهدف برصاص قلمه السيال، حيث أبدع خلال منافسات كأس العالم بقطر قولته الشهيرة: "النصيري...أخبرنا ماذا قال لك السحاب". أمنا في نقده لبعض أشباه المخرجين والمنتجين والممثلين السينمائيين فقد قال عنهم: "سينماهم على وجوههم".