أبرز الملفات الحارقة التي ينبغي للحكومة الاشتغال عليها هي : محاربة الغلاء، الفساد، بطالة الشباب وعلاقتها بالهجرة، التغطية الاجتماعية، الاستثمار.
بالنسبة للملف الأول: أي محاربة الغلاء، للأسف الحكومة المغربية لم تتخذ أي إجراء بهذا الخصوص وتصرفت بلا مبالاة مقلقة ومزعجة وكأن الأمر لا يعنيها، في حين أن أوضاع الأغلبية الساحقة للشعب المغربي هي أوضاع كارثية بعد تداعيات الجائحة وتداعيات الجفاف القاسي، وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، التي أدت الى ارتفاع أسعار الطاقة وبالتالي أسعار المحروقات وأسعار الحبوب والمواد الغذائية، ومعلوم أن العديد من الدول اتخذت اجراءات استثنائية لمواجهة ارتفاع الأسعار وخاصة ارتفاع أسعار المحروقات، وأعتقد أن ملف المحروقات يعد من الملفات التي ينبغي أن تحظى بالأولوية لأنه في الحقيقة يشكل فضيحة في المغرب، على اعتبار أن تحرير أسعار المحروقات انعكس بشكل سلبي وكارثي على أسعار جميع المواد، لكونها تدخل ضمن تكاليف جميع البضائع والخدمات، سواء فيما يتعلق بالنقل أو الإنتاج، الخ.
وللأسف فالحكومة أطلقت اليد للوبيات المحروقات وتركتهم يراكمون الأرباح في ظرف قياسي بدون اتخاذ أي اجراءات لحد الآن، بل كان هناك تواطؤ في هذا الملف، لدرجة أن أسعار المحروقات في المغرب هي الأعلى في العالم العربي ومنطقة شمال إفريقيا.
الملف الثاني: ويتعلق بمحاربة الفساد الذي استشرى بشكل فظيع في المغرب، رغم التصنيف المخجل للمغرب في التصنيف العالمي للشفافية لم تتخذ الحكومة اجراءات في هذا الباب، سواء فيما يتعلق بالملفات التي تطرحها الجمعية المغربية لحماية المال العام أو جمعيات أخرى وهي ملفات معززة بالدلائل والحجج أو التقارير المتتالية للمجلس الأعلى للحسابات، وبعض تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولازال موضوع محاربة الفساد يراوح مكانه، وهو مت يشجع المفسدين على الاستمرار وخير دليل هو فضيحة بيع تذاكر مباريات مونديال قطر 2022 بشكل مخجل أثار فضيحة وأساء لسمعة البلاد ورغم أداء المنتخب الوطني في المونديال الذي غطى جزئيا على هذه الفضيحة فإن هذه الفضيحة تتطلب المتابعة ومعاقبة المتورطين فيها، وأعتقد أن غياب المحاسبة وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة وغياب ارادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد يعد مؤشرا عن مستويات الفساد في بلادنا في جميع القطاعات بما فيها القطاع الرياضي.
الملف الثالث: هو ملف التغطية الاجتماعية، وبهذا الخصوص لابد من الإشارة الى أن حديث وسائل الإعلام العمومية عن الدولة الاجتماعية هو من قبيل ذر الرماد في العيون، لأنه لايمكن الحديث عن الدولة الاجتماعية دون الارتقاء وتطهير المرافق الاجتماعية التي تمس الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، فبدون تعليم عمومي جيد ومجاني وبدون صحة عمومية ذات جودة ومجانية لأغلبية المغاربة، وبدون وسائل نقل مريحة وبدون سكن لائق لكافة المغاربة يبقى الحديث عن الدولة الاجتماعية من قبيل الدعاية الكاذبة لجبر الخواطر وخلق آمال كاذبة، علما أن المغاربة ظلوا ينتظرون منذ عقدين تحقيق الوعود بالنهوض بأوضاع القطاعات الاجتماعية الخمس دون أن تتحقق هذه الوعود، فالدولة الاجتماعية تقتضي الى جانب الاهتمام بالمرافق المذكورة أن يكون لكل مواطن دخل أدنى يضمن له العيش الكريم، وخاصة من لا يستطيعون العمل من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وبالتالي فالحديث عن الدولة الاجتماعية في غياب ضمان هذا الدخل لكل لفئات الشعب المغربي لا معنى له.
والملف الرابع: هو ملف بطالة الشباب والهجرة، حيث أبهر الشباب المغربي العالم ورفع السقف عاليا، وكشف أن المغرب له طاقات هائلة اذا تم تحريرها واذا ضمنت لها الحقوق الى جانب الواجبات وليس فقط في كرة القدم، فهناك انجازات كبيرة للعلماء المغاربة في أمريكا وفرنسا واسبانيا في مجالات متعددة بما فيها مجال الفضاء، واذا تم فتح المجال وتم استقطاب هذه النخب لاستطاع المغرب ان يستفيد منها كثيرا وأن يتقدم بخطوات كبيرة ويلتحق بركب الدول الصاعدة، ولكن للأسف فمغاربة العالم يتم التعامل معهم بشكل انتهازي وتوظيفي، بمعنى أن الدولة تنتظر فقط الموجودات الخارجية وتنتظر قدومهم في الصيف لإنعاش الحركة السياحية الداخلية بينما يتم حرمانهم المشاركة السياسية وفي الانتخابات وأن يكون لهم ممثلين في البرلمان، وهذا حيف كبير بالنسبة لمغاربة العالم، وينبغي إدراج هذا الملف ضمن أولويات الحكومة، كما ينبغي إحداث وزارة خاصة بمغاربة العالم.
والملف الخامس: وهو مجال الاستثمار وقد يكون لمغاربة العالم دور كبير في هذا الملف، فمن المؤكد بحسب الكثير من المهتمين أنه يستحيل تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، ويستحيل رفع نسبة النمو، وبالتالي حل إشكالية البطالة المزمنة، بدون الاهتمام بالاستثمار سواء منه الاستثمار العمومي أو الخاص. فيما يتعلق بالاستثمار العمومي صرفت مبالغ ضخمة على عدد من المشاريع، ولكن لم يتم لحد الآن تقييم هذه المشاريع، وقد كشفت مردودية الاستثمار العمومي بالمقارنة مع دول أخرى غياب النجاعة في هذا المجال وهذا يتطلب تقييم وتتبع هذه الاستثمارات بشكل مستمر وعلني وفتح نقاش عمومي حول الموضوع، وربط المسؤولية بالمحاسبة . وفيما يتعلق بالاستثمار الخاص فرغم التشجيعات التي قدمت لرجال الأعمال في جميع قوانين المالية، ومع ذلك فالاستثمار الخاص لازال متخلف جدا، ولازالت طبقة رجال الأعمال لا تقوم بمسؤولياتها تجاه البلد، بل بالعكس هناك من هو متورط في تهريب الأموال، وهناك من هو متورط في ملفات الفساد.