السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

فريد الحمدوي :دفاعا عن الموسيقى…امنحوا لنا سراديب تحت الأرض

فريد الحمدوي :دفاعا عن الموسيقى…امنحوا لنا سراديب تحت الأرض فريد الحمدوي
اختتمت فرقة ريفانا فعاليات مهرجان Rayass الموسيقي يوم السبت في أمسية موسيقية وغنائية راقية، جمعت فيها جماهير من كل الأطياف، ولمت شمل العائلات في لحظات للأسرة الريفية، التي افتقدت لمثل هذه الملتقيات الفنية التي تعتبر فرصة للتواصل مع الفنانين بكل تخصصاتهم والمثقفين والمفكرين. كما كانت فرصة للشباب الحسيمي المتعطش لحضور مثل هذه المناسبات الثقافية لتغني رصيده الثقافي والفني في هذا المجال، خصوصا فئة المحبين للموسيقى والطامحين لحمل لواء الأغنية الأمازيغية والريفية الملتزمة، وكانت فرصة أيضا للجماهير الذواقة والمستمتعة بالفن الموسيقي الأصيل، لتذكي فيه إحساسا بالمتعة الفنية والجمالية التي تخلقها الأمسيات الموسيقية.
تنتهي لحظات التواصل المباشر بعد نهاية الحفل الموسيقي، ليستمر التواصل الروحي والوجداني بعد ذلك، ويخلق عند الجميع شعورا بالراحة النفسية والسعادة، رغبة في تجدد اللقاء، لكن ما لا يدركه الكثيرون أن وراء كل أمسية موسيقية ناجحة، ليال وساعات طويلة من العمل الجاد والتداريب الموسيقية المتواصلة، من أجل الرقي بالأداء الفني للفرقة الموسيقية أو المسرحية أو أي فن آخر من الفنون التي تحتاج للعمل المتواصل من أجل الاستمرار وإتقان العمل.
إلا أن السؤال الذي يتبادر إلى أذهانا، ويتحاشاه القائمون على تدبير الشأن الثقافي والفني ببلادنا السعيدة، يتعلق بشكل مباشر بالمكان المخصص لهذه الفرق الموسيقية والفنية للاشتغال والتمرن على أعمالهم الفنية؛ وهل وفرت لهم وزارة الثقافة والسلطات المحلية والمنتخبة جناحا خاصا لمثل هذه التداريب؟ هل وضع القائمون على الشأن الثقافي والفني في برامجهم وفي حسبانهم أن يخصصوا فضاء خاصا للتداريب الموسيقية للفرق الموسيقية؟
يجيب الواقع المعيش على كل الأسئلة بالنفي المطلق، ويكشف عن معاناة حقيقية تعيشها الفرق الموسيقية بمدينة الحسيمة، إن لم نقل بكل ربوع البلاد، حيث تضطر العديد من الفرق إلى خوض تداريبها في مرآب أو غرف منزلية لأحد أعضاء المجموعة أو أحد محبي الفرقة الموسيقية، أو على شواطئ المدينة في أكواخ من قصب، أو في الأزقة المظلمة على رصيف الشارع.
كل هذه الأماكن لا تصلح بتاتا لممارسة التداريب الفنية، ولا تسمح أبدا بالرقي بالموسيقى وبالفنون بشكل عام، وهذا ما يجعل الكثير من مشاريع تأسيس الفرق الموسيقية تموت في البدء ولا تذهب بعيدا، وغالبا ما يحكم عليها واقع البنيات التحتية الثقافية بالوأد والاندثار. وما يثير الانتباه، أن الكثير من مشاريع البناء التي انتشرت كالفطر في المدينة، والتي همت بناء مقرات المصالح والإدارات، لم يكن للبنيات الثقافية نصيب منها باستثناء "مسرح الحسيمة" الذي أنجز في إطار برنامج التنمية المجالية "الحسيمة منارة المتوسط"، والذي ظلت أبوابه موصدة في وجه الأنشطة الثقافية بالمدينة، ولا يتوفر على قاعات متعددة للتداريب الموسيقية التي ستخصص للفرق الموسيقية، في ظل تواجد فرق فنية عديدة تنشط في مجالي المسرح والموسيقى، وتمثل المدينة في الملتقيات الفنية الوطنية والدولية، بعد أن أصبحت "دار الثقافة" تتحمل كل العبء والثقل في مجال عرض الأنشطة الثقافية واحتضانها.
تعتبر التداريب الموسيقية والمسرحية عاملا أساسيا في إنجاح أي عمل فني، وعاملا في الارتقاء بجودة الأداء الفني للفرق الموسيقية فوق الخشبة، ويمنح فرصة للانسجام بين عناصر الفرقة وإتقان الأدوار المنوطة بكل عضو في المجموعة في الأعمال الموسيقية التي ستؤدى فوق الخشبة، مما يخلق أجواء احترافية وراقية أثناء العروض الموسيقية، ويؤثر بالإيجاب على المتلقين ويمنح أجواء فرجة ومتعة خاصة يستفيد منها كل الحاضرين، ويضمن نسب نجاح عالية لكل التظاهرات الموسيقية التي تقام بالمدينة.
بعد كل ما قيل، لا نريد من القائمين على الشأن الثقافي والفني ببلادنا السعيدة، إلا أن يبنوا لنا سراديب تحت الأرض، بقاعات صغيرة لا تتعدى مساحة كل منها 5 متر مربع، وتكون عازلة للصوت، مجهزة بالوسائل التقنية والصوتية اللازمة، وفضاء نحتسي فيه فنجان القهوة بعد نهاية كل حصة للتداريب، ويكون فرصة للفرق الموسيقية لتبادل التجارب بين أعضائها، وتكون أيضا مجالا لشباب المدينة من أجل ممارسة أنشطتهم الموسيقية وصقل مواهبهم وتطويرها.
ابنوا لنا سراديب تحت الأرض وادفنونا، وحين ذلك فلتبنوا فوق السرداب ما شئتم، ولن نلومكم بعد ذلك في شيء، ونصبح نحن الملامين، ولا تجعلوا آذانكم صماء، فليس بالماء والشعير فقط نحيى، فكلنا نحيى على الأرض بالفن، منذ أن أصبح الإنسان إنسانا.