الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

نزهة مزيان: إشكالات علاقة الحضانة بالولاية في مدونة الأسرة.. نموذج علاقة الأم الحاضنة بالأب الولي

نزهة مزيان: إشكالات علاقة الحضانة بالولاية في مدونة الأسرة.. نموذج علاقة الأم الحاضنة بالأب الولي د/نزهة مزيان

إن فهم إشكالية علاقة الحضانة بالولاية، يتطلب تعميق النقاش، وبشكل هادئ. ورغم الجوانب المتعددة والمتشابكة، فإنني أقترح في هذه المقالة الاقتصار على أحد أهم الإشكالات، والمتمثلة أساسا في علاقة الأم الحاضنة بالأب الولي، وعلاقة ذلك بالمصلحة الفضلى للطفل، خاصة وأن حالة كون الأب الولي هو الحاضن نفسه لا تطرح إشكالات كثيرة.

سأنطلق من السؤال المركزي المتمثل في ما يلي: كيف يُمكن للأم الحاضنة تحقيق الأهداف المتوخاة من الحضانة والالتزام بتطبيق كل ما يترتب عنها من أجل المصلحة الفضلى للمحضون، في ظل وجود ولي (نائب شرعي) قد يعمل على عرقلة ذلك؟ وهذا ما يجرنا إلى البحث عن صلاحيات الولي التي لا يُمكن للحاضنة القيام بها؟ وأعتقد أن تحليل الحالات المستنبطة من الواقع ستضعنا على السكة لمراجعة مونة الأسرة بما يسد الثغرات ويقطع الطرق على الانحرافات في تطبيق مقتضياتها.

وللوصل لخلاصات موضوعية، ينبغي أن ننطلق أولا من التوجيهات الملكية التي تضع الإطار العام لمكانة المرأة داخل المدونة (أولا)، ثم نحدد حقوق لطفل على والديه (ثانيا)، للوقوف على صلاحيات ومهام الحاضن بالدقة اللازمة (ثالثا)، والتساؤل حول مهام وصلاحيات الولي وخاصة منها تلك التي قد تعرقل عمل الحاضنة أو تتعارض مع المصلحة العليا للمحضون (رابعا)، مع الإشارة لبعض الصعوبات التي تُعرقل عمل الأم الحاضنة (خامسا)، لنختم بمقارنة هذه الأوضاع مع التجربتين التونسية والجزائرية (سادسا).

 

أولا: التوجيهات الملكية

لم يكن من قبيل الصدف، أن أشار صاحب الجلالة في خطابه المتعلق بتقديم مدونة الأسرة، أن أشار إلى مبدأين أساسيين:

المبدأ الأول، يتمثل في "جعل الولاية حقا للمرأة الرشيدة، تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها، ..."؛ إن هذا المبدأ، والذي كرسته مدونة الأسرة، يمنح المرأة المكانة التي تليق بها: فهي تمتلك الولاية على نفسها، فكيف لا تملكها على المحضون الذي هو غالبا من صلبها. وكيف لا نستحضر دائما أن هذا المقتضى هو الذي جعلها، بالأسبقية، قادرة على تحمل مسؤولية الحضانة في ترتيب يجعل الرجل في المرتبة الثانية.

ويتمثل المبدأ الثاني في "الحفاظ على حقوق الطفل، بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب في صلب المدونة. وهذا مع اعتبار مصلحة الطفل في الحضانة من خلال تخويلها للأم ثم للأب ثم لأم الأم. ..."، وهذا ما يفتح آفاقا مهمة ينبغي الاستناد عليها لمنح الأم الحاضنة صلاحيات أوسع وسلطة تقديرية ملائمة لا ينبغي أن يكون هناك مجال لعرقلتها، حتى من قبل الولي نفسه، إذا لم يُحقق تدخله هذه المصلحة الفضلى للطفل.

ولهذا، نعتبر أن التوجيهات الملكية والعديد من مقتضيات مدونة الأسرة تضمنت من الإشارات ما يجعل الأم الحاضنة في وضعية تسمح لها بتقدير مصلحة الطفل بشكل أوسع من تقديرات الأب الولي الذي قد لا يهم أصلا بهذه المصلحة كما سنُعالج أدناه.

 

ثانيا: مقتضيات المدونة حول حقوق الطفل على والديه

لفهم الإشكالات المطروحة، سنُحدد في البداية ما هي حقوق الطفل على والديه، حتى نتمكن من فهم أفضل وأصلح الطرق لتوفيرها. فوفق المادة 54 من مدونة الأسرة، للأطفال على أبويهم حقوق عديدة نُشير من بين أهمها إلى الحقوق التالية:

- اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا؛

- التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي، والمعنوي، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل؛

- التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني.

وعندما يفترق الزوجان، تتوزع هذه الواجبات بينهما بحسب ما هو مبين في أحكام الحضانة. وطبعا، يُضاف لذلك حقوق خاصة بالطفل المصاب بإعاقة، والتي تسمح بتسهيل إدماجه في المجتمع.

وقد جعلت هذه المادة الدولةَ مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون، وأسندت للنيابة العامة السهرَ على مراقبة تنفيذ الأحكام السالفة الذكر.

لذا، سيبقى السؤال المركزي دائما قائما: هل هناك من الالتزامات ما لا يُمكن للحاضنة أن تقوم بها؟ وهل هناك التزامات لا يُمكن أن يقوم بها إلا الولي وبشكل حصري؟

 

ثالثا: في معنى الحضانة

وفق تعريف الحضانة في المادة 163 من مدونة الأسرة، نُلاحظ أنه تم منح وضع متميز للحاضن، الذي عليه "أن يقوم قدر المستطاع بكل الإجراءات اللازمة لحفظ المحضون وسلامته في جسمه ونفسه، والقيام بمصالحه في حالة غيبة النائب الشرعي، وفي حالة الضرورة إذا خيف ضياع مصالح المحضون"، مما يُستنتج منه أن الحاضن قادر على الحلول محل الولي في حالتي الغياب والضرورة. إذن فالحاضن يُمكن أن يتولى لوحده "حفظ الولد مما قد يضره، والقيام بتربيته ومصالحه".

ورغم أن المسؤولية مشتركة بحكم أنه تم استعمال (واو العطف) في المادة 169التي تنص صراحة على أنه "على الأب أو النائب الشرعي والأم الحاضنة، واجب العناية بشؤون المحضون في التأديب والتوجيه الدراسي، ... وأنه "على الحاضن غير الأم، مراقبة المحضون في المتابعة اليومية لواجباته الدراسية، فإن المحكمة هي التي تبت وفق مصلحة الطفل في حالة الخلاف بين النائب الشرعي والحاضن.

لذا، نتساءل عمن هو الطرف الأقرب والأدرى بمصلحة المحضون: الأم الحاضنة التي تعيش معه يوميا، أم الأب الولي الذي قد يكون مهملا، أم القاضي الذي سيبت في الموضوع؟

 

رابعا: مفهوم النيابة الشرعية

سنقتصر عند الحديث عن النيابة الشرعية عن الولاية، نظرا لأهميتها بالنسبة لموضوعنا هذا. فـــ "النيابة الشرعية عن القاصر إما ولاية أو وصاية أو تقديم" (المادة 229)، ولذلك، فالولي يُقصد به وفق المادة 230 ما يلي: "الولي وهو الأب والأم والقاضي" (ثم الوصي ثم المقدم).

وعند تحديد أصحاب النيابة الشرعية في المادة 231، تم وضع الترتيب التالي:

"- الأب الراشد؛

- الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته؛ ...

وهو ما يُفيد أن الأم قادرة على تحمل مسؤولية الولاية بنفس درجة الولي/الأب.

إن ترتيب الأم داخل أصحاب النيابة الشرعية، يدفع لطرح التساؤل الكبير التالي:

ما دام أن الأم الحاضنة قادرة على الحلول محل الأب عند عدم وجوده أو فقد أهليته، فلماذا لا تكون مساوية له في تولي الولاية في حالة وجوده؟

وبالتالي هل هناك سبب ما، وقدرات ما، يملكها الرجل لا تنتقل للأم إلا في حالة عدم وجده؟

وما معنى حالة "عدم وجوده" التي ينبغي التوسع في تفسيرها لأنها بالضرورة لا تعني الوفاة لوحدها، فقد يكون الأب حيا وغير مهتم أصلا بالمحضون فما بالك بالاهتمام بممارسة الولاية؟

 

وعلى أية حال، ما هي مهام الأب الولي التي يعتبر البعض أن الأم الحصنة قد لا تتمكن من القيام بها؟

إن تصفح مهام الولي وفق المادة 232، سيجعلنا نكتشف أنها عادية يُمكن أن تقوم بها الحاضنة نفسها، ويتعلق الأمر بالمهام التالية:

- "للنائب الشرعي الولاية على شخص القاصر وعلى أمواله إلى بلوغه سن الرشد القانوني. وعلى فاقد العقل إلى أن يرفع الحجر عنه بحكم قضائي. وتكون النيابة الشرعية على السفيه والمعتوه مقصورة على أموالهما إلى أن يرفع الحجر عنهما بحكم قضائي"؛

- "... العناية بشؤون المحجور الشخصية من توجيه ديني وتكويني وإعداد للحياة، كما يقوم بكل ما يتعلق بأعمال الإدارة العادية لأموال المحجور؛

يجب على النائب الشرعي إبلاغ القاضي المكلف بشؤون القاصرين بوجود الأموال النقدية والوثائق والحلي والمنقولات ذات القيمة، وإذا لم يفعل يتحمل مسؤولية ذلك، وتودع النقود والقيم المنقولة بحساب القاصر لدى مؤسسة عمومية للحفاظ عليها بناء على أمر القاضي.

ووفقا للمادة 235، يخضع النائب الشرعي في ممارسة هذه المهام للرقابة القضائية طبقا لأحكام المواد الموالية.

إن الملاحظة الجوهرية هنا هي أنه ما دام أن تدبير "الأموال النقدية والوثائق والحلي والمنقولات ذات القيمة" تتم بعد إبلاغ القاضي المكلف بشؤون القاصرين، فهناك ضمانة قضائية، وبالتالي يُمكن للحاضن أن يقوم بها، وللولي متابعة الأمر عبر القضاء، ثم لماذا يتم حرمان الحاضن من إمكانية تنمية ممتلكات المحضون بإمكانياته الذاتية دون رقابة من الولي؟

 

ومن بين غرائب المدونة، مسألة مهام الأب الولي، والتي تدعو للتساؤل. فرغم أن الأب هو "الولي على أولاده بحكم الشرع، ما لم يجرد من ولايته بحكم قضائي"، فإنه "للأم أن تقوم بالمصالح المستعجلة لأولادها في حالة حصول مانع للأب" (المادة 236)، ولا يُمكن أن يدل هذا إلا على مسألة واحدة ووحيدة، وهي أن الأم الحاضنة قادرة على القيام بمهام الأب الولي في حالة حصول مانع، فهل عدم حصول موانع يجعل الأم الحاضنة غير قادرة على ذلك؟

والأدهى من كل ذلك، هو أنه يجوز للأب الولي "أن يعين وصيا على ولده المحجور أو الحمل"، في الوقت الذي لا تُعرف فيه أهلية هذا الوصي وكفاءاته وقدرته على القيام بتلك المهمة، ولا يُعرض الأمر على القاضي إلا عند "وفاة الأب ... للتحقق منها وتثبيتها" (المادة 237)، وليس حتى لإلغائها.

فما هي ضمانة عدم تسلط هذا الوصي على حياة المحضون؟ وما ضمانات عدم محاولته الاعتداء على الحاضنة نفسها بكل الأشكال والضغوطات النفسية الممكنة قصد استغلالها "مستفيدا" من حب الأم الحاضنة لأبنائها؟

ولتأكيد وجهة نظرنا، أعتقد أنه ما دام أن الأم، يُشترط لولايتها على أولادها أن تكون راشدة، وأن يكون الأب غير موجودا "بسبب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك"، فإن لك يُؤكد فقط قدرتها على القيام بمهام الولاية بنفس الدرجة التي يقوم بها الأب، وحتى في حالة "وجود وصي الأب مع الأم، فإن مهمة الوصي تقتصر على تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة (المادة 238).

ومما يزيد من تأكيد قدرة الأم الحاضنة على ممارسة شؤون الولاية أنها في حالة تبرعها بمال على محجور، فلها أن تقوم بممارسة النيابة القانونية في إدارة وتنمية المال الذي وقع التبرع به (المادة 239).

 

خامسا: في بعض صعوبات تدبير الحضانة

1- حالة السفر داخل المغرب مقبولة بشروط مبسطة

تنص المادة 178 على أن الحضانة لا تسقط بانتقال الحاضنة أو النائب الشرعي للإقامة من مكان لآخر داخل المغرب، "إلا إذا ثبت للمحكمة ما يوجب السقوط، مراعاة لمصلحة المحضون والظروف الخاصة بالأب أو النائب الشرعي، والمسافة التي تفصل المحضون عن نائبه الشرعي"، ورغم أن الأمر يبدو منطقيا في بعض الحالات، فإن حالات أخرى تدعو للتساؤل. هل المسافة عامل كاف لتوقيف مصلحة المحضون؟ فالموظفة مثلا قد يتم تنقيلها للعمل في منطقة نائية، وهي ملزمة بالانتقال إلى هناك، في الوقت الذي لا تنص فيه المنظومة التشريعية والتنظيمية على أي امتياز لصالح المرأة الحاضنة.

2- مسألة السفر بالمحضون للخارج تُعد إشكالية حقيقة

تطرح المادة 179 إشكاليات حقيقة خاصة على مستوى التأويل من قبل المكلفين بإنفاذ القانون. إن منع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب دون موافقة نائبه الشرعي، متوقف على وجود طلب من النيابة العامة أو النائب الشرعي بتضمين ذلك في قرار إسناد الحضانة، أو في قرار لاحق.

إن التطبيق العملي لهذه المقتضيات يمنح سلطة تقديرية واسعة لمجموعة من الإدارات العمومية التي لديها تأويلات واجتهادات لا تتماشى مع روح النص القانوني. فمثلا، ما المانع من استخراج جواز السفر للمحضون؟ فالأمر يتعلق بوثيقة إدارية من حق جميع المواطنات والمواطنين، بالتالي لا علاقة لها بالسفر. بل إن الإدارة تفرض موافقة الولي على استخراج هذه الوثيقة، وقد يحصل العكس، فتُحصل الأم الحاضنة على الموافقة بتسفير المحضون إلا أن الإدارة ترفض تسليم جواز السفر بحجة ضرورة حضور الولي!! وهكذا تجد المرأة الحاضنة نفسها وسط دوامة من التأويلات التي تُعرقل تنفيذ المصلحة العليا للمحضون.

وفي حالات أخرى، يُفرض على الأم الحاضنة الحصول على موافقة النائب الشرعي، رغم أن هذه الموافقة لم تكن متضمنة في قرار إسناد الحضانة.

لكل لك، نتساءل هنا:

هل مصلحة المحضون توجد فقط داخل المغرب؟

ما العمل في حالة الحاجة لسفر ذو طبيعة طبية؟

ما العمل في الحالات الاستعجالية؟

من يتحمل مسؤولية الضرر في حالة الاعتراض على سفر الحاضن بالمحضون خارج التراب الوطني؟

وبأي حق يتمتع الولي بهذه الصلاحية؟

3- إشكاليات الزيارة

تضم مدونة الأسرة مقتضيات عديدة لتنظيم حق الزيارة، حيث أنه وفق المادة 180، يُمكن لغير الحاضن من الأبوين، حق زيارة واستزارة المحضون. ولذلك ففي حالة الإخلال أو التحايل في تنفيذ الزيارة، تتخذ المحكمة ما تراه مناسبا من إجراءات تصل حد "إسقاط حق الحضانة" (المادة 184). وهكذا، تًبح الأم الحاضنة ملزمة بالتنفيذ تحت طائلة حق النائب الشرعي في اللجوء للقضاء، في الوقت الذي لم يُمنح هذا الحق للأم الحاضنة في حالة امتناع النائب الشرعي، وخاصة الأب الولي، عن زيارة المحضون، رغم إلحاحه على تلك الزيارة.

4- تدبير أموال المحضون

إن المقتضيات المتعلقة بإدارة أموال المحضون، تجعل من السهل أن توم بها الأم الحاضنة نفسها، للأسباب التالية:

أولا، إن الولي لا يخضع، وفق المادة 240، لرقابة القضاء القبلية في إدارته أموال المحجور، ولا يفتح ملف النيابة الشرعية بالنسبة له إلا إذا تعدت قيمة أموال المحجور مائتي ألف درهم (200 ألف درهم)، وللقاضي المكلف بشؤون القاصرين النزول عن هذا الحد والأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إذا ثبتت مصلحة المحجور في ذلك. ويمكن الزيادة في هذه القيمة بموجب نص تنظيمي".

ففي كل هذا الحالات، نُلاحظ:

- أن الأغلبية المطلقة من الأسر لا يتوفر لها هذا المبلغ، مما يعني أن الرقابة القضائية منعدمة عندما يقل المبلغ عن هذه "العشرين مليون سنتيم"، وبالتالي فإن الأب/الولي له "الحرية" في إدارة هذه المبالغ رغم أن مصدرها قد يكون من توفير الأم/الحاضنة، وفي هذا حيف كبير؛

- للحكومة بمقتضى نص تنظيمي أن تزيد من قيمة هذا المبلغ، ليُصبح مثلا 300 ألف درهم أو 700 ألف درهم... وطبعا كلما ارتفع المبلغ كلما انتفت الرقابة القضائية على تصرفات الولي؛

ثانيا، كون الولي عند انتهاء مهمته في حالة وجود ملف النيابة الشرعية، إشعار القاضي المكلف بشؤون القاصرين بوضعية ومصير أموال المحجور في تقرير مفصل للمصادقة عليه (المادة 242)، وهو مقتضى قابل للتطبيق على الأم الحاضنة ما دام أن هناك ضمانة قضائية.

ثالثا، في جميع الأحوال التي يفتح فيها ملف النيابة الشرعية يقدم الولي تقريرا سنويا عن كيفية إدارته لأموال المحجور وتنميتها وعن العناية بتوجيهه وتكوينه. وللمحكمة بعد تقديم هذا التقرير اتخاذ كل الإجراءات التي تراها ملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية والمعنوية (المادة 243)، وهذه أيضا ضمانة قضائية يُمكن أن تنطبق على الولي وعلى الحاضن.

 

سادسا: في التجربتين التونسية والجزائرية

لقد تطور التشريع التونسي بخصوص علاقة الحضانة بالولاية، وأصبحت المادة 67 من مدونة مجلة الأسرة ابتداءً من سنة 1993 تنص على ما يلي:

"... إذا انفصم الزواج وكان الزوجان بقيد الحياة، ...

وتتمتع الأم في صورة إسناد الحضانة إليها بصلاحيات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية.

ويمكن للقاضي أن يسند مشمولات الولاية إلى الأم الحاضنة إذا تعذر على الولي ممارستها أو تعسف فيها أو تهاون في القيام بالواجبات المنجرة عنها على الوجه الاعتيادي، أو تغيب عن مقره وأصبح مجهول المقر، أو لأي سبب يضر بمصلحة المحضون".

 

إن هذه الأسلوب قد يحل العديد من الإشكالات التي وقفنا عليها أعلاه، حيث أنه أن الأم الحاضنة عند حصول الطلاق وانتقال وإسناد الحضانة لها بقرار قاضي الاسرة ثم الحكم النهائي، فإنها تكون المسؤولة الأولى على محضونها ومصلحته العليا في كل ما يتعلق بحياته العامة والخاصة، وهي التي تقوم بإدارة شؤونه بالطريقة التي تراها أصلح له.

إن دور المرأة في المجتمع وفق هذا التصور، قائم على أساس أن دور المرأة في المجتمع لا يقل عن دور الرجل، فالفصل67 أعلاه، نص صراحة على تمتع الأم الحاضنة "بصلاحيات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية"، وبالتالي فهي لا تخضع لأي ضغط أو إكراه قد يضر بمصلحة المحضون، لكن المشرع منح للأب في مقابل ذلك حق مراقبة الحاضنة ومصالح المحضون وإخبار قاضي الاسرة أو النيابة العامة عند حصول إخلال أو إضرار بمصلحة المحضون ورتب عن ذلك عقوبة جريمة إهمال شؤون قاصر.

 

وقد سارت الجزائر في نفس الاتجاه حيث ينص القانون الجزائري في المادة 87 من قانون الأسرة كما تم تعديله سنة 2005، "في حالة الطلاق، يمنح القاضي الولاية لمن أسندت له حضانة الأولاد". وبذلك، فإن إسناد الولاية للحاضنة يُمكنها من ممارسة مهامها كاملة.

خاتمة:

إن العديد من الإشكالات التي تُطرح في علاقة الأم الحاضنة بالأب الولي، تتطلب نوعين من الحلول.

فهناك فعلا بعض المقتضيات التي أشرنا إليها أعلاه تتطلب تدخلا تشريعيا قصد التعديل أو التتميم أو الإلغاء حسب الحاجة؛

وهناك مقتضيات أخرىـ تتطلب فقك القيام بعملية ضبط وتوحيد مساطر التعامل مع الحضانة والولاية الشرعية، وذلك عن طريق إيجاد دلائل وتوزيعها على كل الموظفين المكلفين بإنفاذ مقتضيات مدونة الـسرة، ليس داخل جهاز العدالة لوحده، ولكن أيضا بمختلف الإدارات والمؤسسات والهيئات العمومية، كالمصالح المكلفة بتسليم جوازات السفر، وإدارة الجمارك في مختلف المطارات والموانئ، وتنظيم تكوينات لهذا الغرض.

 

نزهة مزيان، دكتورة في الحقوق(وزارة العدل)