الأربعاء 17 إبريل 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: الضريبة بين واجب دستوري وقوة لوبي عنيد

إدريس الأندلسي: الضريبة بين واجب دستوري وقوة لوبي عنيد إدريس الأندلسي
يمكن القول بشيء من التأكد وكثير من الشك في أسلوب صياغة القاعدة الضريبية، أن نقول إننا دخلنا مرحلة جديدة قد تكون ذات آثار سلبية على تدبير سياستنا الضريبية.
بالأمس القريب حاول بعض العقلاء ممن خبروا مهنة تدبير المال العمومي أو ممن جعلوه مادة لأبحاثهم أن يسدوا شيئا من النصح لحكومة بلدنا التي نتمنى أن تكون رشيدة.
انطلقت في مضمار مشروع قانون المالية كما ينطلق الثور الهائج. ووضعت عشرات مشاريع تعديلات تهم مدونة الجمارك ومدونة الضرائب.
الأمر ليس بالسهل والهدف منه يقترب من المعقول المرتبط بحساسية مرحلة تتطلب تمويل ميزانية توخت مواجهة عدة مشاكل لها علاقة بالهشاشة والتضخم ونقائص العرض الصحي والعرض التعليمي. ليس هذا فقط، الأمر صعب ويتطلب خلق فرص شغل بعد أن تجاوز معدل العطالة أكثر من 11% وربما أكثر من هذا بكثير.
قالت هذه الحكومة أن الوقت قد حان لاستخدام سلاح يقضي على كل أوجه غياب العدالة الضريبية. وككل من يحارب الغش والتهرب الضريبيين، كان لازما إستخدام كافة الأسلحة القانونية لتوفير موارد لمواجهة نفقات كثيرة جدا ومكلفة جدا ومرتبطة جدا بالاستثمار والخدمات الاجتماعية وخلق فرص شغل يتجاوز ما أعلن عنه غداة تكوين الحكومة ك ” فرصة واوراش ” وأحلام لا زالت أحلام يقظة تجعل الجريح يتأوه في انتظار طبيب بيده دواء من بينه حقنات ضد الهشاشة والفقر والمرض وخصوصا لتقوية الصبر بعد نكث وعود انتخابية كانت سخية فتوارت إلى أجل غير مسمى.
نعم جاءت الحكومة بعزم على أن تصلح نظامنا الضريبي. وعدت بتخفيف الضغط وكان الوعد موجها ولو مؤجلا لأصحاب الشركات. الضريبة على الأغنياء ستسير في منحنى سيصل إلى تضريب قد يصل 20%.
وفي انتظار أجل موعود سيبقى الحال على ما هو عليه. كل هذا مع أمل في زيادة الضريبة على الأرباح التي تزيد على 100 مليون درهم. والمعنى أن المحصول سيكون ضعيفا جدا. هل وصلنا في بلادنا إلى درجة اعتبار الأرباح التي تتجاوز 3 ملايير سنتيم أو 4 أو 5 أو…9 ملايير مجرد أرباح عادية يجب أن تظل في خانة الأرباح المتوسطة. الأكثر من هذا أن فرض الضريبة على الشركات بسعر 40% لن تمس شركات استيراد المحروقات وشركات الاتصالات. وستظل الأبناك وشركات التأمينات هي الموعودة بهذا السعر.
الأخطر من هذا هو التلويح بخطاب شعبوي كبير حول التخفيف من العبء الذي يتحمله الاجراء والمتقاعدين. وأكثر المنتفعين من هذه الإجراءات لن يحلم إلا بزيادة لن تصل إلى 100 أو 200 درهم. أما المتقاعدون ممن كانوا يعتبرون في مستوى الطبقة الوسطى التي تدخر، فقد قيل لهم واجهوا كلفة امراضكم المزمنة وكلفة من لا زالوا تحت كفالتكم ولا تتمتعوا بسفر خلال ما تبقى لكم من حياة.
ويا ليت هذه الحكومة المصلحة، رعاها الله والهمها سبل التقوى واليقين، تمكنت من حصر قيمة الهدايا الضريبية والتحفيزية للأغنياء. ونتمنى لرئيسها التوفيق إن هو كان صاحب إرادة لحمل لواء العدالة في التوزيع. لا نريد ارقاما عامة بل ارقاما تحمل تفصيلا لتوزيع الدعم حسب الفئات. السيد رئيس الحكومة يعرف أن دعم الغاز بأكثر من 20 مليار درهم يذهب للأغنياء وخصوصا أصحاب الاستغلاليات الفلاحية الكبرى وكثيرا من أصحاب الصناعات.
لا يمكن أن ننكر ضرورة الاحتكام إلى دستور المملكة الذي وضع الأساس للقاعدة القانونية الضريبية وهي مساهمة كل مغربي في تمويل المرفق العام حسب قدراته. يظهر جليا أن الإبداع السياسي في التعامل مع مقتضيات القانون الإطار للجبايات ومع كافة توصيات المناظرة الثالثة للضريبة كان غائبا. التسرع في التعامل مع الاجراء والمهن الحرة التي يخضع أغلبها للضريبة على الدخل المهني أدى إلى عكس الأهداف المتوخاة من مشروع العدالة الجبائية.
تحرك المحامون ضد ما ورد في مشروع قانون المالية وهم على حق. ما معنى تسبيق دفع الضريبة عن طريق ربط تقديم ملف قضية خلال كل مراحل التقاضي؟ الأمر محير بكل المقاييس.
المحامون والأطباء والمهندسون وغيرهم من المهن ليسوا فوق القانون ولا على هامشه. هم من أبناء هذا الوطن ولم نسمع أنهم رفضوا أداء واجبهم الضريبي. وهذا الواجب يقتضي تصريحا بالدخل ومراقبة ضريبية وقد يتطلب الأمر مراجعة أو حتى غرامات جزرية كما هو الحال بالنسبة لكل الخاضعين للضريبة على الدخل أو على الشركات.
اليوم وبعد إضراب المحامين والتراجع عن ما ورد في مشروع قانون المالية لسنة 2023 ، ستتسع رقعة المعارضة الضريبية وسيتطلب الأمر تراجعات ومراجعات حتى قبل تقديم تعديلات البرلمانيين على مواد مشروع قانون المالية. الأمر خطير ويحصل لأول مرة. من له قوة ضغط سيتحرك. أما المتقاعدون الذين لا يتفقون مع تعامل الحكومة مع مطالبهم فسيكفي أن ترفض فرق الأغلبية مطالباتهم لكي يتيقنون أن أمرهم يتطلب شيئا من عزيمة المحامين والأطباء وغيرهم. ومن يواجهون مطالب المتقاعدين اليوم هم من سيتباكون غدا على وضعهم حين سيعبرون إلى ضفة أخرى سيحملون فيها صفة متقاعد.
لأول مرة يأخذ النقاش حول الضريبة مسارا تحكم فيه الارتباك. وزارة براسين وبمنطقين وبمنهجين وبخطتين في الدفاع والهجوم لا يمكن أن ينتج عنها مشروع متكامل. العدالة الضريبية ستظل مجرد توصيات حملتها مناظرات ثلاثة واقبرها 24 قانون مالية احتقر دخل الاجراء واحترم دخل رأس المال، ولله الأمر.