الثلاثاء 23 إبريل 2024
فن وثقافة

لطيفة بوشوى: كتاب «البرلمان وحقوق الإنسان» للباحث الحنوشي سيظل مرجعا لكل مهتم بحقوق الإنسان

لطيفة بوشوى: كتاب «البرلمان وحقوق الإنسان»  للباحث الحنوشي سيظل مرجعا لكل مهتم بحقوق الإنسان عبد الرزاق الحنوشي ولطيفة بوشوى
صدر مؤخرا كتاب: «البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات» للباحث عبدالرزاق الحنوشي، وقد حظي المؤلف باهتمام لافت عكسته اللقاءات المتعددة التي نظمت في عدة مدن (نحو 20 لقاء في ظرف أربعة أشهر)، وكذا القراءات النقدية والتحليلية التي أنجزتها العديد من الفعاليات الأكاديمية والحقوقية. وسبق لنا في «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» أن نشرنا بعضها. ومواكبة للدخول الثقافي الجديد، نواصل نشر مساهمات جديدة. في هذا العدد ننشر مساهمة للأستاذة لطيفة بوشوى، الرئيسة السابقة لفدرالية رابطة حقوق النساء والفاعلة الحقوقية
 
إذا كان لي تقديم الصديق عبد الرزاق الحنوشي، فأقول في البداية إنه صديق الجميع وناشط ديمقراطي حقوقي مدني وجمعوي منذ بداية الثمانينات. كما أنه إطار بمجلس النواب منذ 1994.
كما شغل مناصب عليا بعدد من القطاعات منها وزارة التربية الوطنية، وزارة الشغل قبل أن يضطلع بمهام مدير ديوان رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان (2018-2011). فمؤهلاته المعرفية والفكرية وقدرته على التحليل والتركيب، جعلته يساهم في مجال الدراسات والأبحاث وفي اعداد تقارير، خاصة تلك المتعلقة بالميدان الجمعوي وحقوق الإنسان والشباب، وتقييم السياسات العمومية، والحياة البرلمانية.
ما استرعى اهتمامي بشكل خاص  في  كتاب "البرلمان وحقوق الانسان مرجعيات وممارسات" تناوله لحقوق النساء في اهتمام البرلمان المغربي لنكتشف معا بعضا من الخبايا التي استطاع المؤلف أن يستجمعها ويحللها ويقدم لنا فيها أرقام ومعطيات وخلاصات بشأنها، وهو ما يتيح لنا تعزيز معرفتنا بمجالات متعددة  ومتداخلة بين منظومة حقوق الإنسان والبرلمان وحقوق النساء التي تهمنا كفاعلات وجمعيات مدافعة عن حقوق النساء كجز لا يتجزء من حقوق الإنسان، راكمت خبرة في ميدان الترافع البرلماني ونظرا لكثافة وغزارة المعطيات التي وردت في الكتاب فإن الأمر.
يستدعى قراءة متأنية، وتنظيم لقاءات وندوات محورية سنعمل عليها في المستقبل، لكون الكتاب، مؤلف غني ومرجع شامل، يضم عددا من النصوص والوثائق والمعارف وثمرة تجربة وجهد كبيرين في البحث والتنقيب. وتبدو ميزته في استناده على التجربة الواقعية والميدانية، خاصة في ظل  ندرة  المراجع في هذا المجال. 
فالمؤلف الجديد يعد مرجعا أساسيا من حيث التعريف بالمنظومة الدولية لحقوق الانسان 
عموما ورصد النصوص والمعايير والآليات المختلفة والهامة في مجال الحماية والنهوض، فضلا عن التعريف المرجعي الدولي لعلاقة حقوق الإنسان بالبرلمان واستحضار النصوص والآليات في مجال الرقابة والتشريع والعلاقة بالحماية والنهوض بحقوق الإنسان والوقاية والاستباقية لتفادى انتهاك هذه الحقوق. 
وهكذا يبرز الأدوار المتنامية للبرلمانات في مجال تعزيز الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وإقرارها في التشريع وفي السياسات، وهوما يجعل المؤلف يعزز الترافع البرلماني للحركة النسائية التي راكمت خبرة في هذا المجال كما يتيح للفاعلات والفاعلين والجمعيات التعرف على العلاقات القائمة والمتداخلة ما بين كل من منظومة حقوق الإنسان والمؤسسة التشريعية. كما يبرز التداخل القائم ما بين كل من منظومة حقوق الإنسان والبرلمان وحقوق النساء، وهو ما يكفل للفاعلات في هذا الميدان ومنظماتهم مزيدا من الخبرة في هذا المجال.
فحقوق النساء والمساواة والمناصفة – كما جاء في الكتاب - شكلت انشغالا ملموسا ضمن انشغالات البرلمان خلال الولاية العاشرة (2016– 2021)، ليس فقط في المهام الدستورية الأساسية (الرقابة والتشريع)، بل و أيضا على مستوى آليات اشتغال مجلسي النواب والمستشارين. ويبرز الكاتب أهمية إحداث لجنة موضوعاتية مؤقتة سنة 2015، تعنى بالمناصفة والمساواة، بمجلس النواب خلال نهاية الولاية التاسعة للبرلمان، ليتم بعد ذلك أولا تكريس هذه الآلية في النظام الداخلي لمجلس النواب، وثانيا إقرار المحكمة الدستورية بمطابقة هذه المقتضيات مع الدستور. غير أن السعي إلى تحويل اللجنة من طابعها "الموضوعاتي المؤقت" إلى لجنة دائمة على غرار باقي اللجان الدائمة للمجلس، لم يكن لينال موافقة المحكمة الدستورية كما يقر المؤلف.
وفي اطار رصده لمشاريع القوانين والأسئلة البرلمانية ذات المرتبطة بحقوق النساء، يتوقف المؤلف طويلا عند مشروع القانون المتعلق بشركات المساهمة وبشركات التضامن والتوصية البسيطة والتوصية بالأسهم وذات المسؤولية المحدودة والمحاصة الذي يشكل أحد أهم النصوص الهادفة إلى التمكين الاقتصادي والمالي للنساء، وبرفع الحيف الذي كان يطال نساء المقاولات وإمكانيات تقلدهن للمسؤوليات القيادية وصنع القرار، مع تصحيح آثار التمييز ضد النساء في المقاولة؛ من خلال ضمان تمثيلية متوازنة للنساء والرجال أمام أجهزة إدارة وحكامة شركات المساهمة؛ مع التشجيع على اعتماد مبدأ المناصفة بين النساء والرجال في هيئات إدارة هذه الشركات، علاوة على التنصيص على بعض العقوبات في حالة عدم الالتزام بإعمال مبدأ المناصفة في هذا الصنف من الشركات.
ومن جهة أخرى لاحظ أن الصيغة النهائية لمشروع القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز الذي يأتي إحداثها، تطبيقا لمقتضيات الفصلين 19 و164 من الدستور، لم تستجب لتطلعات الحركة النسائية، ولا إلى المقترحات الواردة في الرأي الاستشاري الذي قدمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان بطلب من مجلس النواب سنة 2015. كما أن هذه الهيئة لم ترى النور بعد، شأنها في ذلك شأن مؤسسات دستورية تم استحداثها في دستور 2011، على الرغم من مضي أزيد من 5 سنوات من صدور هذا القانون، وعلى الرغم من التعبير عن عدم الرضى عن الصيغة التي صدر بها.
وأوضح الكاتب بأن مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، يهدف الى تجريم العنف الممارس ضد المرأة أيا كان وضعها، وينص على ضرورة احترام إرادة المرأة ورغبتها في اختيار المؤسسة الاجتماعية مكانا للإيواء، علاوة على إحداث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف بالقطاع المكلف بالعدل على مستوى التراب الوطني مع الانفتاح على كل آلية تكون في صالح النساء كالجماعات الترابية والميزانيات المخصصة للنوع الاجتماعي.
وإذا كانت مختلف التقارير تؤكد على المنحى التصاعدي لظاهرة العنف ضد النساء، فإن المؤلف ذكر بأن إصدار قانون ردعي خاص بهذا الصنف من الأفعال الإجرامية، كان  أحد المطالب الأساسية للحركة النسائية والحقوقية طيلة عقود.
ولدى رصده للأسئلة البرلمانية ذات الصلة بحقوق الإنسان التي بلغ عددها 190 سؤالا حول مختلف مجالات حقوق النساء، يرى صاحب الكتاب أن اهتمام البرلمان بهذه الحقوق، تحكمه عوامل متداخلة منها، تنامي الوعي بهذه الحقوق والإحساس بالغبن الذي ما يزال يطال النساء، وأيضا الحضور الوازن للنساء البرلمانيات في مختلف أعمال لجن مجلسي البرلمان، والدينامية الملحوظة لمختلف مكونات الحركة النسائية وتفاعلها مع الحياة البرلمانية وخاصة في محطات هامة للترافع عن بعض القضايا والملفات المرتبطة بالمساواة ومناهضة العنف ضد النساء والتمكين القانوني للنساء في المجالات السياسية الاقتصادية والإعلامية والثقافية. لكن وعلى الرغم من هذا العدد الأسئلة البرلمانية، فإن المؤلف لاحظ أن ذلك لا يعكس إلا جانبا واحدا من حضور قضايا حقوق النساء في مختلف أعمال البرلمان.
ويشكل الكتاب بصفة عامة مرجعا أساسيا ومتميزا من حيث التعريف بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان عموما من حيث السياق التاريخي والنصوص والمعايير والآليات المختلفة والهامة في مجال الحماية والنهوض، مع التعريف المرجعي الدولي لعلاقة حقوق الإنسان بالبرلمان والعمل البرلماني من خلال النصوص والآليات كذلك في مجال الرقابة والتشريع والعلاقة بالحماية والنهوض بحقوق الانسان وكذلك الوقاية والاستباق لتفادي انتهاكاتها والأدوار المتنامية للبرلمانات لتعزيز الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان في التشريع وفي السياسات.
فحقوق النساء تشكل جزءا لا يتجزأ منالكتاب ومن منظومة حقوق الإنسان والعمل البرلماني على جميع الأصعدة التي تطرق إليها الباحث سواء كان ذلك اعتمادا على المرجعية أو الممارسة الاتفاقية أو التشريع والرقابة وفي الأسئلة والتقصي والملائمة أو من خلال دبلوماسية حقوق النساء والاستطلاع أيضا. 
ولنا أيضا في الحركة النسائية والفيدرالية تجارب في هذا الباب بحيث أن العلاقة مع البرلمان في مجال حقوق النساء تشكل رافعة أساسي للترافع ولتحقيق مكتسبات تشريعية.
بيد أن اهتمام البرلمان بحقوق الإنسان يعكس تنامي الوعي بهذه الحقوق. ويلاحظ الحضور الوازن للنساء البرلمانيات في مختلف أعمال لجن مجلسي البرلمان، مع الدينامية الملحوظة لمختلف مكونات الحركة النسائية وتفاعلها مع الحياة البرلمانية وخاصة في محطات هامة للترافع عن بعض القضايا والملفات المرتبطة بالمساواة ومناهضة العنف ضد النساء والتمكين القانوني للنساء في المجالات السياسية الاقتصادية والإعلامية والثقافية.  
وتظل الخلاصات والمقترحات التي قدمها المؤلف مهمة وترتبط بتطوير مختلف المجالات التي جاءت في الكتاب، وهو ما يتطلب العمل على مأسسة علاقة مجلسي البرلمان مع منظمات المجتمع المدني ومواصلة مراجعة النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان. 
إن الكتاب بحر يفتح الباب على بحور من المعرفة المرجعية والممارسات الجيدة والفضلى في تقديم عمل البرلمان وتعزيز حقوق الإنسان إنه مادة دسمة ومرجع أساسي للباحثين والممارسين في المجال البرلماني والمدني والسياسي يحتاج إلى نقاشات واسعة ومؤثرة للرسملة والتجويد.