الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

بثينة قروري: الاعتبارات الخمسة لجدارة وأهمية كتاب: "البرلمان وحقوق الإنسان – مرجعيات وممارسات" للباحث عبد الرزاق الحنوشي

بثينة قروري: الاعتبارات الخمسة لجدارة وأهمية كتاب: "البرلمان وحقوق الإنسان – مرجعيات وممارسات" للباحث عبد الرزاق الحنوشي بثينة قروري، أستاذة بجامعة محمد الخامس- الرباط
صدر مؤخرا كتاب: «البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات» للباحث عبدالرزاق الحنوشي، وقد حظي المؤلف باهتمام لافت عكسته اللقاءات المتعددة التي نظمت في عدة مدن (نحو 20 لقاء في ظرف أربعة أشهر)، و كذا القراءات النقدية والتحليلية التي أنجزتها العديد من الفعاليات الأكاديمية والحقوقية وسبق لنا في «الوطن الآن» و«أنفاس بريس» أن نشرنا بعضها. ومواكبة للدخول الثقافي الجديد نواصل نشر مساهمات جديدة. في هذا العدد ننشر مساهمة بثينة قروري، أستاذة بجامعة محمد الخامس- الرباط
 
 
يكتسب هذا الكتاب أهمية خاصة من عدة جوانب:
 
الجانب الأول: مرتبط بموضوع الدراسة وهو: الاهتمام بالعلاقة بين المؤسسة البرلمانية وحقوق الإنسان، فالبرلمان هو المدافع الأول عن حقوق الإنسان في الدول الديموقراطية، ولذلك "تعتبر البرلمانات بحق حامية لحقوق الإنسان" كما يؤكد على ذلك الاتحاد البرلماني الدولي في دليله حول البرلمان وحقوق الإنسان.
ويبرز دور البرلمان باعتباره صاحب السلطة التشريعية من الناحية الدستورية، ولكن أيضا بالنظر للدور الرقابي الذي يضطلع به في مراقبة الحكومة وفي تقييم السياسات العمومية، وبالتالي فهناك دور مفترض من طرف البرلمان يتجلى في حماية حقوق الإنسان واتخاذ كافة المبادرات التي تسمح بها الوثيقة الدستورية والأنظمة الداخلية للمجلسين لمراقبة السياسة المتبعة في مجال حقوق الإنسان والعمل على تطويرها وتحصينها بالتشريعات الضرورية، ولإثارة القضايا والإشكالات التي تبرز حينما يتم المس بحقوق الإنسان.
 
الجانب الثاني: هو صاحب الكتاب، فالكتاب يكتسب أهميته أيضا من صاحب الكتاب، فالأستاذ عبد الرزاق الحنوشي يجمع بين الخبرة البرلمانية من خلال موقعه كإطار بمجلس النواب عايش العمل البرلماني عن قرب واحتك بكواليس العمل البرلماني وبالعمل الحقوقي المؤسساتي من خلال عمله كمدير ديوان لرئيس مؤسسة وطنية وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تابع عن قرب الانشغالات الأساسية لهذه المؤسسة بحقوق الإنسان وخبِر مختلف الإشكالات المرتبطة بعلاقاتها بمختلف المؤسسات ومنها المؤسسة البرلمانية، ولذلك فإن الكاتب تتوفر فيه جميع مواصفات المعرفة الميدانية التي تؤهله للكتابة في هذا الموضوع.
 
الجانب الثالث: ينبع من الفترة المدروسة، أي الولاية البرلمانية العاشرة وهي الولاية التي تعتبر إلى جانب الولاية التاسعة مرحلة تأسيسية مهمة عملت على تفعيل مقتضيات دستور 2011 الذي لا تخفى أهمية المستجدات التي جاء بها فيما يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية للمواطنين والمواطنات، وترجمة مقتضياته في نصوص تشريعية.
ويمكن القول بأن الولاية العاشرة كانت غنية بالإنتاج التشريعي الذي يلامس موضوعات حقوق الإنسان، وأبرز قانون في هذا الإطار هو القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عرف نقاشا غنيا وحيويا داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب.
 
الجانب الرابع: يتعلق بالمادة المرجعية المهمة التي يزخر بها الكتاب، فهو يوفر للباحثين مجموعة من الأدبيات والوثائق المؤطرة لمجال حقوق الإنسان سواء ما يتعلق بما توفره المنظومة الدولية لحقوق الإنسان أو ما يرتبط بالعمل البرلماني في علاقته بحقوق الإنسان تحديدا، وهو ما يبرز الجهد التوثيقي الكبير الذي بذله الكاتب على هذا المستوى.
 
الجانب الخامس: هو استعراض حصيلة البرلمان المغربي خلال الولاية الممتدة من 2016 إلى 2021 وتقديم مجموعة من المعطيات والإحصائيات المتعلقة بالإنتاج التشريعي والرقابي للمجلسين ومحاولة تقييم هذه الحصيلة من منظور وصفي تحليلي مع الاشتباك مع بعض المقتضيات القانونية بالشرح والتحليل واستعراض وجهة نظره فيها.
 
لكل هذه الاعتبارات فإننا أمام عمل علمي وبحثي وتوثيقي محترم يستحق أن يُقرأ سواء من طرف الفاعلين (برلمانيين، مؤسسات وطنية، مجتمع مدني…) أو من طرف الباحثين في الجامعة أساتذة وطلبة ولاسيما الجامعات التي تدرس مادة حقوق الإنسان سواء  في سلك الإجازة أوفي سلك الماستر.
وبالنظر لتعدد المواضيع والقضايا التي يطرحها الكتاب والتي تتعلق بمجال حقوق الإنسان في علاقته بالبرلمان خلال الولاية العاشرة، ولأنني كنت جزءا من هذه التجربة البرلمانية من داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان التي عرفت مناقشة عدة قضايا مهمة، فإن مداخلتي سوف تهتم بقراءة الكتاب من زاويتين:
 
أولا: من زاوية نظرية وفكرية أكاديمية صرفة -إن شئتم- باعتباري أستاذة باحثة تدرس مادة حقوق الإنسان في كلية الحقوق السويسي.
 
ثانيا: من زاوية الخبرة الميدانية: باعتباري برلمانية سابقة خلال الولاية التشريعية العاشرة وعضوة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان وأزعم أني كنت قريبة جدا من موضوع حقوق الإنسان سواء من الناحية التشريعية أو من الناحية الرقابية، وسأحاول أن أتناول من هذه الزاوية مجموعة من القضايا المرتبطة أساسا بالحاجة لتطوير علاقة أمثل بين المؤسسة الوطنية والبرلمان، من خلال التطور الذي عرفته المؤسسة الوطنية في السياق المغربي والوقوف عند استقلالية المؤسسات الوطنية عن البرلمانات في ضوء المعايير الدولية والتجارب المقارنة.
 
مقدمة حول الكتاب:
 
كتاب " البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات" هو كتاب غني بالمعلومات يتضمن 10 فصول إضافة إلى 6 ملاحق.
وقد تناولت فصوله المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، الإطار المرجعي لعلاقة البرلمان بحقوق الإنسان، الديمقراطية وحقوق الإنسان والبرلمانات، البرلمان المغربي وحصيلة الأداء في علاقة بحقوق الإنسان، الحصيلة التشريعية في مجال حقوق الإنسان، الأسئلة البرلمانية، لجان تقصي الحقائق، المهام الاستطلاعية، قضايا حقوقية في انشغالات البرلمان، آليات العمل البرلماني: مستجدات وتحولات وتحديات.
كما حاول الكتاب نقاش مجموعة من القضايا المهمة والمتعلقة بعلاقة البرلمان بحقوق الإنسان، وهي فرصة لمناقشة هذه القضايا وتعميق النظر فيها، خاصة القضايا التي استأثرت بالنقاش في لجنة العدل والتشريع أثناء مناقشة القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان..
ولأن الحيز المخصص لهذه القراءة لا يسمح بمناقشة عدد من الأفكار المهمة الواردة في الكتاب، والتي كانت محل سجال ونقاش داخل البرلمان عموما وداخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان خلال الولاية التشريعية العاشرة، والتي خصها الكتاب بالدراسة، فإنني سأكتفي بمناقشة موضوع علاقة المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع البرلمان على ضوء المعايير الدولية وعلى ضوء اجتهادات القضاء الدستوري المغربي، وهو النقاش الذي تمت إثارته بمناسبة مناقشة الميزانيات الفرعية أمام اللجنة، ومنها الميزانية الفرعية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقد تكثف هذا النقاش أثناء مناقشة القانون المنظم للمجلس باللجنة. وقد لاحظت أن الكتاب لم يبرز هذا النقاش بالشكل اللازم وأشار له بشكل عرضي في موضعين: الموضع الأول عند الإشارة للقانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان (ص106-111) والموضع الثاني أثناء الحديث عن تفعيل أهداف الفصل 160 من الدستور(ص:206-208)
 
أولا: حول العلاقة الملتبسة بين المؤسسات الوطنية والبرلمان أو خصوصية التجربة المغربية:
 
قبل دستور 2011 كانت علاقة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مع البرلمان علاقة هشة، بحيث ارتبطت نشأتها وأدوارها أساسا بالمؤسسة الملكية، إذ تم تأسيسه بموجب ظهير ارتكز على الفصل 19 من دستور 1996.
لكن دستور 2011 عمل على دسترة المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره مؤسسة وطنية وأسس لعلاقة مؤسساتية جديدة تستلهم روح مبادئ بلغراد في العلاقة بين المؤسستين، وذلك من خلال تقديم تقرير عن أعماله، مرة في السنة على الأقل، يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان (الفصل 160). وباعتبار أن البرلمان هو المجسد لجوهر فكرة الديمقراطية وفكرة التمثيل التي من بين ما تحيل عليه حماية حقوق وحريات المواطنين، وهكذا تم التنصيص لأول مرة على أن الاتفاقيات التي تتعلق بحقوق وحريات المواطنين يتم المصادقة عليها بقانون (ف 55)، كما اختص البرلمان بموجب الفصل 71 بالتشريع في مجال الحقوق والحريات الأساسية، وفي نفس السياق أكد القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أنه تسري على أحكامه "مبادئ بلغراد" بخصوص العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات (المادة 3).
فإلى أي حد ذهب التأويل والاجتهاد الدستوري والممارسة البرلمانية في اتجاه استلهام روح الإطار المعياري الدولي في خلق دينامية تعاون بين المؤسستين.
 
ثانيا: المعايير الأممية
 
العلاقة بين البرلمان والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، تطرح تحديات أساسية على المستوى العمل والتنسيق المشترك، وهنا سنعمل على استحضار المعايير الأممية في هذا الصدد وأساسا مبادئ بلغراد التي تؤسس لإشراك البرلمانات في دينامية التفاعل مع آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان.
إن التطورات التي عرفتها المؤسسات الوطنية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان على المستوى الدولي جعلت مفوضية الأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان ينتبهان، وإن بشكل متأخر، أي إلى حدود سنة 2012، إلى ضرورة تعزيز العلاقات بين المؤسسات الوطنية والبرلمانات، لأن من شأن هذه المؤسسات أن تستفيد من بعضها البعض في الاضطلاع بمسؤولياتها في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وفي هذا السياق أسست مبادئ بلغراد لتعاون قوي بين المؤسسات الوطنية والبرلمانات من بينها ما نص عليه البند 23 كنموذج: "ينبغي أن يجتمع أعضاء اللجنة البرلمانية المتخصصة والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بشكل منتظم ويحافظوا على حوار دائم من أجل تعزيز تبادل المعلومات..."، أو ما نص عليه البند 14 من خضوع المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مباشرة لسلطة البرلمان، أو ما ورد من تنصيصها في البند 16 من أن يناقش البرلمان أولويات المؤسسات الوطنية، كما ينص البند 17 على أن البرلمان ينبغي أن يضع إطارا لمناقشة أنشطة المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان يتسق مع صون استقلالها.
لكن قرارات القضاء الدستوري المغربي ذهبت في اتجاه مخالف للمعايير الأممية وبنت جدارا عازلا بين المؤسسة التشريعية والمؤسسات الوطنية وهو ما من شأنه أن يؤثر على طبيعة الحوار الذي من المفترض أن يتم تأسيسه بين المؤسستين لتطوير واقع حقوق الإنسان والنهوض بها.
 
ثالثا: توجه محافظ للقضاء الدستوري
 
لقد ذهب المجلس الدستوري في قراره المتعلق بالنظام الداخلي لمجلس النواب رقم 829/12 المتعلق بالمادة 182، في تأويله لمقتضيات الفصل 160 من الدستور، على أنه إن كان "يوجب على المؤسسات والهيئات المشار إليها تقديم تقرير عن أعمالها مرة في السنة على الأقل، فإنه ينص على أن هذا التقرير يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان" ولا ينص على أن هذه المؤسسات تقدم تقريرها "أمام مجلس النواب"، مما يعني أن مناقشة هذا التقرير، داخل مجلسي البرلمان، تكون بين أعضاء كل منهما فيما بينهم وبمشاركة الحكومة، وليس مباشرة مع هذه المؤسسات و الهيئات".
بل أكثر من ذلك، اعتبر المجلس الدستوري أن استقلالية هذه المؤسسات المنصوص عليها في الفصل 159 لا يمكن معها تطبيق ما ينص عليه الفصل 102من الدستور من أنه "يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات العمومية.... بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم.. لأن استقلالية هذه الهيئات تجعلها غير خاضعة لا للسلطة الرئاسية لوزير معين ولا لوصايته".
وفي هذا الإطار اعتبرنا أن حضور رؤساء المؤسسات الوطنية للبرلمان والتواصل مع ممثلي الأمة لا يعني بالضرورة أن هذا الحضور يشكل لحظة للمثول بما تعنيه من محاسبة ومساءلة، ولكنها تشكل لحظة للحوار والنقاش حول القضايا ذات الأولوية، لأن الفلسفة التي بنيت عليها المعايير الدولية جعلت  من المؤسسات الوطنية امتداد للرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية، دون أن يعني ذلك مسا باستقلاليتها التي عمل القانون المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضمانها وحمايتها.
لقد كانت قرارات القضاء الدستوري حاسمة في رسم علاقة غير تواصلية بين المؤسسة الوطنية والبرلمان استندت على تأويل سلبي لأحكام الدستور، وحصنت المؤسسات الوطنية من أي مساءلة برلمانية وبالتالي أخرجتها من دائرة النقاش حول الحكامة، وذهبت بعيدا في تأويل مفهوم الاستقلالية..
لكن بالرجوع لمبادئ باريس ومبادئ بلغراد نجدها تتحدث عن المسؤولية المباشرة لهذه المؤسسات أمام البرلمان، من خلال عدد من المؤشرات من بينها:
مناقشة أولويات المؤسسات الوطنية، "خطوط أبوجا التوجيهية" التي تنص أنه ينبغي دعوة أعضاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بانتظام لحضور اللجان البرلمانية الملائمة لمناقشة التقارير السنوية والتقارير الأخرى لهذه الهيئات.
وهو ما يعني أن مفهوم الاستقلالية ينبغي أن يخضع للقراءة من زاوية التجارب المقارنة.
 
رابعا: العلاقة بين البرلمان بين المؤسسات الوطنية، إشكالية الاستقلالية في التجارب المقارنة:
 
إذا كانت الاستقلالية جزء من هوية هذه المؤسسات فإن مبدأ الاستقلالية يقترن بمبدأ آخر وهو المساءلة، فاستقلالية المؤسسات الوطنية ليست هدفا في حد ذاتها وغاية في حد ذاتها، بل إن فعالية هذه المؤسسات رهين بوضع نظام للمساءلة، وهو ما عملت عدد من التجارب المقارنة على تنزيله في تجاربها المتعلقة بالمؤسسات الوطنية دون أن يمس ذلك باستقلاليتها أو يؤثر على تصنيفها.
إن هذا الموضوع مرتبط بنقاش عالمي في الدول التي تبنت في تجاربها الدستورية والقانونية نظام الهيئات الوطنية المستقلة، وهو نقاش يتعلق بطبيعة هذه الاستقلالية: هل هي استقلالية عن كل المؤسسات الدستورية في إطار منظور معين لمبدأ الفصل بين السلط؟ وما هو مضمون هذه الاستقلالية وحدودها؟
بالاطلاع على التجربة الفرنسية، يبدو أن النقاش جرى حسمه من خلال قرار لمجلس الدولة الفرنسي (صدر سنة 2001) اعتبر فيه "أن استقلالية هذه المؤسسات تظهر كضرورة لتحقيق غايات ذات صالح عام، محددة من قبل المشرع. وأن هذه الاستقلالية لا تعني عدم المسؤولية، وإن كان يظهر أن أدوات المراقبة البرلمانية للعمل الحكومي، غير مواتية لممارسة الرقابة على السلطات الإدارية المستقلة"..
لكن بالرغم من ذلك ظل هذا النقاش حاضرا في فرنسا بسبب التعقيدات التي تطرحها هذه المؤسسات، وهو ما جعل مجلس الشيوخ الفرنسي يقوم بدراسة سنة 2015 حول تجارب هذه المؤسسات في إيطاليا وألمانيا وبريطانيا ليستفيد من الأنظمة القانونية لهذه الدول، ويتجاوز الإشكالية الناجمة عن الممارسة الواقعية التي تعرفها فرنسا.
وعلى خلاف التجربة الفرنسية فإن المحكمة الدستورية البلجيكية ذهبت إلى أن هذه المؤسسات تبقى خاضعة للمراقبة القضائية وكذا للمراقبة البرلمانية.
وكذا التجربة الإسبانية التي جعلت هذه المؤسسات تابعة للبرلمان، إذ جعل الدستور الإسباني ما يسمى بمؤسسة "المدافع عن الشعب" بمثابة مفوض سامي للبرلمان الذي نصبه للدفاع عن الحقوق، لكنه خوله إمكانية الطعن في العمل التشريعي للبرلمان أمام المحكمة الدستورية طبقا للفصل 162 من الدستور الإسباني.
أما في جنوب إفريقيا فقد جعلت تجربتها من مؤسسات "المدافع العام"، و"مفوضية حقوق الإنسان"، و"مفوضية تعزيز وحماية حقوق الجماعات الثقافية والدينية واللغوية" و"مفوضية المساواة بين الجنسين"، مؤسسات مستقلة، ولا تخضع سوى للدستور والقانون، ويجب أن تكون محايدة، لكنها تخضع لمساءلة الجمعية الوطنية، ويجب أن تقدم تقريرا عن أنشطتها وأداء مهامها للجمعية الوطنية مرة في سنة على الأقل.
وبالرجوع إلى اجتهادات القاضي الدستوري المغربي فبالرغم من أنه أقر في قراره المرتبط بالنظام الداخلي لمجلس النواب المتعلق بترتيب الأثر (2013)، بأن "المشرع يمتلك السلطة التقديرية لتحديد مدى وشروط استقلالية المؤسسات والهيئات المعنية"، فإنه عمليا لم يترك للمشرع صلاحية تحديد مدى الاستقلالية وشروطها.
 
وختاما:
 
يمكن القول أن المؤسسة البرلمانية خلال الولاية العاشرة جعلت من محطة مناقشة الميزانية الفرعية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وكذا من محطة المصادقة على القانون المنظم له، فرصة لنقاش دستوري وقانوني مهم حاول أن يربط جسور الحوار المستدام بين المؤسسات الدستورية في استلهام للمعايير الدولية وتقوية فعلية ومصداقية لحقوق الإنسان ببلادنا، وهو النقاش الذي سيتعزز أكثر بعد تقييم التجربة الحالية واستعراض نقاط القوة والضعف فيها.