السبت 27 إبريل 2024
فن وثقافة

فؤاد زويريق: هذه هي تيمات الفيلم المغربي القصير "غبار "

فؤاد زويريق: هذه هي تيمات الفيلم المغربي القصير "غبار " فؤاد زويريق وملصق الفيم
فكرة الفيلم بسيطة طفل يرحل مع أبيه ويتركان خلفهما شقيقته في البيت، يكبر الطفل ثم يعود مجددا الى بيت الطفولة، وبين الرحيل والعودة تتكدس الذكريات والآلام، ذكريات الطفل مع أخته، وآلام أخته ومعاناتها مع أب متسلط كاره للفن والموسيقى والرقص وواقف ضد اختيارات أبنائه.
الفيلم لم يُبن على متتاليات حكائية ولا على قصة متداخلة تفاصيلها ومتشعبة خيوطها، فهو في الأول والأخير فيلم قصير اعتمد على الاختزال، والتكثيف، والانزياح كأداة لشد انتباه المتلقي عبر استغلال لغة سينمائية مركزة وتجريبية بمفرداتها وجملها وتراكيبها... إذاً بعيدا عن مضمون الفيلم رغم أنه محمل بالكثير من الدلالات والإيحاءات، نجده قد اعتمد بشكل أكثر على البعد الفني والشكلاني حيث أصر على خلق روح جمالية اقتنص بها حتما انتباه المتلقي، وأشركه في سبر عوالمه المتخفية بين أو خلف غبار المتن، إذ أن الرؤية الإخراجية القائمة على الموهبة والإتقان، انسجمت وانصهرت مع الإبداع في التصوير، ذاك التصوير المنفلت من عدسة وعَيْنَيّ مدير تصوير متمرس موهوب ومبدع، وهنا لا بد لي من توجيه التحية لكل منهما، مخرج العمل طارق رسمي، ومدير التصوير عادل أيوب، فكلاهما اجتهدا في تعزيز الفيلم برؤية تجريبية مختلفة فيها من الإبداع الكثير، وفيها أيضا صور مستهلمة بدقة وذكاء من تجارب أخرى مرت بكل تأكيد أمام عينيّ كل سينيفلي متابع لهذا النوع من الأفلام.
الفيلم ابتعد عن الألوان فاستخدم في مساحته الأكبر الأبيض والأسود وذلك لأبعاد فنية جمالية، والأهم للإحالة على الماضي بذكرياته ومعاناته المعتمة. استخدمت الألوان في البداية والنهاية كرمز على الحاضر، الذي يعيشه الطفل الذي ظهر شابا عائدا في النهاية وأخته المتوشحة بالسواد في البداية، وبين حكايا الأمس واليوم حيث تقبع سلاسل العبودية والقمع والتسلط تبقى شجرة البداية غير متغيرة وصامدة في كل الحالات، في النور والظلام، وفي الماضي والحاضر، شاهدة على التمثلات الإنسانية بأفراحها وأشجانها.
الفيلم باختصار حُمل إبداعيا وفنيا على رؤية شبابية متجددة لغة وفكرا، رؤية شبابية صادفنا مثلها في العديد من الأفلام القصيرة المغربية التي أبان أصحابها الشباب على علوّ كعبهم في هذا الجنس السينمائي حيث أصبحوا ينافسون به خارجيا في الكثير من المهرجانات والملتقيات المهمة، ومنه كسبنا مبدعون متميزون منهم من انطلق، ومنهم من ينتظر فرصته، فهنيئا للمخرج بهذا العمل وأيضا لحكيم القبابي بصفته هنا مساعد مخرج ومشرف، ولمدير التصوير الذي شاهدت له في السابق أعمالا كلها متميزة من ناحية التصوير والتأطير الجمالي، ولطاقمه التقني والفني عموما، أما التشخيص فكان مختارا بعناية مما شكل إضافة للعمل وساعده على تحقيق توازنه الإبداعي، فالمبدع محمد خيي يحسب له تواجده في هذا العمل مع هؤلاء الشباب بماضيه المحمل بتجارب ناضجة ساعدتهم على نجاح تجربتهم، لا أتكلم هنا عن تشخيصه فقط بل على حضوره الغالب أمام الكاميرا كعنصر من العناصر المكونة لجمالية الصورة، ولا يفوتني أيضا التنويه بالتشخيص المتزن والمنسجم لكل الممثلين المشاركين في هذا العمل الذي يستحق فعلا ما حصل عليه من جوائز في مناسبات عدة.