فيلم ''جبل موسى'' للمخرج المغربي ادريس المريني فيلم قوي ومحترم جدا، واحترامه يتجلى في احترام ذكاء المتلقي والسمو بتفكيره ومخيلته، فيلم يغرد خارج السرب، لا يجعلك تستفرد بعناصره الفنية والتقنية فقط بل يحملك إلى ما هو أعمق من ذلك، فرؤيته الفكرية تُحتم عليك مناقشة أفكاره وتحليل أطروحته وتفكيك فلسفته، تلك التي تنادي بتجاوز ظاهر الأشياء للوصول الى المعنى المُستتر خلفها بعمقه الروحي التأملي. هذا الفيلم لو عُرض في دولة بنفس ظروف دولتنا لكن بجمهور سينمائي مُشبع بتربية ثقافية وفكرية وفنية سوية تغوص في رؤى وتفاصيل المحتوى الفكري للفيلم، لَخَلق جدلا وفتح بابا عريضا للنقاش، فالفيلم عرض مرات ولم يحرك ساكنا رغم غناه بأفكار أكثر جرأة من لقطة إباحية تافهة في هذا الفيلم أو ذاك، مما يجعلنا نوقن بأن جمهورنا يستثار بسهولة وسذاجة بصريا لا فكريا.
فيلم ''جبل موسى'' اقتحم حقل ألغام لكن بذكاء ونعومة وسلاسة دون تعريض نفسه لخطر الانفجارات، ابتداء من عنوانه ذي الحمولة الميثولوجية، والدينية، والإنسانية... مرورا بعوالم صادمة يتقاطع فيها كل ما هو فلسفي وديني وصوفي... الفيلم يناقش الذات، ويسائل العقل، ويتأرجح بين دلالات الظاهر والباطن بحوارات هادئة وكلمات مستقاة، طبعا الفيلم به عثرات لكنها لم تؤثر على قوة طرحه، وصلابة رؤيته وكل هذا سأتعرض له في مقالة مفصلة قادمة فالفيلم يستحق الوقوف عند تفاصيله. والجميل فيه أيضا أنه أنهى الفيلم بأغنية جميلة ومعبرة تناسب فلسفته رافقت جنريك النهاية وهذا ما لا تهتم به جل أفلامنا للأسف، وأغنية الجنريك هذه تؤديها الفنانة سلوى الشودري بصوتها العذب مقتنصة كلماتها من ديوان ''ترجمان الأشواق'' وهو من أهم دواوين واحد من أعلام الصوفية الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي يقول فيها:
قد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي ... إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ ... فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ
وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ ... وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ... ركـائـبهُ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني
*تحليل الفيلم سيكون في مقالة مفصلة