الخميس 18 إبريل 2024
سياسة

مثقفون تونسيون: تصرف الرئيس قيس ضد المغرب "سقطة تحتاج إلى معجزة للنهوض منها"!

مثقفون تونسيون: تصرف الرئيس قيس ضد المغرب "سقطة تحتاج إلى معجزة للنهوض منها"! سعيد قيس والانفصالي ابراهيم غالي
لم يمر تخلي الرئيس قيس سعيد عن دبلوماسية "الحياد الإيجابي" مرور الكرام لدى الكتاب والمثقفين التونسيين. ذلك أنه منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة مارست تونس، دائما، سياسة الامتناع عن نهج "سياسة المحاور" أو التحيز لهذا الطرف أو ذاك، حتى في أقوى لحظات التوتر. لكن قيس سعيّد خرق هذا النهج، ليساهم، عن عمد وسبق إصرار، في "خلق" زلزال أخر يعمق شروخ المنطقة المغاربية، ويزيدها تفكيكا، مما دفع كتابا ومثقفين، من مختلف الحساسيات السياسية والتيارات الإيديولوجية، إلى الرفع من مستوى الانتقاد ضد رئيس قرطاج المفتون بعطايا الرئيس تبون. 

فقد اعتبر الكاتب التونسي الشاذلي بن عمر أن ما فعله قيس سعيد "فعل دوني"، وأنه يكفي لمعرفة دونية ما يفعل، أن كل إجراءاته قام بها منفردا من خلال ممارسات ضبابية، أدت إلى غياب الرؤية، دون أدنى اعتبار لآراء الآخرين، وكأنه الشخص الفاهم الوحيد في تونس، والآخرون- ممن استخدمهم مؤقتا- مجرد محطات لا قيمة لها ولا معنى، وهو ما يؤشر على شخص مريض لا يقيم وزنا لأحد. وهو إلى ذلك جاهل تماما بالتوازنات الدولية والعلاقات بين الدول، فهو يتحدى الولايات المتحدة، ويعادي المغرب وتركيا، ويناصر الأنظمة الدكتاتورية بكل بجاحة".

وأضاف الشاذلي، في مقال له بعنوان "تونس: أي حاضر؟ وأي مستقبل"، أنه لا يمكن الدفاع عن قيس سعيد بصورة من الصور، وهو الذي أقال رئيس الحكومة وحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء والهيئة الوطنية للانتخابات، ذلك دون الدخول في عشرات الإجراءات الباطلة الأخرى، التي لا تخفى على المتابع، وكان آخرها إلغاء الدستور، وكتابة دستور جديد يمنحه صلاحيات الدكتاتور المطلق المحصن الذي لا يعزل ولا يحاسب".

واتهم الكاتب التونسي، نزار بولحية، الرئيس قيس بالعمل على "طمس الحلم بمغرب عربي كبير". مضيفا أنه "إن سألنا المغاربة عن الشعب المغاربي الذي يرونه الأقرب لهم من حيث الثقافة والطباع، فسيجيبون حتما، التوانسة.. غير أنهم مغتاضون جدا اليوم من تونس، وهذا شيء ربما قد يتفهمه حتى التونسيون أنفسهم".

وقال بولحية: "لعل من المفارقات أن معظم التونسيين قد لا يعرفون أصلا من هي البوليساريو، أو من يكون إبراهيم غالي، الذي بسببه حصل ما حصل بينهم وبين المغاربة، كما أن معظم المغاربة قد لا يدركون أو يتفهمون بالمثل، إصرار الرئيس التونسي على أن يستقبل بنفسه زعيم من يعتبرونها حركة انفصالية مناوئة لوحدتهم الترابية، لكن عند اشتعال الحريق قد يكون الأولى من أي شيء، بما فيه اتهام جهة ما بأنها هي السبب وراءه، هو الإسراع لإطفائه للحد من توسعه حتى لا تستعصي السيطرة عليه بعدها، أو تكون صعبة. وربما قد لا يختلف حال من لا يجيدون غير البكاء والنواح الآن على أطلال العلاقات المغربية التونسية، مع حال من يسعون وعلى العكس إلى صب مزيد من الزيت على النار، والتحشيد من أجل قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عودة السفيرين المغربي والتونسي إلى بلديهما، في أعقاب الهزة العميقة التي تعرضت لها تلك العلاقات، بعد استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو بشكل رسمي في بلاده، فكل واحد منهم يشترك في النهاية مع الآخر في نظرته السلبية إلى مسألة مفصلية ستؤثر وبلا شك في مستقبل أجيال بكاملها في المنطقة، والتسليم المطلق بما يتصوره واقعاً ثابتاً وحتمياً من تحصيل الحاصل، لا أمل في تعديله أو في تغييره وكل واحد منهم يستمر أيضا في متابعة ألسنة اللهب التي بدأت بالتصاعد، من دون أن يخطر بباله أن يقوم بأي عمل لمحاصرة النيران وإخمادها، ولو بوسائله المحدودة والبسيطة، لكن سيكون من الخطأ أن يعتقد البعض أن الأزمة بين البلدين المغاربيين ولدت فقط وبشكل مفاجئ، فعلامات الوهن والضمور، وربما حتى الجفاء والبرود بين العاصمتين كانت واضحة للعيان منذ عدة شهور، ولم يكن خافيا على أحد أن التيار لم يمر بالشكل المطلوب بين العاهل المغربي والرئيس التونسي في معظم المرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي شهدت وصول سعيد إلى سدة الرئاسة، وكان اقتصارهما على تبادل بعض المكالمات الهاتفية أو الرسائل في مناسبات محدودة من دون زيارات، مؤشراً قوياً في حد ذاته، على الانحدار السريع الذي ستعرفه لاحقا علاقاتهما، خصوصا بعد الخامس والعشرين من يوليوز من العام الماضي، مقابل الصعود القوي الذي شهدته العلاقات التونسية الجزائرية". 

ولفت بولحية الانتباه إلى أن الأهم الآن يبقى الطريقة التي سيتم بها الخروج من الأزمة، قائلا: "سيكون من الصعب جدا أن نتصور أن الرئيس التونسي سيقدم على التراجع عما فعله، وسيقدم ما يشبه الاعتذار الرسمي على استقبال غالي، أو أنه سيمضي أبعد ليعبر عن تمسكه بوحدة المغرب الترابية، بما قد يعني إقرارا ضمنيا وغير مباشر بمغربية الصحراء، وهو ما تفضله الرباط على الأرجح، كما أنه سيكون من الصعب جدا كذلك على المغرب أن يعيد سفيره إلى العاصمة التونسية، ويطوي الصفحة وكأن شيئا لم يكن. ولأجل ذلك فإن الأزمة لا تبدو ثنائية بقدر ما أنها تتجه وبفعل عدة عوامل إلى أن تصبح إقليمية، وربما حتى دولية ما يعني أن حلها بات يحتاج لتدخل عاجل وحاسم من قوى وأطراف خارجية. لكن السؤال هو، من هي تلك القوى التي ستكون حريصة على الحفاظ على استقرار المنطقة، ولن تستبشر بوجود توتر إضافي في الشمال الافريقي؟ لعل الأمر يبدو أشبه باللغز، لكن المؤكد هو أن البلدين لن يحتاجا في هذه المرحلة على الأقل إلى معجزة حتى يتلمسا معا طريق الحل".

من جانبه، أعتبر الكاتب والصحافي التونسي  محمد كريشان، في تغريدة له على "تويتر"، أن تصرف الرئيس التونسي "سقطة تاريخية فادحة في تعامل الدولة التونسية مع قضية الصحراء، كان تقليدا راسخا لعقود حرص تونس على عدم التورط في هذه القضية بأي شكل من الأشكال .. إلى أن جاءت خطوة قيس سعيّد لتنسف كل ذلك.. تماما كما نسف كل مقومات الديمقراطية وكل هيبة لدولة تحترم نفسها ". 

وقال المثقف التونسي الطاهر أمين: "من كان يظنُّ أن  السياسة الخارجية التونسية ستصبح مع قيس سعيد ملحقا على هامش صِرَاعات الجزائر؟". مضيفا، في تدوينة له على حسابه ب"فيسبوك": قيس سعيد.. كوارث في الداخِل وكوارث مع الخَارِج".
أما أحمد ونيس، وهو مثقف شغل منصب وزير الخارجية التونسي سابقا، فقد حذر من خطورة الاصطفاف، داعيا تونس إلى البقاء في منطقة الحياد المطلق. وقال: "علينا تدارك الأزمة مع المغرب"، مضيفا: "وقع خطأ دبلوماسي، ونحن بصدد معالجته بالقنوات الضرورية".

وأكد يونس قائلا: " أن تونس لا تعترف بالكيان الصحراوي، ولا تعترف بأي كيان يريد تقسيم تراب الصحراء، ونحن لم نسجل أي جديد بشأن هذين الموقفين". مضيقا "هناك تعثر دبلوماسي وقع في تونس، من خلال إقحام أزمة الصحراء والتي تتحكم في حاضر ومستقبل المغرب الكبير.. وفي الحقيقة، لم يكن هناك أي موجب لإقحام هذه الأزمة في قمة "تيكاد" التي لم تكن البتة قمة سياسية، ولم يكن هناك موجب أيضا لفرض حضور الجانب الصحراوي في هذه القمة التقنية الاقتصادية".

وبخصوص الأزمة الدبلوماسية بعد إعلان المغرب وتونس تبادل استدعاء السفراء، ذكر الكاتب التونسي وليد التليلي بما قاله وليد الحجام، مستشار الرئيس قيس سعيد، يوم 29 أكتوبر 2021، "إنّ تونس تتمسك بعلاقاتها الأخوية والتاريخية المتميزة مع كلّ الدول المغاربية، كما تتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي في تعاطيها مع ملف الصحراء"، متسائلا عن الأسباب التي دعت تونس إلى الخروج عن حيادها، واختيار الاتجاه المعاكس لاحتواء الأزمة، بل الدفع بها إلى "حافة القطيعة الدبلوماسية".

ردا على ذلك، قال الكاتب التونسي، بشير الجويني: "أصبح واضحاً انخراط تونس في سياسة المحاور، برغم أن السياسة التونسية معروف عنها تاريخياً أنها حرصت على تجنب ذلك". مؤكدا أن تونس، مع نا أقدم عليه قيس سعيد، خرجت نهائياً من موقف الحياد في هذا ملف الصحراء، ومن مواقف الدبلوماسية التونسية الحكيمة والرصينة". 

واعتبر الجويني أن "الشجاعة لا يجب أن تكون تهوراً، ولا بد من مراعاة المصالح الداخلية والخارجية، وعلاقتنا مع المغرب ستتضرر للأسف، وانخراط تونس في سياسة المحاور سندفع ثمنه بالتأكيد".

وأضاف الجويني أنه "مع سعيّد، بدأت الدبلوماسية التونسية تفقد كثيراً من ركائزها التي مضى عليها أكثر من 50 عاماً، وهي المحافظة على مواقفها الثابتة في علاقتها بدول الجوار وفي عدة قضايا، ومن بينها قضية الصحراء، ولكن الأداء الخارجي لتونس أصبح مرتبطاً بمحاور وبأجندات ليست بالضرورة في صالح تونس والتونسيين، بل تقود إلى مزيد من تعقيد المسألة في المنطقة، سواء في علاقاتها مع ليبيا، حيث لكل من (رئيس الحكومة المعينة من البرلمان) فتحي باشاغا و(رئيس حكومة الوحدة الوطنية) عبد الحميد الدبيبة، مشاكل مع تونس الرسمية، والآن المغرب".

وأكد الجويني إن "بعض المصادر تتحدث عن أنه تجري محاولة تعويم الاستقبال على أنه دعوة من الاتحاد الأفريقي، ولكن الواضح أن البيان المغربي تضمن نقاطاً واضحة لا تقبل التفنيد، وتسميها بأنها مبادرة تونسية فردية ولا علاقة لها بموقف الاتحاد الأفريقي". مشيرا إلى أنه "لا بد من التنبيه إلى أن "المغرب كرر مسألة الاعتداءات التونسية، ووصف الموقف بأنه عدائي، وهذا يطرح سؤالاً عن التحركات الدبلوماسية التونسية الحالية عموماً، في الوقت الذي يحتاج البلد لأن يكون لديه أكثر ما يمكن من الأصدقاء والحلفاء للوقوف معه، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الدقيق".

أما الكاتب والسياسي التونسي، عبد الوهاب الهاني، فقد علق على سقطة الرئيس في صفحته على "فيسبوك"، قائلا: "إن استقبال رئيس الجمهورية لزعيم جبهة بوليساريو انحراف خطير، وحياد غير مسبوق عن ثوابت الديبلوماسية التونسية، وغباء دبلوماسي لوزير التدابير الاستثنائية للشؤون الخارجية (عثمان الجرندي)، وانتحار سياسي للرئيس قيس سعيّد، سيعرّض المصالح العليا لتونس ومصداقيتها بين الدول لصعوبات كبيرة". 

وفي السياق نفسه كاتب الناشط السياسي والكاتب جوهر بن مبارك، في حسابه على فايسبوك قائلاً: "وصلنا إلى مرحلة التلاعب الغشيم بالتوازنات الإقليمية والزج بتونس في لهيب الصراعات وتهديد ما بقي من استقرار البلاد". مضيفا "هدم الكفاءة الشاهق في قراءة المشهد الجيوستراتيجي وإدارة السياسة الخارجية من جهة، وسعي الانقلاب للعب على التناقضات في المنطقة، وتوجّهه لاسترضاء جهات، واستعداء جهات أخرى فقط من أجل استجداء الرضا والدعم لمشروعه الداخلي السلطوي الفوضوي من جهة أخرى، ستجلب لتونس مزيداً من المصاعب وسيدفع الشعب مرّة أخرى فاتورة عبث المنظومة الحاكمة باستقراره وبمصالحه الوطنية العليا من أجل تحقيق مصلحتها الشخصية في التسلّط، ووضع اليد على البلاد، وفتح الطريق أمام مجاميع الموالاة المتكالبة على السلطة للسطو على مقدّرات الشعب دون مشاغبة".

أما الكاتب صلاح الدين الجورشي، فقال إن "استقبال الرئيس سعيد لزعيم البوليساريو، والجلسة البروتوكولية التي جمعتهما خلفت وراءها عاصفة سرعان ما أدت إلى أزمة سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة بين تونس والمملكة المغربية. أزمة لم تكن في الحسبان، رغم حالة البرود التي اتسمت بها العلاقات بين البلدين، ويخشى أن  ينتج عنها مزيد من هدر الطاقات وتضييع للوقت والجهد وإحداث المزيد من الجروح والتمزق في الجسم المغاربي المتعب".

وأكد الجورشي، في مقال بعنوان "استقبال رئيس البوليساريو في تونس.. خطأ أم اختيار؟"، أم من ثوابت الدبلوماسية الناجحة "العمل على وحدة المغرب العربي، ورفض الانحياز لدولة شقيقة على حساب أخرى. لهذا عندما نشب الخلاف بين المغرب والجزائر حول ملف الصحراء، حرصت تونس على تجنب أن تصلها نيران الفتنة، وأن تبقى على الحياد، وأن تكون واسطة خير بين جارتيها، وألا تميل ميلة واحدة فتزيد الطين بلة وتغذي الصراع في المنطقة".

وأضاف صاحب المقال" في هذه المرة حصل خطأ بروتوكولي فادح أحدث صدمة نفسية لدى المغرب أولا، ولدى عدد واسع من التونسيين ثانيا، بمن في ذلك مدافعون شرسون عن الرئيس سعيد. إذ لأول مرة يجلس مسؤول تونسي رفيع المستوى مع زعيم ما يسمى بالجمهورية الصحراوية، وخلفهما علما الطرفين، وهو ما أوحى للمغاربة ولجهات أخرى عديدة أنه تغيير جذري ومفاجئ قد طرأ على الموقف التونسي. كما سارعت الرباط نحو ربط هذا الأمر بامتناع تونس عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بقضية الصحراء. ورأت ذلك انحيازا للجزائر نتيجة وثوق علاقات الرئيس التونسي بالرئيس عبد المجيد تبون خلال الفترة، خاصة بعد 25 يوليوز 2021 ، تاريخ استيلاء قيس سعيد على جميع الصلاحيات في الدولة وانفراده بالسلطة. وقد أعلن تبون أن الجزائر لا تعترف إلا بشرعية سعيد وذلك على إثر الاستفتاء الأخير الذي انبثق عنه الدستور الجديد، وعن دعم الجزائر لتونس في هذه الظروف الصعبة".

وذهب الجورشي إلى أن المطلوب من البلدين، تونس والمغرب "تغليب الحكمة، والعمل على تجاوز هذه الرجة القوية، والتمهيد لتنقية الأجواء بين البلدين. وإن كان المتوقع أن ذلك لن يحصل قريبا. إذ بناء على ما ورد في البيانين المغربي والتونسي، يتبين أن هناك أزمة ثقة يخشى أن تتعمق خلال الأيام والأسابيع القادمة".

واختتم الكاتب التونسي مقالته قائلا: "تونس لن تخرج من كبوتها إلا بشروط عديدة، من بينها الابتعاد عن سياسات المحاور سواء أكانت إقليمية أو دولية، مهما تفاقمت الأزمات الداخلية وتعقدت. يجب أن يلتفت السائق دائما نحو جميع الاتجاهات، ولا يهمل أي جهة، لأن الحوادث القاتلة عند السياقة سببها الرئيسي الغفوة وعدم الانتباه..".