الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

نزهة مزيان: مشروع مراجعة مدونة الأسرة أربع منطلقات وسبْعُ مبادئ ملكية لتأطير المحاور الكبرى للمراجعة

نزهة مزيان: مشروع مراجعة مدونة الأسرة أربع منطلقات وسبْعُ مبادئ ملكية لتأطير المحاور الكبرى للمراجعة نزهة مزيان
فتح الخطاب الملكي لعيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2022، ورشا استراتيجيا يخص مدونة الأسرة التي مرت 18 سنة على دخولها حير التنفيذ. إن هذه المدونة، والتي تتضمن من الإيجابيات الشيء الكثير الذي لا يُمكن نكرانه، قد تعرضت لنوعين من الاختلالات. فمن جهة أولى هناك اختلالات ناتجة عن سوء تطبيق بعض المقتضيات، ومن جهة ثانية اختلالات ناتجة عن مرور فترة كافية لظهور بعض النواقص.
 
وسأعمل في هذه المقالة، على تحديد المنطلقات والمبادئ والتوجيهات الملكية التي ينبغي مراعاتها عند وضع مشروع التعديلات (المحور الأول)، قبل اقتراح المحاور الكبرى التي أعتبر أنها تتطلب المراجعة (المحور الثاني).
 
المحور الأول: أربع منطلقات وسبع مبادئ ملكية لتأطير مراجعة مدونة الأسرة
لقد وضع الخطاب الملكي المبادئ العامة الموجهة لمشروع مراجعة مدونة الأسرة، وهي أربع مبادئ يُمكن اعتبارها بمثابة منطلقات لهذه المراجعة تتمثل في أنه:
 
أولا- لا يُمكن بناء مغرب التقدم والكرامة، إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية؛
ثانيا- ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات؛
ثالثا- النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها؛
رابعا - تقدم المغرب رهين بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية.
 
وقد حدد جلالته موقفه بشكل صريح عند القول إنه "يُريد" بناء مغرب التقدم والكرامة، وأنه يُشدد "مرة أخرى" على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات، وأنه حريص على "النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها"، وعدم حرمان المرأة من حقوقها في مغرب اليوم. فهناك إذن إرادة ملكية، وتشديد وحرص ملكيين، بخصوص تحسين وضعية المرأة المغربية، ولا أدل على ذلك أساسا من إصدار مدونة الأسرة واعتماد دستور 2011، اللذيْن ذكر صاحب الجلالة بمناسبة الحديث عنهما بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، وبمبدأ المناصفة كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه.
 
ونُلاحظ هنا أن جلالة الملك قد سجل عدم تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وعدم تحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعيتها، ودعا للقيام بذلك. ويتعلق الأمر بصفة عامة بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة (الفصلان 32 و169 من الدستور)، وهيئة المناصفة ومكافحة جميع أشكال التمييز (الفصلان 19 و164 من الدستور)، إضافة للدور الذي ينبغي أن يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان (الفصل 161 من الدستور).
 
أما عن مدونة الأسرة في حد ذاتها، فإن جلالة الملك قد اعتبر أنها وإن كانت "قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها، والتي حددها جلالته في أسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما منها اعتقاد فئة من الموظفين ورجال العدالة أن هذه المدونة خاصة بالنساء".
ولذلك، وضع الخطاب الملكي المبادئ الأساسية السبعة التالية للاسترشاد بها:
 
أولا- مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها؛
ثانيا- المدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال؛
ثالثا- ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية؛
رابعا- تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة؛
خامسا- مراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك؛
سادسا- تمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أنه سيكون على حساب الرجل؛ ولا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة؛
سابعا- عدم منح المرأة امتيازات مجانية، وإنما إعطائها حقوقها القانونية والشرعية.
 
إن تطبيق هذه المبادئ الموجهة، ينبغي أن يتم وفق حدود معينة، ومنهجية محددة.
فأما الحدود، فتتمثل في ضرورة استحضار إمارة المؤمنين التي لا تسمح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية. كما أنه من الناحية المنهجية ينبغي الحرص على أن تتم الاقتراحات "مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية" وكل ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي.
 
وأخيرا، فإنه في مجال السياسات العمومية الواجبة التطبيق، دعا الخطاب الملكي إلى "العمل على تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب".
إن الخطاب الملكي يُشكل خارطة طريق واضحة المعالم، وعلى مختلف الفاعلين الحزبيين والمؤسساتيين والمدنيين أن يكونوا في مستوى الحدث باستنباط التعديلات التي تكون في مستوى الخطاب الملكي وتوجيهاته.
 
المحور الثاني: ستة محاور كبرى لمشروع مراجعة مدونة الأسرة
استنادا على التوجيهات الملكية، ورغم وجود مقتضيات كثيرة تتطلب المراجعة، فإنه يُمكن تجميع مختلف المواضيع التي ستكون محور النقاش العمومي والمؤسساتي في المحاور الستة التالية:
 
أولا- جعل توثيق عقد الزواج هو القاعدة، وبالتالي وضع حد لمخلفات الفترة الانتقالية، نظرا لما أبانت عنه من إمكانيات للتحايل ومن استعمالها في غير أغراضها المخصصة لها. ولذا، فإن سماع دعوى ثبوت الزوجية ينبغي أن يبقى مُقتصرا على الوقائع التي تمت خلال الفترة الانتقالية أو قبلها دون أن يمتد ذلك لفترة ما بعدها، لأنه لا يُعقل أن يتم الحديث عن أسباب قاهرة في الألفية الثالثة. وسيُمكن هذا التحديد من منع الاستغلال والتحايل على المدونة من أجل القيام بعملية التعدد دون الخضوع للمسطرة التي وضعتها المدونة، أو تزويج القاصرات، أو التشجيع على عدم توثيق عقود الزواج، ووضع حد لاستمرارية وجود أطفال غير مسجلين بالحالة المدنية.
 
إن هذه الحالات الأربع ينبغي أن يتم وضع حد لها، وإلا ينبغي إحاطتها بتدابير احتياطية عديدة. فتزويج القاصر مثلا ينبغي ربطه بخبرة طبية وبحث اجتماعي معا وليس أحدهما فقط، كما أنه ينبغي محاربة مسألة عدم توثيق عقد الزواج، وتشجيع تسجيل الأطفال بالحالة المدنية حفظا لحقوقهم بدل حرمانهم منها لأسباب لا دخل لهم بها.
 
ثانيا- تدقيق المقتضيات المتعلقة بالتعدد من خلال إعادة صياغة بعض المقتضيات لتُصبح أكثر دقة، حتى يتم تقليص مجال للسلطة التقديرية للقاضي، مع منحه كل الوسائل للتأكد من وجود الشروط التي تسمح بهذا التعدد، وتشديد العقوبات فيما يخص التحايل على مسطرة التعدد من قبيل استعمال وثيقة طلاق لاغية، أو عدم إشعار الزوجة الأولى ...
 
ثالثا- إعادة النظر في مسألة غياب عنصر الرضا لدى الزوجة الأولى بسبب خوفها من التطليق نتيجة كون الفصل 45 من مدونة الأسرة يجعل المحكمة تُطبق "تلقائيا مسطرة الشقاق" في حالة الخلاف حول مسألة التعدد وذلك بتطبيق مسطرة الشقاق بعد مرور أجل مُعين (حتى يكون ذلك الأجل قبول صريح أو ضمني من طرفها وبرضاها) وليس بشكل مُباشر مفروض عليها.
 
إن المرأة في هذه الحالات لم تدل برأيها حول مسألة الشقاق الذي يُؤدي تطبيقه بطريقة آلية إلى ترتيب نتائج في غير صالحها. فالمادة 97 من المدونة منحت المحكمة، في حالة تعذر الإصلاح واستمرار الشقاق، الحكم بالتطليق وبالمستحقات طبقا للمواد 83 و84 و85، مراعية مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول عنه لفائدة الزوج الآخر. ففي هذه الحالة يُمكن تحميل الزوجة مسؤولية الطلاق وبالتالي حرمانها من بعض حقوقها ضدا على مقتضيات المادة 84 التي تُحدد مستحقات الزوجة في الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة، والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه.
 
رابعا- رفع الغموض عن الإطار القانوني للأموال المشتركة من خلال التنصيص على الاتفاق بين الزوجين عند استثمار أو توزيع الأموال المشتركة، وإسناد النظر في النزاعات المترتبة عن تدبير الأموال المشتركة إلى المحكمة، وسد الفراغ القانوني المتمثل في عدم التنصيص على إمكانية تقسيم الأموال المشتركة أثناء قيام الحياة الزوجية وبالتالي وضع حد للتأويلات المتباينة، ثم إدماج العمل غير المأجور الذي تقوم به النساء في إطار العمل المنزلي أو خارجه ضمن العناصر التي ينبغي اعتمادها في التقييم.
 
ويُمكن حل جزء كبير من هذه الإشكالات عن طريق التنصيص على إجبارية إنجاز عقد تدبير الأموال المشتركة. فالمادة 49 وإن نصت على جواز تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، وتضمين ذلك في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، فإنه من الأفضل جعل ذلك إلزاميا بحكم تطور عمل النساء ومساهمتهن في تحمل أعباء شؤون البيت، وبالتالي الابتعاد عن فكرة الرجوع "للقواعد العامة للإثبات" التي لا تسمح بالمساواة بين النساء.
 
خامسا- رفع الإجحاف عن الحاضن الذي يتحمل المسؤولية لوحده، خاصة وأن هناك مصلحة فضلى للمحضون ينبغي مراعاتها من قبل النائب الشرعي، وذلك بإضافة حالة وجود هذا النائب الشرعي وعدم اهتمامه بشؤون الحاضن، وليس فقط غيبته، ضمن الحالات التي تسمح للحاضن بالتصرف لمصلحة المحضون.
 
إن إدخال مفهوم المصلحة الفضلى للمحضون سيحد من حالات التعسف التي قد يُمارسها غير الحاضن انتقاما من الحاضنة نفسها في حالة الانتقال للعيش في مدينة أخرى بالنسبة لداخل المغرب، وملاءمة المقتضيات المتعلقة بالسفر مع وضعية المغاربة القاطنين بالخارج، لأن الأمر بالنسبة لهم يهم السفر بالمحضون خارج بلد الإقامة والذي ليس هو المغرب.
 
وأخيرا، فإن مدونة الأسرة، ستُحقق العدالة والإنصاف أيضا من خلال جعل المحكمة تتخذ إجراءات في حق غير الحاضن الممتنع عن الزيارة لمدة سنة كاملة.
إن الحديث عن المحضون هو حديث عن "الطفل"، الذي ينبغي أن يتم بخصوصه تطبيق مبدأ مصلحته الفضلى طبقا لاتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها بلادنا، وليس منح الأفضلية لمزاج الولي.
 
سادسا- تتضمن مدونة الأسرة أيضا الكثير من المقتضيات التي تجعل المرأة في وضعية ضعيفة، ويلزم فقط أن يتم تدقيق المقتضيات المتعلقة بها. ونشير هنا -على سبيل المثال- إلى كل من:
 
- ضرورة إدماج طرق الضغط المختلفة التي قد يستعملها أي طرف لإجبار الطرف الآخر على ترك بين الزوجية؛
- فتح المجال أمام المحكمة للنظر في أسباب امتناع الزوجة عن الرجوع لبيت الزوجية، وتقدير مدى جدية سبب الامتناع، قبل وضع حد للنفقة.
وأخيرا، فإنه يجب حذف الإشارة إلى الأفعال المشينة أو التي تخدش الحياء من مقرر الطلاق، لما فيها من أضرار مستقبلية على الطرفين أو على الأطفال الموجودين أو الذين سيولدون. مثلا النزاعات ذات الطابع الجنسي... (خاصة أمام الإمكانيات المتعدد للاطلاع على المقررات القضائية ونشرها وتدريسها والتعليق عليها...). وحتى يكون للأحكام مصداقيتها، يُمكن كتابة هذا النوع من الأفعال التي كانت سببا في صدور الحكم في وثيقة مُنفصلة توضع لدى رئيس المحكمة أو محكمة النقض ويتم الرجوع لها فقط عند الحاجة لذلك.
 
خاتمة:
إن هذه المحاور الكبرى التي أوردتها قد تمت على سبيل المثال، علما بأنها تشمل مقتضيات عديدة متفرقة في مدونة الأسرة ولكن ما هو أساسي فيها، أنها تُراعي ما انطلقنا منه من المبادئ التوجيهية الواردة في الخطاب الملكي.
 

نزهة مزيان/ دكتوراه في الحقوق "وزارة العدل"