الخميس 28 مارس 2024
سياسة

السويح: المغرب ودبلوماسية الجوار المعقدة

السويح: المغرب ودبلوماسية الجوار المعقدة إبراهيم بلالي اسويح
في مقاله الأول أكد إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن تجليات التواصل والدعوة للحوار التي دعا لها الملك محمد السادس في خطاب العرش 2022، بأن تكون بين المغرب والجزائر رسمتها إنجازات الدبلوماسية الناعمة المنفتحة خلال السنين الأخيرة، فلا هي هجومية بدون بصيرة أو دفاعية أقرب للعدمية.
في مقاله الثاني، يعتبر السويح أن الديبلوماسية المغربية تتوفر أكثر من غيرها على الآليات الديبلوماسية للانخراط الكامل في تعزيز السلم والاستقرار الضامن لازدهار الشعبين المغربي والجزائري على حد سواء، فيما يلي مقال إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية:
 
من المعلوم أن حسن الجوار هو مبدأ قانوني وارد ضمن ميثاق هيئة الأمم المتحدة سيظل من أهم مبادئ القانون الدولي لتحقيق السلم والأمن العالميين في ظل تحولات متسارعة تشهدها خريطة الصراعات السياسية. 
هذا الجوار لم يعد محكوما فقط بأواصر الأخوة بل بتضارب المصالح والشراكات المربحة وحسابات أمنية وسياسة تبقى شأنا للأجهزة المختصة. 
فالدعوة الأخيرة للحوار وفتح قنوات التواصل، التي جاءت في مضامين الخطاب الملكي الأخير الموجه للأمة بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش للجارة الجزائر، تؤشر على الأهمية القصوى لهذا الجوار في توجيه بوصلة الدبلوماسية المغربية. 
الإشارات المباشرة  في اتجاه الرئاسة والشعب الجزائريين، أو حتى التي يمكن أن تقرأ بين السطور تفيد بالقناعة بل والثقة بالأدوار التي يمكن أن يلعبها البلدان الجاران سواء إقليميا أو قاريا في مواجهة براثن اللااستقرار لدواعي متعددة على مشارف حدودهما. 
ومما يثير الغرابة هو القراءة الأحادية للبعض لهذا التوجه الرسمي المغربي المعبر عنه، وذلك من خلال اختزاله في كون المغرب ينتابه القلق من تنامي القوة العسكرية للجزائر وأن التقارب قد يؤدي إلى تفادي المواجهة العسكرية التي يرغب وقوعها جنرالات وبعض الساسة بالجزائر. 
إن عديد القراءات لسيناريوهات محتملة لما قد تؤول إليه القطيعة بين المغرب والجزائر مع عودة الحديث عن سباق التسلح منذ عقود للبلدين قد بلغ ذروته في السنوات الخمس الماضية (كانت حيازتهما للاسلحة تمثل 70 في المائة من جميع صفقات افريقيا) واحتمال أن يتطور الوضع إلى مناوشات عسكرية بين الرباط والجزائر نتفهم بأنه قد ساهم في تغذية هذا المنحى.
المفارقة  الكبيرة  هنا اذن، ان الجيش المغربي والذي  يحتل المرتبة الخامسة بين أقوى الجيوش في القارة الأفريقية حسب أحدث تصنيف لقوة الجيوش لمؤسسة "غلوبال فايرباور" الخاص بسنة 2021 من المرجح أنه استفاد وبشكل شامل من شراكاته الاستراتيجية الوازنة عسكريا في السنة الأخيرة مع حلفائه الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ما زاد من مقدراته البشرية وترسانته الحربية ضمن منظومة دفاعية عالمية بتبني المقاربة الأمريكية بإنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في افريقيا (افريكوم) جعل منه قوة إقليمية، من البديهي أن لديها ما يكفي من القدرة لحماية حدود المملكة والدفاع عن سيادتها.
قد يكون ممكنا في مراحل سابقة كان فيها للمغرب توجس من سباق الجزائر وحجم إنفاقها العسكري، لكن ذلك الهاجس تحول جزائريا في الآونة الأخيرة، عكسته التصريحات المتوالية سواء للقادة العسكريين أو الساسة، كما أن هذا الانفتاح الاستراتيجي العسكري يوازيه شبه عزلة للنظام الجزائري. 
فالعلاقات بين الجارين لم تكن منذ الستينيات ودية، وتفصلهما أقدم حدود برية مغلقة في العالم ناهزت الثلاثين سنة، وحتى المناوشات العسكرية ليست بالراهنة رغم حدودها الزمكانية (حرب الرمال 1963، معارك امكالة 1976) لكن الجديد هذه المرة هو تلك التداعيات الواسعة لأي مواجهة عسكرية مباشرة بين الجارين على المنطقة بأكملها، وقد تصل نيرانها إلى أوربا مما يهدد مصالحها بشكل مباشر.
هذه الحدود التي تفصل الجوار المغربي الجزائري هي ليست فقط جغرافية بل تجاوزت ذلك نحو حمولة جيو سياسية ارتهن بها بناء الوحدة المغاربية والمتوسطية والأفريقية إلى درجة أن دبلوماسية الجوار حجر الزواية في انفتاح المغرب على محيطه الخارجي، تحركها الرياح الشرقية أكثر من غيرها. 
من المؤكد أن هناك ترسيما موروثا عن حقبة الاستعمار لم يكتمل وأن هناك تباينا في العقائد الايديولوجية وتحديات أمنية مرتبطة بالهجرة غير الشرعية والتهريب والإرهاب.. لكن عصب الرحى هو ملف الصحراء المغربية والذي بلغ درجة كبيرة من التعقيد جعل الكثيرين ينظرون إليه في غاية من القتامة والتشاؤم ويصفونه بالمعضلة السياسية العويصة التي لم تكن مجرد تهديد أمني مغاربي بل أصبحت آثاره الممتدة وغير المباشرة مصدر تهديد لأمن دول الجوار جنوبا وشمالا. 
الدعوات المتكررة للحوار للمملكة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون منبعها عاطفي فقط ولايعقل أن لا تراعي المصالح العليا للمغرب المعلن منها وغير ذلك، مهما كانت طبيعة التجاوب الجزائري آنيا أو مستقبلا.  
قد يضمن السباق نحو حيازة الاعداد الكبيرة من الدبابات والعربات المدرعة وقاذفات الصواريخ والطائرات المسيرة، توازنا للرعب يبقى هشا، ولن يرقى كما هو في السابق إلى حلحلة المياه الراكدة لهذه القضية الخلافية المحورية.
ظاهريا و علنا  يتحجج الجزائريون بأن هذا الملف أممي، وقد يكون كذلك في إطار تسوية فرضها مساره والتي لا يتعارض معها التوجه الرسمي المغربي الذي مافتئ يعبر عنها في كل مناسبة، لكن الحلول الواقعية لن تكون سوى محلية، صحيح تتطلب  مباركة دولية، هندس القرار الاخير لمجلس الأمن رقم 2602 الصادر سنة 2021  معالمها عبر حثه جميع الأطراف على بذل مزيد من التعاون. 
كما أن أي نزاع مهما طال أمده لابد وأن ينتهي إلى مفاوضات يتحكم في تقدمها ونجاحها المكاسب الموجودة على الأرض ثم القوة الاقتراحية التي تجعل الأطراف شركاء استراتيجيين. 
ولعمري هي آليات بحوزة  الدبلوماسية المغربية أكثر من غيرها وأي خطوة في اتجاه حسن الجوار ماهي إلا انسجام مع الانخراط الكامل في تعزيز السلم والاستقرار الضامن لازدهار الشعبين المغربي والجزائري على حد سواء.