الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

عابدين رشيد: هناك من يخطط لإقامة صلاة الجنازة ودفن الموروث الثقافي والتراثي

عابدين رشيد: هناك من يخطط لإقامة صلاة الجنازة ودفن الموروث الثقافي والتراثي الشيخ الفارس مول العود يتوسط رشيد عابدين وأمين الورديني

في سياق فتحنا لملف طمس وإقبار ألوان وأنماط الموروث الثقافي المغربي، استضافت جريدة "أنفاس بريس" الفنان الشيخ رشيد لميح الملقب بعابدين (كروان أسفي)، من أجل الحديث عن مستقبل الموسيقى والغناء التقليدي نيابة عن فرقة شباب العيطة الحصباوية، والخوض معه في معيقات وإكراهات حمل مشعل فن العيطة ومسؤولية الإعلام الرسمي في المحافظة على التراث المادي واللامادي، حيث كان لنا معه الحوار التالي:

 

ما هي الأسباب التي أدت إلى طمس وإقبار العديد من الأنماط الموسيقية والغنائية التي تعتبر إرثا تراثيا و موروثا ثقافيا لكل المغاربة؟

في نظري الشخصي أن السبب في طمس وإقبار مجموعة من الأنماط والألوان الموسيقية راجع بالأساس إلى تغيير عقلية المتلقي/المستمع بشكل ممنهج. واعتبر ذلك بمثابة تحول ساهمت فيه التكنولوجيا الحديثة، ومنصات التواصل الاجتماعي التي طوّعت البشر وحولته لسلعة بدون قيم إنسانية، وبالتالي التخطيط لهدم أسس الألوان والأنماط التي كانت تتخذ الموسيقى والغناء صلة وصل داخل المجتمع المغربي لتبليغ رسالة ما، أو توثيق حدث تاريخي، أو تناول مواضيع ذات قيمة وطنية واجتماعية وثقافية.

 

 ألم تلعب وسائل الإعلام الرسمية من راديو وتلفزيون دورا في طمس وإقبار الموروث التراثي المغربي المتعدد الخصوصيات والروافد؟

عندما أدرجت التكنولوجيا الحديثة في جوابي، فإنني لا أستثني وسائل الإعلام الرسمية والخاصة (التلفزة والراديو)، التي أيضا ساهمت بشكل كبير في إقامة صلاة الجنازة ودفن هويتنا التراثية بكل تلاوينها وتعبيراتها، على اعتبار أن جهاز الراديو أو التلفزيون قلما ما يذيع أغنية تراثية من ريبيرتوار أغاني فن العيطة وفن الملحون وأغاني المجموعات الغيوانية، والأغاني العصرية التي أبدعها الرّواد، في حين أنه يتم الترويج للأغاني التي يمتزج فيها الصخب والضجيج مع تمرير مرادفات وكلمات لم نعتد سماعها، وقد تصل في بعض الأحيان إلى تشجيع المتلقي على التمرد والعنف وحقن الشعور السلبي في النفس.

 

أنتم كشباب حامل لواء فن العيطة الحصباوية كيف تقاومون هذا الإقبار والطمس؟

في وسط هذا الصخب والضجيج الذي أصفه بالتسيب الفني، وبحكم أننا من شباب مدينة أسفي خاصة ومنطقة عبدة الغنية بموروثها التراثي على العموم، وعلى اعتبار أننا من حفظة قصائد العيطة الحصباوية، بعد أن تتلمذنا على يد الرواد من أيقونات فن العيطة الحصباوية، وأصبحنا نجيد العزف على مختلف الآلات الوترية والإيقاعية، وهنا أتحدث عن زملائي (في الْحَرْفَةْ والصَّنْعَةْ) وأخص بالذكر الشيخ الواعد الفنان الْكَمَنْجِي أمين الورديني، والشيخ الطموح الفارس حسن السرغيني الملقب بـ "مُولْ اَلْعَوْدْ"،  وعبد ربه رشيد لميح الملقب بـ "عَابِديِنْ"، قررنا تسجيل قطعتين غنائيتين من أروع وأجمل العيوط الحصباوية، وهما عيطة "الرَّاضُونِي" وعيطة "بِينْ الجَّمْعَةْ وُالثْلَاثْ"، حيث اعتمدنا على تقنية الفيديو كليب، ولقي هذا العمل  استحسانا كبيرا من الجمهور على المستوى الوطني وخارج المغرب.

ولا أخفيك سرا إن قلت لك أن هذا العمل اشتغلنا عليه بحب وعشق كبيرين، وأخضعناه لقياس الإستشارة الفنية وتبادل الأفكار، ولم نبتغي من وراءه إلا إيصال فن العيطة للمتلقي و المستمع الناشئ بطريقة تمتزج فيها الكلمة الهادفة مع الصورة الجميلة ورسم لوحة من لوحات التراث المغربي الأصيل التي ستبقى شاهدة على مرور جيل من أجيال العيطة الحصباوية.

 

هل هناك عوائق تعترض عملكم التراثي والفني على مستوى العلاقة القائمة بين جيل الشيوخ الرّواد وجيل الشباب؟

لابد من توجيه التحية للقائمين على الشأن الثقافي والفني بمدينة أسفي، لكن قبل أن أتطرق لهذا الموضوع استغل الفرصة لأوجه ندائنا الى الجهات المعنية ذات الصلة بالثقافة والفن على المستوى الوطني، من أجل فسح المجال للشباب وإعطائهم الأولوية في المهرجانات الوطنية ذات البعد التراثي والموروث المغربي وخصوصا على مستوى فن العيطة.

في هذا السياق أذكر أننا واجهتنا مشاكل مقلقة خلال مشاركتنا في الدورة السابقة لمهرجان فن العيطة بأسفي، علما أن شعار الدورة وسم بعنوان واضح وحامل للمعنى وهو: "اَلْعَيْطَةْ بَيْنَ جِيلَيْنِ". لقد كانت الدورة السابقة لمهرجان العيطة (2021) مسرحا للمؤامرة واستعمال كل أساليب المكر والخداع والحيل من طرف بعض الشيوخ سامحهم الله، من أجل إزاحتنا كشباب (فرقة شباب العيطة الحصباوية)، من فقرة الإفتتاح الحضوري داخل القاعة بمدينة الفنون، واعتقد أن نفس السيناريو يحاك ضدنا هذا العام بطريقة "حَسِّي مَسِّي".

 

هل من توضيح لهذا الاتهام؟

في الدورة السابقة التي اختير لها شعار: (العيطة بين جيلين)، أقرت إدارة المهرجان الوطني لفن العيطة برنامجا راقيا وهادفا، ووضعت سيناريو للفنانات والفنانين (شيخات وشيوخ العيطة الحصباوية)، يتعلق بكيفية تأثيث حفل الإفتتاح، حيث تم الإنتقاء على أساس معايير تتيح تكافؤ الفرص الفنية (المهنية والكفاءة)، فضلا عن اختيار شخصان أو ثلاثة عن كل مجموعة ليبدعوا في رسم لوحة فنية تترجم مفهوم "السّلف والخلف" حيث يكون العزف والأداء مشتركا بين جيل الرّواد وجيل الشباب لتقديم عيطة "اَلْعَمَّالَةْ". لكن للأسف فوجئنا نحن الشيوخ الشباب حاملي مشعل فن العيطة الحصباوية بإقصائنا وتغيير أدوارنا من العزف على الآلات الوترية إلى ضبط الإيقاع. الأغرب من ذلك وصل الأمر إلى التهديد بالإنسحاب من طرف أحد الشيوخ سامحه الله، (الذي قارب الخمسة عقود في الميدان الفني) إن نحن لم نمتثل لرغباته الذاتية وكان له ما أراد.

 

كيف كان ردّ مجموعتكم الغنائية على هذا السلوك الذي لم يحترم مضمون ومعنى شعار "العيطة بين جيلين"؟

في الحقيقة، وبعد تفكير عميق قررنا الإنسحاب وعدم المشاركة في اللوحة التراثية من خلال الغناء الجماعي لعيطة "اَلْعَمَّالَةْ"، والإكتفاء بتقديم وصلتنا الغنائية المتفردة التي أدينا فيها عيطة "الرَّاضُونِي"، وبعض الْبَرَاوِيلْ التراثية والتي أشاد بها الجمهور. باختصار شديد هذه هي الحقيقة المرّة، وهي جزء من إكراهات العمل الفني وصورة سوداء من الواقع المر الذي عشناه ولازلنا نعيشه مع من قال فيهم الزجال عبد الرحمان المجدوب: "السَّنْ يَضْحَكْ لِلسَّنْ وُالْقَلْبْ فِيهْ خْدِيعَةْ"، حيث ينتصب سؤال: هل نستحق أن نكون في مهرجاننا كشباب أم لا؟

 

كيف فتح لكم التلفزيون أبوابه وما هي انتقاداتكم بخصوص تقديم أغاني فن العيطة للجمهور عبر الشاشة والراديو؟

مثل زملائي الشباب، رافقت عدة فنانين من كبار شيوخ فن العيطة الحصباوية في برامج تلفزيونية وساهمت إلى جانبهم في تقديم أغاني فن العيطة سواء كعازف على آلة لوتار، أو ضابط إيقاع، وأخص بالذكر هنا شيخي المقتدر جمال الزرهوني والشيخ الأنيق عابدين الزرهوني، وكانت فرصة للتمرس على مواجهة الكاميرا ومعانقة الجمهور والدخول لبيوت الناس التي تستقبل حصصنا الغنائية بفرح وإقبال منقطع النظير.

لكن دعني أقول كلمة في هذا السياق، إن غناء فن العيطة وأداء قصائدها المطولة والجميلة يحتاج إلى حصص زمنية تتعدى ما يسمح به في برامج التلفزيون، على اعتبار أن عشرة دقائق لا تسمح لشيخات وشيوخ العيطة بأن يؤدون أغاني العيطة وفق ضوابطها الفنية، بحكم أن هناك عيوط تحتاج لساعات زمنية من أجل الغناء المحكم واحترام متونها وأجزاء قصائدها، مثل عيطة "بِينْ الجَّمْعَةْ والثّْلَاثْ"، أو عيطة "الرَّاضُونِي" أو "رْجَانَا فِي اَلْعَالِي". لذلك لابد من التفكير في برامج تلفزيونية موسيقية وغنائية لها صلة بفن العيطة، يقوم بإعدادها وتقديمها نساء ورجال من أهل الاختصاص، حيث يسمح للشيخات والشيوخ بتقديم عروضهم الفنية باحترام متون العيطة وقصائدها المطولة، وفسح المجال للباحثين والمهتمين بالتراث من أجل تقديم أوراق ثقافية ذات الصلة بموروث غنائنا الشعبي وموسيقانا التقليدية بالموازاة مع هذه البرامج لتعم الفائدة والانتصار لتراثنا اللامادي.