الخميس 28 مارس 2024
خارج الحدود

الدبيش: العسكر لا يؤسس دولة في الجزائر!!

الدبيش: العسكر لا يؤسس دولة في الجزائر!! الجنرال شنقريحة
في كل دول المعمور الدول حضارات ومجال ومؤسسات ومجتمع، الا في الدولة التي خلقتها فرنسا، فإن الجيش هو الدولة.
الجيش في الدول العادية التي بنت مجالها التاريخي عبر أحقاب زمنية فيها الجميل والقبيح، لا يعدو أن يكون مؤسسة بجانب مؤسسات الدولة يحكمها القانون الدستوري المعتمد والمهيأ بشكل تشاركي لجميع القوى السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلد.

 
هذه الدول لها جيوش وطنية مهمتها منحصرة  في الدفاع عن حوزة ألدولة والمجال والمجتمع الذي تنتمي اليه.
في دولة الكابرانات، الجيش هو الدولة: هو من يعين الرئيس ومن يستقبل التهاني ومن يشكل  رموز السيادة والمتدخل حصريا في  كل شادة وفادة في البلد. 
هو من يعين الوزراء ويحدد استراتيجية ألدولة ومن يتحكم في الاقتصاد والتصدير والاستيراد ويعين الولاة على الأقاليم...
لذلك لا غرابة أن نسمع أن الجيش استبدل رئيسا بآخر، أو اغتاله، أو غير رئيس الحكومة، أو الوزراء بناء على ما يبدو له من رؤى يعتقد فيها بضرورة تغيير الحكومة أو السياسية القطاعية لوزير من الوزراء.
هذا النظام الفريد والمتفرد في العالم لا شك أنه  معزول عالميا ويجاور أنظمة لا تحس بالاستقرار  وتنتظر منه أن يعبر عن عدوانيته من حين لاخر.
 
لذلك لا نفاجئ إذا وجدنا أن مالي تحس باشمئزاز منه أو النيجر أو تونس أو ليبيا أو موريتانيا أو المغرب.
هذا الجوار الصعب الذي يحيط بهذا النظام، لابد له من انعكاسات على بنية الدولة وعلى المجتمع الذي يحكمه.
مثل هذه الأنظمة محكومة بالفناء من عدة أوجه: الوجه الأول هو المجال الذي ينتمي إليه هذا النظام، مجال غير منسجم لا تاريخيًا ولا ثقافيا بجنوب يتعايش فيه السنة والخوارج الأباضية، أي بين مجال مجتمعي كان جزءا من المغرب وآخر ينتمي ثقافيا إلى الطوارق الأباضية الموزعة بين مجالي دولة النيجر وليبيا.

 
في الشمال هنالك أمازيغ يشكلون امتدادا طبيعيا لمجتمع الريف بثقافة اجتماعية واقتصادية وسياسية يحكمها العرف اكثر من الشرع، هذا المجال كبير جدا على دولة فقيرة في رصيدها التاريخي المؤسساتي وفقيرة في بنيتها الاقتصادية وفقيرة في أفقها التنموي وفقيرة في مؤسساتها الاجتماعية. ومن يعرفون الجزائر لا يشككون قطعا في أن مرحلة حكم الفرنسيين لها كانت هي أزهى فتراتها، وأن ما يوجد من ملامح بالجزائر لم يتغير قطعا بعد مرور أكثر من ستين عاما من مغادرة الفرنسيين لها في بوليوز من عام 1962.
 
الوجه الثاني لانقراض نظام العسكر داخلي، وهو التباعد بين ما يفكر فيه العسكر وما ينشده المجتمع. وكلاهما: أي الجيش والمجتمع، بعيدان عن فهم بعضهما البعض. اذ أن انهيار الجيش في هذا البلد، وهي مسألة وقت، يعني انهيار المجال الذي تركته فرنسا للجزائر على حساب حدود الدول المجاورة لها الحقيقية. لذلك سمعنا العمامرة يذكرنا بمواد الدستور المغربي الحقة ويعتبرها هرطقات سياسية وهلوسة مغربية لا أثر لها. بل إنه يذكر فقط بما تركه المستعمر الفرنسي من مجال وكأنه قرآن منزل لا يمكن المس به.
 
يا سي رمطان الحدود الحقة هي الحدود التاريخية للدول وهذه لن نتراجع عنها حتى ولو بعد قرنين من الآن. إنها حدودنا ومجالنا ومجتمعاتنا وثقافاتنا التي لم يتناساها المجتمع حتى ولو أرادت الدولة تجاوز الحديث عنها حاليا أو مرحليا. توات التي يحذر على اهلها ان يذكروا بأصولها المغربية، هي مدينة مغربية بامتياز ولا يزال أهاليها يحتفظون بعقود منازلهم المملوكة لهم منذ أزيد من قرن ونصف.
 
الوجه الثالث لاندثار دولة العسكر دولي، لأن الدول الصغيرة  اقتصاديا والفقيرة مجتمعيًا مآلها الاندثار او التقسيم الى دويلات. والجزائر حفرت لنفسها قبرا لن يردمه جنرالاتها، فهي محط أطماع من صنعوها أولا، ولا غرابة اذا ما سمعنا بأصوات تنادي بعودة فرنسا إلى حكم الجزائر. لكن هذه الدعوة لن تجد لها آذانا صاغية، لأن فرنسا الخمسينات اضحت مثل الهند في الستينات، ولم تعد تلك الدولة التي تحتل مكانة متميزة في الاقتصاد العالمي. 
لذلك فإني أبشركم بقرب انتهاء كابوس أو حلم يقظة كان يروج لها كابرانات فرنسا المطبوخ ، غايتهم عند أسوأ رئيس عربي لم يحصد غير الهزائم. 
وهذا شيء طبيعي عادي ينهي دول لم يؤسسها المجتمع ولم يكن لها عمق تاريخي معروف.