الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

أبو نعمة نسيب: هل تشاركية الإعلام والمجتمع المدني ضرورة ملحة لتنميته حقيقية ومستدامة ؟

أبو نعمة نسيب: هل تشاركية الإعلام والمجتمع المدني ضرورة ملحة لتنميته حقيقية ومستدامة ؟ أبو نعمة نسيب

كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين المجتمع المدني والإعلام، وكيف تبدو هذه العلاقة واقعيا؟ وهل حققت شيئا إيجابيا لصالح المجتمع؟ وهل هناك ثمة عوائق تحول دون وصول تلك العلاقة إلى مرحلة متقدمة؟ وما الذي يحتاجه الطرفان للوصول إلى علاقة ايجابية وفاعلة بينهما؟.

في السطور التالية نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات للمساهمة في إيجاد رؤية لعلاقة تجمع بين المجتمع المدني والإعلام بما يعمل على تحقيق رسالة الطرفين المنطلقة من هدف مشترك يتمثل في تحقيق المشاركة الحقيقية للمجتمع في الشأن العام.

وإذا كان الفكر السياسي قد توصل منذ عدة قرون مضت أنه يجب لبناء الدولة الحديثة وجود ثلاث سلطات تتعاون معاً وتستقل كل واحدة منهما عن الأخرى، وهي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فإننا يجب أن نعلم أن تقدم ونمو ورقي المجتمعات الحديثة يقوم على ثلاث ركائز هي:

- قضاء مستقل ونزيه

- صحافة حرة مستقلة

- مجتمع مدني قوي وفعال

والمجتمع المدني لكي يكون قوياً وفعالاً يحتاج إلى صحافة حرة مستقلة تدعمه وتنشر أفكاره بين الجماهير، والصحفيون يحتاجون إلى منظمات المجتمع المدني التي تعمل بين الجماهير لتمدهم بالأخبار والأفكار والحلول لمشكلات هذا المجتمع، وأيضاً للدفاع عن الصحفيين أنفسهم في مواجهة تعسف السلطة أو جور مؤسساتهم، والاثنان (المجتمع المدني والإعلام) لا ينعمان بالعيش ولا يستطيعان أن يمارسا مهامهما إلا في ظل وجود قضاء مستقل ونزيه يحميهما من تغول السلطة أو تخلف المجتمع.

وبالتالي لا يمكن تصور وجود مجتمع صحيح وراقي ومتقدم يفتقر إلى علاقة صحيحة ومتوازنة بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام. وهو الأمر الذي سوف نتطرق إليه في المباحث التالية:

 

أولاً: المجتمع المدني ووسائل الاتصال الجماهيري.

انتشر في السنوات الأخيرة مصطلح المجتمع المدني في الأدبيات المغربية خاصة والعربية عامة للتعبير عن القوى الاجتماعية المختلفة والمتعددة التي تنشط في المجتمع في إطار منظم بهدف تحقيق مطالب واحتياجات الجماعات التي تمثلها.

ويعتمد المجتمع المدني في أنشطته وفي تحقيق أهدافه على وسائل الإعلام للوصول إلى السلطة والفعاليات السياسية في المجتمع.

والسؤال الذي يُطرح هنا هو إلى أي مدى تساهم وسائل الاتصال الجماهيري في نشر ثقافة المجتمع المدني؟ وإلى أي مدى تخدم وسائل الإعلام المجتمع المدني ؟ ومن جهة أخرى إلى أي مدى يؤثر المجتمع المدني في وسائل الإعلام ويجعلها أدوات في خدمة المجتمع ووسائل للمراقبة والنقد والاستقصاء، وقوى تضمن التوازن داخل الآلة السياسية في المجتمع.

ومن هنا نتساءل عن ماهي الأدوار التي تلعبها المؤسسات الإعلامية في المملكة المغربية والوطن العربي فيما يتعلق بالتنشئة الاجتماعية ونشر الوعي السياسي وثقافة الديمقراطية وثقافة الحوار والاختلاف والتعددية والتنوع.

 

و هنا تتبين الجدلية بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام حيث أن المجتمع المدني يتأثر بوسائل الإعلام ويؤثر فيها ، ومن جهتها تتأثر وسائل الإعلام بالمجتمع المدني وتؤثر فيه.

فكلما كان المجتمع المدني قوياً وفعالاً ومشاركاً في مجريات الأحداث في محيطه كلما فتح المجال واسعا أمام وسائل الإعلام لتغطية هذه الفعاليات والأحداث لتكون المؤسسات الإعلامية في المجتمع منبراً للحوار والنقاش من أجل القرار السليم والحكم الرشيد. ولقد ساهم انتشار العولمة وثورة المعلومات والاتصالات والمجتمع الرقمي وانتشار الانترنت وانتشار التعليم وتوفر المعلومة والوصول إليها بسهولة في بلورة ونضج فكرة المجتمع المدني في عموم الوطن العربي.

هذا الكيان المسمى بالمجتمع المدني الذي يتكون من مختلف التنظيمات والفعاليات داخل المجتمع يهدف إلى تقاسم السلطة مع الدولة انطلاقا من مبدأ أن عهد الدولة المتسلطة والدكتاتورية والطاغية قد ولى. ومن هنا يتمثل دور المجتمع المدني في خلق توازن بين القوى الاجتماعية، كما يعمل المجتمع المدني على إفراز فضاء مستقل منتج لقيم العدالة والمساواة والحرية. فالمجتمع المدني هو فضاء للحرية، يتكون من شبكة العلاقات التي تقوم على الاختيار والاقتناع والحرية، حيث أنه يمنح الأفراد قدرة على النشاط الطوعي الحر.

ويعمل المجتمع المدني على تنظيم العلاقات داخل تنظيمات مدنية تحقق استقلالا نسبيا عن الدولة من ناحية وعن قوى السوق من ناحية أخرى. فالحياة المدنية هي الفضاء الطبيعي للعمل الحر الذي تنمو فيه قدرات البشر وإمكانياتهم وقدراتهم على حب الاستقلال ونبذ التسلط والقمع.

ويستقي المجتمع المدني قوته من الثقافة المدنية التي تتمحور حول الحرية والمساواة والمواطنة وهي في أساسها قيم عامة تتفرع عنها قيم تؤمن بالتفكير الحر الخلاق والفعل الحر المسئول والحرية التي تستمد قيمتها من مبدأ الفرد الأخلاقي الذي يؤمن بأن حريته تعني حرية الآخرين.

كما أن أدوات الاتصال الجماهيري في المجتمع هي التي تنقل ثقافة المجتمع المدني من مستوى الوعي الفردي والجماعي إلى مستوى الوعي العام. وبهذا تصبح الثقافة المدنية جزءا لا يتجزأ من وعي الأمة. هنا يتوجب على وسائل الاتصال الجماهيري أن تقدم خطابا إعلاميا هادفا يحمل في طياته قيما اجتماعية راقية تنبع من المجتمع وقيمه ومبادئه.

وهذا يعني أن المؤسسات الإعلامية عبر البرامج الحوارية والدراما والأفلام والتحقيقات والأخبار يجب أن تعكس هموم وثقافة المجتمع المدني.

فنشر ثقافة المجتمع المدني بحاجة إلى مؤسسات إعلامية ووسائل اتصال تؤمن بالمجتمع المدني وتؤمن بالمثقف العضوي وبالقيم المجتمعية الأصيلة. فالمشرف على المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال يجب أن يؤمنا بالمجتمع المدني وبالثقافة المدنية وبرسالة يعملان من أجل تحقيقها لصالح المجتمع بأسره وليس الركض وراء الإعلانات والربح السريع أو العمل لمصلحة أصحاب النفوذ السياسي والمالي في المجتمع.

فوسائل الاتصال الجماهيري هي التي تنتج الوعي الاجتماعي وهي التي تكرس القيم والعادات والتقاليد والنسق القيمي والأخلاقي في المجتمع ومن ثم فهي مطالبة بنشر ثقافة المجتمع المدني.

والمؤسسات الإعلامية هي الأدوات التي تنمي الثقافة المدنية وتعمل على نشرها وتقويتها والتصدي لثقافة العنف والتطرف والإقصاء والفردية والمادية ورفض الآخر. فوسائل الاتصال الجماهيري هي الحليف الاستراتيجي للمجتمع المدني وهي الوسيلة الفعالة والأداة الضرورية لتحقيق مبادئه وقيمه في المجتمع.

فمضمون وسائل الاتصال الجماهيري هو الغذاء الروحي والفكري والعقلي للثقافة المدنية وأداء هذه المؤسسات في المجتمع يعتبر سلوكا مدنيا يدعم المجتمع المدني والثقافة المدنية. فالمجتمع المدني في نهاية المطاف هو وعي وثقافة وقيم ومبادئ تترجم إلى سلوك وعمل يومي يؤمن بروح الجماعة والمصلحة العامة.

ويرى عدد من النقاد والباحثين أن ضعف أداء وسائل الإعلام في المجتمع يعود بالدرجة الأولى إلى ضعف المجتمع المدني انطلاقا من مبدأ أن الإعلام هو مرآة عاكسة للوسط الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي الذي يوجد فيه ويتفاعل معه. فإذا كان المجتمع المدني ضعيفا فهذا ينعكس سلبا على أداء المؤسسات الإعلامية في المجتمع،

فالإعلام القوي والفعال لا ينمو ولا يتطور ويزدهر إلا في مناخ الديمقراطية والحرية والرأي والرأي الآخر، ووجود القوى المضادة والفاعلة في المجتمع التي تراقب وتنتقد وتعمل من أجل مشاركة الجميع في تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع وفي جعل كل فرد في المجتمع مسئولاً وواعياً وحراً.

ويمكن التفرقة بين الإعلام والمجتمع المدني تبعاً لوظيفة كل منهما كالتالي:

الإعلام

تكمن وظائف الإعلام بمختلف وسائله في تعريف المواطنين بالقضايا الأكثر أهمية بالنسبة للمجتمع, كما تعمل على عرض مختلف الأفكار والتحاور حولها، إضافة إلى أداء دور مهم في عمليتي الرقابة والمساءلة للحكومات،بما يساعد المواطن على أداء دوره في مشاركة السلطة في اتخاذ القرار.

أولاً المجتمع المدني

بعيدا عن التعدد في تعريف المجتمع المدني ومراحل نشأته يمكن القول "أن المجتمع المدني هو رابطة اجتماعية تقوم على الاختيار الفردي الطوعي حيث يدخل فيها الأفراد دون إجبار ويتقدمون إلى التنظيمات القائمة بطلب الانضمام إلى عضويتها بإرادتهم الحرة التي تجعلهم يلتزمون بمبادئها ويسهمون بجدية في أنشطتها، ووجود هذه الرابطة الاجتماعية يحقق للمجتمع ككل مزيداً من الاستقرار، كما يضمن تقييداً لسلطة الدولة ومنعها من الاستبداد".

وهذا الشكل من التنظيم الاجتماعي يتكون من مجموعة من المؤسسات المتنوعة تعليمية ومهنية وسياسية وثقافية وحقوقية كالنقابات والاتحادات العمالية والمهنية والجمعيات الأهلية، وكذلك الخيرية ……الخ والتي تسودها قيم ومبادئ التسامح والقبول بالآخر والحوار السلمي واحترام الحرية والخصوصية الفردية.

ولا يعني هذا القول إن المقصود بالمجتمع المدني أساساً إيجاد معارضة سياسية في مواجهة الدولة، إذ أن فاعلية المجتمع المدني- بكافة تكويناته- تنطوي على أهداف أوسع وأعمق من مجرد المعارضة، إنها المشاركة بمعناها الشامل في مختلف المجالات.

ثانياً: العلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني

ليس هناك مواصفات أو وصفات محددة للعلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني يمكن اعتبارها مقياسا أو مؤشرا لعلاقة جيدة أو غير فاعلة، لكن يمكن القول أن العلاقة بين الطرفين علاقة تكاملية، أو علاقة تأثير وتأثر.

الفعال الذي يعزز الديمقراطية ويؤثر فيها ويتأثر بها هو ذلك الإعلام الذي يستند إلى مجتمع مدني فعال وإلى قوى مضادة داخل المجتمع تعمل على إفراز ثقافة ديمقراطية وحراك سياسي يقومان على المراقبة وكشف الحقائق والوقوف أمام الفساد والتجاوزات واستغلال النفوذ والسلطة.

                                                              أبو نعمة نسيب- كريتيبا- البرازيل