الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد بخري: مثلث المتقاعد أو مثلث برمودا والجحود والنكران!!

أحمد بخري: مثلث المتقاعد أو مثلث برمودا والجحود والنكران!! أحمد بخري
لم يعد هاتفي يرن كما كان من قبل أن أحال على المعاش، وذلك بعدما بلغت السن الكامل للتقاعد. فمنذ سنة مضت كنت لا أهدأ من حمل الهاتف إلى أذني وأكلم هذا وذاك وأستمع الى طلباتهم ورغباتهم المتشعبة والمختلفة وهم يطلبون إما أن أحل مشاكلهم أو مساعدتهم أو تزويدهم بمعلومات أو التوسط لهم عند فلان أو فلان لحل أمورهم.
 
وكنت فعلا، أتسلح بالحديث النبوي الشريف "رأيت قوما من أمتي على منابر من نور، يمرون على الصراط كالبرق الخاطف نورهم تشخص منه الابصار لا هم بالأنبياء ولا هم بصديقين ولا شهداء، انهم قوم تقضى على ايديهم حوائج الناس". وكان هذا الحديث هو الذي يحفزني ويغديني ويدفعني إلى بذل الكثير من الجهد لإرضائهم وحتى مساعدتهم ماديا ومعنويا بغية الحصول على أجر أخري لا دنيوي يكون لي زادا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. كما أنني كنت أجد متعة وسعادة، لا توصفان، في فعل هذا الأمر.
أما اليوم فأنا قابع في دائرتي المغلقة أو "مثلث برمودا"، كما يقال: المنزل -جولة على الأقدام- ارتشاف كأس شاي أو كوب من البن بركن في المقهى، وأترقب رنة من هاتفي لعلي أفتح نافذة مع العالم الاخر ولكنه يظل صامتا طوال الوقت دون رنين أو حركة، ثم أركن الى تصفح مواقع التواصل الاجتماعي قتلا للوقت وتخفيفا للملل والضجر اليومي.
 
وتمر الأيام والسنين، ويوما بعد يوم تتضح لك الصورة وتتجلى، وتتيقن أن الناس تنشغل بهمومها ولا تهتم بمحيطها ولا بشأنك فأنت لم تعد واحدا من عوالمهم ولا آلة من أليتهم ولا عكازا لهم، بل أنت لا شيء يذكر لديهم – أنت مجرد بقايا تصلح فقط للقمامة.
 
 إن الشجرة التي لا تعطي الثمار لا يهتم بها أحد حتى الشخص الذي قام بغرسها ولكنه لم يعد يرعاها لأنها أصبحت عقيمة لا تلد، وأصبح شغله الشاغل فقط التفكير في اقتلاعها والاستفادة من حطبها وكذلك مكانها، وهو مستعد تماما لاستبدالها بشجرة أخرى قادرة على العطاء والتوالد وتزيين المكان.
 
انها الأيام التي لا ترحم ولا تقبل ان يتواجد فيها من لا يستطع أن يعمل أو يتفاعل بإيجابية أو يكن له مردود. وتلك الأيام نداولها بين الناس والعاقبة للمتقين.
فأنصحك ألا تتقاعد أبدا، وألا تشخ قط، وأن تستمر في الإنتاج والعطاء لنفسك أولا، ثم لمحيطك الذي يجب أن يستمر في الحياة وأن يسعد جوانبه وينعش أشجاره ويسقي عروقه ويغني تربته المعطاء.