الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

مذكرات امحمد التوزاني: تفاصيل إفلات أومدة من ملاحقة العسكر المغربي ودخوله الجزائر (الحلقة 32)

مذكرات امحمد التوزاني: تفاصيل إفلات أومدة من ملاحقة العسكر المغربي ودخوله الجزائر (الحلقة 32) امحمد التوزاني يتوسط زين الدين الخيراني والمالكي (على يساره )

المناضل امحمد التوزاني، سليل حركة التحرر المغاربية والعربية من مواليد سنة 1938 بتازة، حمل في المنفى 13 اسما حركيا، من بينه خالد (بتسكين اللام) وحسن صديق الروائي والقاص والصحافي الفلسطيني غسان كنفاني ورفيق درب المناضل الاتحادي المرحوم الفقيه البصري. ناضل بمعية وتحت قيادة الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد باهي، وغيرهم.

التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة التأسيس وتكلف ضمن اللجنة التنظيمية للمؤتمر بالجانب التنظيمي واللوجستيكي إلى جانب المرحوم مصطفى القرشاوي وفاضل الناصري وأحمد الخراص.

التقى أول مرة بالشهيد المهدي بنبركة عام 1962 حين كلف بمهمة استقباله بفاس والذهاب به إلى تأهله ليؤطر تجمعا جماهيريا كان قد هيأ له الفرع الحزبي هناك.

ساهم في تأسيس حركة الاختيار الثوري بعد انتقاله إلى باريس إلى جانب عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي رغم كفره بمغامرات قائده ومثله الأعلى محمد الفقيه البصري..

" أنفاس بريس" تنشر مذكرات المناضل امحمد التوزاني، والتي تسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب السياسي.

 

الأستاذ امحمد التوزاني، غريبة هذه الصدفة التي جعلتك في طريق أومدة، ألم يكن يعلم بمكانك بحمام بوحجر؟

مكان تداربنا وصناعاتنا لم يكن يعلم به حتى من يأتي ليتدرب عندنا، وأومدة فقط ظل طريقه الى وهران وأنا لم أخرج من المنزل قبل ذلك اليوم منذ شهر ونصف فنحن كما قلت لك نقلل من تحركاتنا ما أمكن لأسباب أمنية، وفي ذلك الصباح بمجرد أن فتحت باب المنزل وخرجت وجدته قبالتي، تعرفت عليه وتعرف علي. قال لي هذا حسن؟ قلت له هذا أنت؟ تعانقنا وأدخلته هو ورفيقه الى البيت وشكا لي جوعهما فأعطيتهما الأكل وبقيت أضيف لهما وهما يأكلان الى أن أتيا على ما يعادل طعام عشرة أشخاص وكانت تلك أول مرة أقف فيها على درجة الجوع الذي يسميه المغاربة (بوهيوف) وفي الحال اتصلت بالمرحوم الحسين الخضار الذي كان بوهران فطلبت إليه إمدادنا بمؤونة إضافية لأن أومدة ورفيقه بالبيت وقد أتوا على كل غذاء الجماعة.

 

السي امحمد أومدة وصديقه انطلقا من عمق الأطلس المتوسط بالمغرب في اتجاه الجزائر، ألم يشكل ذلك خطرا أمنيا على حياتهما ؟

هذا هو السؤال بالضبط الذي طرحته على أومدة، وقال لي أنه بينما أصبعه على الزناد وإذا بالعقيد الذي يتزعم الحملة ضده هو ورفاقه يقول لعسكري مرافق له باللغة الأمازيغية إن هؤلاء تعبوا ولهم أهل وأسر تبكيهم. هيا لنغادر ونتركهم يذهبوا الى الجزائر. أومدة ذكر لي بالضبط اسم الضابط وشك في أنه رٱه ولذلك قال لصاحبه ما قال وكأنه يقترح علينا الوجهة. وبعد زمن قصير وقد حل الظلام - يقول أومدة - غادرت والوجهة هي الحدود الشرقية للمغرب.

 

قلت إن أومدة ورفيقه دفنا سلاحهما بمغنية، فهل أيدت فعلهما ؟

خيرا فعلا، فقد احتفظا بسلاحهما في أرض اعتبراها ساحة لمطاردتهما، لكن بمجرد ما دخلا أرض اعتبراها أرض نجاة كان عليهما التخلص من السلاح حتى لا يعتبرا خصما لحاملي السلاح من الجزائر.

سألتهما هل دفنا السلاح بالعمق الكافي الذي هو نصف متر فما فوق فقالا أنهما لم يجدا أداة تمكنهما من ذلك ولم يسعفهما الوقت. ولذلك وحتى لا نقع في مشكلة مع السلطات الجزائرية إن تعرض السلاح للتعرية وهو بالوادي فذهبت بالسيارة وتركتها بعيدا وقصدت المكان حسب القياسات التي أعطياني وأخذت السلاح وعدت به وقد بقي من ذخيرتهما خمس طلقات من أصل تسعين وفي طريق عودتي وقفت عند سد أمني للشرطة وأطل الشرطي على صندوق سيارتي وأمرني بمتابعة سيري دون أن أعلم هل عرف بحملي للسلاح وتغاضى لسبب ما أم لم يميز شيئا.

 

هلا قربتنا أيضا من المجموعة الثانية التي تمكنت من الالتحاق بالجزائر؟

كما قلت لك فالمجموعة الثانية تتكون من الأربعة الذين ذكرت لك أسماءهم. وما أعرف عنهم أنه سبق لهم أن تدربوا على حرب الضفاضع البشرية لمدة ثلاثة أشهر بالعراق لأنهم كانوا سيكلفون بمهمة ما وكانوا في المقاومة الفلسطينية ضمن منظمة الصاعقة السورية.

 

وكيف دبرت المجموعة الرباعية عملية انسحابها تحت نيران العسكر المغربي؟

المجموعة كانت برئاسة زين الدين الخيراني العضو السابق بجيش التحرير المغربي الذي قاوم الاستعمار الفرنسي، وكان قائدا في المستوى وكانت المجموعة على مستوى من الاحتراف والشجاعة بحيث قضوا اليوم كله في انسحاب عسكري ناجح طبقوا فيه كل ما تعلموه من فنون الحرب. فمنذ التاسعة صباحا والى حلول الظلام وهم يقاتلون العساكر وطائرات الهليكوبتر فوق رأسيهما و(الحياحة) يتعقبونهما وذخيرتهم محدود، .لم يأكلوا ولم يشربوا طيلة اليوم واشتغلوا بخطة اثنين في وضعية الحماية واثنين في وضعية التسلل بالتناوب كل مئة وخمسين متر متتالية. وطلقاتهم النارية لحماية بعضهم البعض ولتخويف الخصم كانت في منتهى الاقتصاد والعقلانية الى أن حل الظلام وانفلتوا من خصمهم فاتفقوا على دفن سلاحهم وتفرقوا في اتجاهات مختلفة حتى لا يقبض عليهم جماعة.

 

وكيف مرت رحلتهم منذ أن تفرقوا إلى غاية دخول الجزائر؟

لقد قطعوا الطريق من قرية الى أخرى كل حسب الاتجاه الذي سلكه وقد اشتغلوا في الحصاد والفلاحة والحمام التركي وغير ذلك من المهن التي مارسها كل منهم. لقد كانوا يندمجون في المجتمعات القروية وكل مرة يمتهنون مهنة ويعرضوا خدماتهم المتنوعة وينتقلون من مكان الى آخر في اتجاه الشرق، لكن ليس بخط طريق مستقيم. وتصرفاتهم تلك استمدوها من الدروس النظرية التي كنا نتلقاها عن كيفية إنجاح حروب التحرير الشعبية، غير أن المالكي اعتقل وحكم عليه بالسجن وقضى به سبعة عشر سنة ولما أفرج عنه اشتغل عاملا بجريدة الاتحاد الاشتراكي.