Sunday 18 May 2025
سياسة

هل «شارلي إيبدو» أقدس من الرسول الكريم؟

هل «شارلي إيبدو» أقدس من الرسول الكريم؟

تحولت باريس، يوم الأحد 11 يناير 2015، إلى قبلة للعالم في أعقاب الهجوم الإرهابي على الصحيفة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو»، وكانت المسيرة التضامنية مع الضحايا فعلا مؤثرة بالمعنى الإنساني، لو اقتصر الأمر على إدانة الجريمة الإرهابية، من دون إخضاعها للحسابات «السياسوية» أو العنصرية، سواء للحكومات أو التيارات اليمينية أو المصابين بداء الإسلاموفوبيا، حيث كان هناك إصرار كبير على إعلان العداء للإسلام، وحرص منقطع النظير على الإساءة للرسول الكريم، ولكل جسم تجري فيه دماء إسلامية. وقد تجلى ذلك في إقدام الصحف والمجلات الأوروبية على إعادة نشرالرسوم المسيئة للنبي. كما تجلى ذلك في التصريحات التي أدلى بها سياسيون معروفون، وعلى رأسهم زعماء اليمين المتطرف الفرنسي؛ وتتجلى في لزوم العمل على استبعاد العرب والمسلمين خارج أوربا.

فإذا كان لا أحد ينكر أن الجريمة الإرهابية التي تتم باسم الدين الإسلامي وتحت يافطة الدفاع عن رموزه، تغذي العنصرية والخوف من العرب والمسلمين والعداء لهم، فإن ما رأيناه نراه في العواصم الكبرى وفي أغلب وسائل الإعلام، يقدم لنا الدليل على أن هناك إجراما من نوع آخر؛ وهو إجرام تسمين الحقد وتنميته وتعميمه وترسيخه وجعله ينطلي على الجميع. ذلك أن السؤال المطروح هنا هو: لماذا تصر وسائل الإعلام الأوروبية على استنساخ الإساءة للإسلام وتحويل الانتماء له إلى منجل لقطع رأس كل من يجرؤ على قول: «أنا عربي.. أنا مسلم»؟ لماذا ترتبط حرية التعبير دائما بإرادة مواجهة الإسلام وتحويله إلى مجال للرماية العشوائية وإهانة رمز يؤمن به مليار و300 مليون نسمة، في حين أن المس بـ «اليهودية» يندرج في إطار جريمة معاداة السامية، على سبيل المثال. لماذا هذا التقديس الناقص للديانات؟ لماذا يدعي الغرب أنه يمنع الاستهزاء بالأديان، لكن كلما تعلق الأمر بالإسلام يتحول الأمر إلى حرية تعبير وصراع حضارات ومقاومة الهمجية الثقافية؟ هل نسيت أوروبا أن هناك مليارا و300 مليون نسمة (فيهم المثقف والفقيه واليساري والليبرالي والفنان والعالم والموسيقي والرياضي والمقاول والفيزيائي... إلخ) يعتنقون الإسلام، وأنها بالإساءة إلى نبي الإسلام إنما تسيء إلى ربع البشرية، وتعمد إلى استفزاز مشاعرهم الدينية؟

لقد رأينا في مسيرة باريس كيف تحول زعماء دول وسياسيون من مختلف بقاع العالم إلى أوصياء على حقوق الإنسان وإلى مناصرين لها، مما جعل المشهد أشبه ما يكون بطقس من طقوس غسيل الدم وتبرئة النفس والذمة. غير أن السؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو: لماذا حج رؤساء العالم إلى باريس للتعبير عن تضامنهم مع ضحايا الهجوم الإرهابي، في الوقت الذي يسقط فيه المئات والآلاف في بقاع أخرى بسلاح الإرهاب الغادر دون أن يحركوا ساكنا، ودون أن يحتشدوا أمام الكاميرات للتعبير عن استنكارهم وشجبهم للأعمال الإرهابية؟ هل الدم الفرنسي أغلى من الدم الفلسطيني أو اللبناني أو النيجيري أو السوري أو العراقي أو الكيني أو النيجيري أو الباكستاني أو الصيني...إلخ؟ وهل "شارلي إيبدو" أقدس من الرسول الكريم؟ لاسيما وأن المجلة الفرنسية التي كانت على حافة الإفلاس ما زالت تواصل تحديها وإساءتها للرسول بعد أن سربت غلاف عددها الجديد الذي ستصدره اليوم الأربعاء في 3 ملايين نسخة وبـ 16 لغة ويضم صورة مسيئة للرسول الكريم بعين دامعة وهو يحمل لافتة "أنا شارلي".

إن فرنسا مدعوة، ليس إلى تغذية الأحقاد والضغائن، ولا إلى تكرار الإساءة للمسلمين والإصرار على ذلك، بل إلى القضاء على الأصوليات بمختلف أنواعها وتقديم نموذج إسلامي قابل للتعايش مع الأديان الأخرى، وليس هناك أفضل من النموذج المغربي الذي بدأت تأخذ به بعض الدول، كما قامت دول أخرى، وتحديدا من أوروبا، باستدعاء هذا النموذج من أجل تعميمه، وإحلاله محل هذا الذي ظل يقترحه على أبنائها فقهاء الظلام لـ «دعشنة» فرنسا.

"الوطن الآن" عادت لتثير هذا الموضوع في غلاف عددها الجديد "هل شارلي إيبدو" أقدس من الرسول الكريم؟"، وطرحت هذا السؤال على باحثين ومفكرين وحقوقيين: محمد الرواندي (أستاذ بدار الحديث الحسنية)، يوسف حناتة (باحث في الفكر الإسلامي)، محمد لمرابط (باحث ومندوب جهوي سابق لوزارة الأوقاف)، عبد الهادي حميتو (عضو الرابطة المحمدية للعلماء)، عبد السلام بوطيب (رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والشغل)، محمد بلماحي (نائب رئيس النقابة الجنائية الدولية).

une-Coul-3