على مدى عقود، تَشَكَّل النقاش حول التجارة الخارجية المغربية أساسًا حول العلاقة مع أوروبا. عجزٌ مزمن، تبعية صناعية، واختلالات تجارية بنيوية: لقد كان محور أوروبا–المغرب يُنظر إليه طويلًا بوصفه لبّ الإشكال. غير أنّ هذه القراءة باتت اليوم متجاوزة. فالتحدّي الاستراتيجي الحقيقي للتجارة الخارجية المغربية يتمركز الآن في آسيا، وتحديدًا في الصين.
في سنة 2024، يناهز العجز التجاري الإجمالي للمغرب –305 مليارات درهم. ومن هذا المجموع، يبلغ العجز تجاه آسيا –152,5 مليار درهم، مقابل 136,8 مليار درهم قبل عام واحد. وبعبارة أخرى، تستأثر آسيا وحدها بنحو 50% من العجز التجاري الكلي للمملكة، في تحوّل جغرافي بالغ الدلالة في بنية الاختلالات الخارجية. وبالمقارنة، ورغم بقاء العجز مع أوروبا مرتفعًا، فإنه يستقر عند –103,2 مليارات درهم (نحو 34% من العجز الإجمالي)، في حين يظل الميزان التجاري مع إفريقيا فائضًا، لكنه آخذ في التراجع.
ويُعزى تفاقم العجز الآسيوي بدرجة كبيرة إلى الصين. ففي 2024، ارتفعت الواردات المغربية من الصين بنحو 14,2 مليار درهم، بينما لم تزد الصادرات المغربية إلى هذا السوق سوى 448 مليون درهم. وبذلك، تُسهم الصين بما يقارب 60 إلى 65% من العجز الآسيوي، ونحو 30% من العجز التجاري الإجمالي للمغرب بمفردها. ولا يثقل أي شريك تجاري آخر كاهل الميزان الخارجي المغربي بهذا القدر.
وعلى خلاف العلاقة مع أوروبا، التي تتسم بالقِدم والمؤسسية وبقدر من الاندماج في سلاسل القيمة الصناعية، فإن العلاقة مع الصين شديدة اللاتكافؤ. فالمغرب يستورد بكثافة سلعًا مُصنَّعة، ومعدات، ومدخلات وسيطة، ومنتجات عالية الكثافة التكنولوجية، دون أن يقابل ذلك نفاذٌ مكافئ إلى السوق الصينية. ويعمل التبادل التجاري الصيني–المغربي عمليًا في اتجاه واحد، كاشفًا عن اختلال لا يقتصر على التجارة فحسب، بل يمتد إلى البُعدين التكنولوجي والإنتاجي.
ولا يندرج هذا الاختلال ضمن عجزٍ تقليدي قابل للتصحيح السريع. بل يعكس تبعية متنامية لسلاسل الإمداد الآسيوية، تُضعِف هدف السيادة الصناعية وتحدّ من القدرة على الارتقاء النوعي للإنتاج المحلي. وعلى خلاف العجز الطاقي — ذي الطابع الظرفي والدوري — فإن العجز الآسيوي يُجسِّد تأخرًا هيكليًا في إنتاج المدخلات والمكوّنات والسلع الوسيطة.
وإذا استمرت الاتجاهات الراهنة دون انعطاف استراتيجي جوهري، تُشير التوقعات إلى خطر تزايد تركّز الاختلال. ففي أفق 2026–2027، قد يتجاوز العجز التجاري الإجمالي –350 مليار درهم، بينما قد يبلغ العجز مع آسيا –190 إلى –200 مليار درهم، أي أكثر من 55% من العجز الكلي. وقد يمثّل العجز الثنائي مع الصين حينها درهمًا واحدًا من كل ثلاثة دراهم من العجز التجاري المغربي.
في هذا السياق، لا يتمثل الرهان في الإغلاق أو المواجهة التجارية، بل في خيارٍ استراتيجي وصناعي. إذ يتعيّن على المغرب إعادة تموضع علاقته مع الصين حول ثلاثة روافع أساسية: سياسة نشطة لإحلال المدخلات، وتعزيز متطلبات المحتوى المحلي في الاستثمارات الصناعية، ونهج أكثر انتقائية للشراكات يوجّهها نحو نقل التكنولوجيا والاندماج الإنتاجي المحلي.
وعليه، فإن التحدّي الصيني في التجارة الخارجية المغربية ليس مسألة أحجام، بل جودة التبادلات. وهو يختبر قدرة البلاد على تحويل الانفتاح التجاري إلى رافعة للسيادة الإنتاجية. ومع اقتراب أفق 2030، لن يكون السؤال الجوهري: مع من يتاجر المغرب أكثر؟ بل: كيف يتاجر؟ ماذا يستورد؟ وماذا ينتج، وعلى وجه الخصوص، بديلاً عمّا يستورد؟ وستكون العلاقة مع الصين، في هذا الصدد، اختبارًا حاسمًا لنضج النموذج الاقتصادي المغربي وقدرته الاستراتيجية.
د. إدريس الفينة، دكتوراه – وسيسيل هوثورن، دكتوراه
