Saturday 15 November 2025
Advertisement
رياضة

أنور الشرقاوي: كيف حوّل حارس المغرب لأقل من 17 سنة الهزيمة إلى قوّة خارقة .. من الهشاشة إلى الصلابة النفسية

أنور الشرقاوي: كيف حوّل حارس المغرب لأقل من 17 سنة الهزيمة إلى قوّة خارقة .. من الهشاشة إلى الصلابة النفسية الدكتور أنور الشرقاوي والحارس بلعروش
هناك إنجازات رياضية تُقرأ في جداول الإحصائيات، وأخرى لا تُفهم إلا بالغوص في الأعماق النفسية والإنسانية لمن يصنعونها.
 
ومسار الحارس المغربي الشاب لمنتخب أقل من 17 سنة ينتمي بوضوح إلى هذا النوع الثاني؛ ذاك النوع الذي تُضاء فيه النفوس قبل الميادين، وتنتفض فيه الإرادة قبل القفازات.
 
تعرّض هذا الحارس لانتقادات لاذعة خلال مباريات التصفيات الوالى في قطر.
ارتبكاته وهفواته أقلقت كثيرين.
 
ولكن بعد أيام قليلة فقط، تحوّل الصبي المرتبك إلى مهندس هادئ لمعجزة كروية نادرة. إنه نفسه من خرج بشباك نظيفة في مباراة الـ16 هدفًا أمام كاليدونيا الجديدة، وهو نفسه من قاد المغرب إلى التأهل أمام الولايات المتحدة بعدما تصدّى لركلتي جزاء في لحظات تختبر معدِن الرجال.
 
لفهم هذا التحوّل المذهل، لا بد من العودة إلى تلك المنطقة العميقة في النفس، حيث تتحول الهشاشة إلى صلابة، والارتباك إلى يقين، والخوف إلى سيطرة.
 
علم النفس الرياضي يسمّي ذلك: الصمود، والثقة بالنفس، وإحساس بالقدرة الذاتية.
 
وهي ثلاثة أعمدة لا يستقيم بغيرها بُنيان البطولة.
 
"ألبرت باندورا"، عالم النفس الأميركي، يقول إن الرياضي ينجح حين يقتنع في داخله بأنه قادر على النجاح، مهما علا ضجيج النقد.
 
هذه القناعة لا تلغي الخطأ بل تمنحه معنى.
 
وفي حالة الحارس المغربي، اهتزّت هذه القناعة لفترة، لكنها لم تسقط. ضعفت، نعم، لكنها لم تنكسر.
 
وتأتي التحليلات النفسية العميقة لتمنح المشهد بُعدًا آخر. "فرويد"، حين تحدّث عن “الأنا”، وصفه بأنه تلك القوة التي توازن بين القلق والفعل.
 
هذا الحارس الشاب أظهر “أنا” صلبة على نحو يُدهش عمره.
 
ففي اللحظة التي كان يمكن فيها للذنب أو الرهبة أن يبتلعا روحه، لجأ إلى آلية نادرة يسمّيها المحللون النفسيون “التسامي”: تحويل الضغط إلى طاقة، وتحويل النقد إلى وقود داخلي يقوّي الإرادة بدل أن يهدّها.
 
كبار الأطباء النفسيين وصفوا هذا النمط من الصلابة الذهنية.
 
"بوريس سيرولنيك"، صاحب مفهوم “المرونة النفسية”، يقول إن المحن لا تسحق إلا من يواجهونها وحدهم.
 
والحارس المغربي لم يكن وحيدًا؛ كان محاطًا بفريق، وجهاز تقني، وأسرة تُعيد لـروحه توازنها.
 
أما "جان كوترو"، المتخصص في العلاجات المعرفية، فيؤكد أن الثقة ليست هبة بل تدريب يومي للعقل.
تتدرّب، تُبنى، وتُعاد صياغتها باستمرار.
 
ويضيف الطبيب النفسي العسكري "باتريك كلرفوا" أن لحظات الأزمة لا تحتاج إلى عضلات، بل إلى هدوء داخلي.
 
وهذا الهدوء كان هو السمة البارزة على ملامح الحارس المغربي حين كان كل شيء على وشك الانهيار.
 
المباراتان الأخيرتان للمنتخب المغربي لأقل من 17 سنة كانتا درسًا بصريًّا في هذا التحوّل النفسي العميق.
 
أمام كاليدونيا الجديدة، ورغم قلّة المحاولات، بدا الحارس حاضرًا بشكل مختلف: جسد ثابت، نظرة يقظة، أنفاس موزونة.
 
كانت الشباك النظيفة رسالة أكثر منها رقمًا. كانت إعلانًا صامتًا يقول للعالم: “لم أسقط بعد.”
 
ثم جاءت مباراة الولايات المتحدة لتثبت ذلك. قبل ركلات الترجيح، كانت كتفاه مرتاحتين، وملامحه هادئة وواثقة.
 
وعندما صدّ الركلة الأولى، بدا كأن الشك يغادر روحه. ومع صدّ الثانية، اكتملت الولادة الجديدة: ولادة حارس يعرف من هو، وما يستطيع فعله.
 
هذا الشاب أعاد تذكيرنا بدرس بسيط، لكنه جوهري: الإنسان لا يُعرَّف بأخطائه، بل بما يفعله بعد أن يخطئ.
 
أظهر أن المراهق يمكن أن يكون هشًّا وقويًّا في الوقت نفسه.
 
وأن الثقة بالنفس ليست حالة سماوية تهبط فجأة، بل صراع داخلي طويل، وانضباط روحي لا يراه الجمهور. وأن الانتصار غالبًا ما يكون حليف أولئك الذين يرفضون الاعتراف بالهزيمة.
 
لم تكن تصدياته مجرّد لحظات رياضية، بل كانت شهادة حيّة على أن العقل القوي قادر على كتابة فصولٍ تعتقد كرة القدم أنها من المستحيل.
 
لقد سجّل المغرب 16 هدفًا في ذلك اليوم، لكنه تأهّل، في الحقيقة، بفضل قلب واحد. قلب حارسٍ صغير أثبت أن الثقة حين تستيقظ، تُحدث ضجيجًا أعلى من صرخات المدرجات، وأقوى من ضغط العالم بأكمله.
 
شكرا، بلعروش، حارس شباك المغرب U17.
 
 الدكتور أنور الشرقاوي – خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي