Tuesday 11 November 2025

كتاب الرأي

محمد خوخشاني: التقدم والاشتراكية.. حزب فقد البوصلة

محمد خوخشاني: التقدم والاشتراكية.. حزب فقد  البوصلة محمد خوخشاني
بين تراجع القاعدة النضالية وأزمة الهوية، يعيش حزب التقدم والاشتراكية مرحلة من التآكل تثير القلق حتى لدى أقدم مناضليه.
«لو جمعنا جميع الذين غادروا حزب التقدم والاشتراكية، لكنا أول قوة وطنية من حيث العدد والنوعية.»  لطفي أقلعي.
 
نزيف صامت لكنه مستمر
هذه العبارة التي كتبها لطفي اقلعي قبل سنوات، تكتسي اليوم راهنية مقلقة. فحزب التقدم والاشتراكية، وريث الحركة الشيوعية المغربية، يبدو وكأنه يفقد، شهراً بعد شهر، جزءاً من روحه ومن قاعدته النضالية.

تعددت الانسحابات، بعضها يتم في صمت، وبعضها في ضجيج، لكنها جميعاً تعكس حالة من القلق العميق: فالحزب الذي كان يحمل ذات يوم مشروعاً اجتماعياً وتقدّمياً لم يعد قادراً على تعبئة الطاقات أو إلهام الأجيال الجديدة.
 
حزب يبحث عن معنى
منذ تموضعه في خانة اليسار الوسطي، يحاول حزب التقدم والاشتراكية التوفيق بين الوفاء للمؤسسة الملكية والانخراط في الدفاع عن القضايا الاجتماعية. وهي معادلة تبدو متوازنة نظرياً، لكنها أصبحت صعبة التطبيق عملياً.

المناضلون يلومون القيادة الحالية على غموضها الأيديولوجي وعلى استراتيجية سياسية مترددة، ممزقة بين دعم الحكومة من جهة، والرغبة في الحفاظ على هوية المعارضة البنّاءة من جهة أخرى.
النتيجة: خطاب غير مسموع في مشهد سياسي تطغى عليه البراغماتية والخطابات الشعبوية.
 
الانفصال عن الشباب والمجتمع المدني
يبقى تجديد النخب الداخلية التحدي الأكبر أمام الحزب. فالشباب المنخرطون، بما يملكونه من حيوية وأفكار جديدة، يصطدمون بهياكل جامدة يهيمن عليها أشخاص متمركزون في مواقعهم منذ عقود.

هذا الانغلاق النسبي ساهم في إضعاف الصلة العضوية بين الحزب والمجتمع المغربي، خصوصاً مع الفئات الشعبية والفاعلين الجمعويين الذين كانوا في الماضي عماد قوته الحقيقية.
 
الولاء أم التلاشي؟
لطالما جسّد حزب التقدم والاشتراكية نموذج اليسار الإصلاحي، الملتزم والمسؤول. لكن هذه السمة التي منحته الاحترام والمصداقية، أصبحت اليوم تُفسَّر — بحق أو بغير حق — كعلامة على التلاشي السياسي أو التخلي عن النقد والمواجهة.

وفي سياق سياسي باتت فيه المواجهة العلنية تجذب الأنظار الإعلامية أكثر من العمل الهادئ، يبدو الحزب وكأنه في موقع المتفرج، شبه غائب عن الساحة.
 
إعادة التأسيس أو الاندثار
أمام هذا الواقع، لا مفر من خيارين: إما إعادة تأسيس فكرية وتنظيمية جريئة تعيد الثقة إلى المناضلين وتربط الحزب من جديد بالواقع الاجتماعي للمغرب المعاصر، أو الاستمرار في التآكل البطيء الذي سيحوّله في النهاية إلى مجرد ذكرى من ماضي اليسار المجيد.

إن حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان يوماً ما منبعاً للمثقفين والالتزام الصادق، يقف اليوم عند مفترق طرق: مفترقٍ لم تعد فيه الذاكرة كافية، بل أصبح الفعل ضرورة ملحّة.