Thursday 6 November 2025

منبر أنفاس

المصطفى عبدوس: الذكاء الانفعالي مفتاح التوازن الأسري

المصطفى عبدوس: الذكاء الانفعالي مفتاح التوازن الأسري المصطفى عبدوس

لا غرابة أن المرونة والسعادة والحرية مصدرها الرغبة في معرفة ما يجب الاهتمام به، فهناك مجموعة من الأشياء نحتاج معرفة كنهها، وعلى رأسها البحث عن حقيقة الذات في علاقتها بالآخر - بتعبير أكثر شمولية - بالمحيط الذي نعيش فيه، حتى ندرك طبيعة الآصرة التي تربط بعضنا ببعض، فالحديث عن الذات العاقلة الواعية بنفسها أولا وبالآخر أيضا، مرتبط بمدى قدرتها على أن تدرك مشاعرها وأحاسيسها وغرائزها، وأن تؤمن بأن وجودها لا يتحقق إلا من خلال تفاعلها مع الآخر الذي تتقاسم معه نفس المشاعر والأحاسيس والإدراكات الداخلية والعمل على احتوائها، والتي تشكل الأساس للتجربة الإنسانية الناجحة.

 ولعل من أهم مقومات النجاح في العلاقة بين الذات والآخر، وخاصة داخل الأسرة التي تشكل النواة الأولى لتنشئة الأجيال، اعتماد منهج محكم يحقق التوازن والاستقرار بين أفرادها، الشيء الذي يفرض تبني مقاربة تزاوج بين اكتساب مهارات الوعي العاطفي ومهارات الوعي السلوكي، خاصة من طرف الآباء والأمهات على اعتبارهما يتحملان مسؤولية رعاية أبنائهم، وهنا يبرز الذكاء الانفعالي في تعزيز التماسك الأسري، بحيث كلما ارتفع منسوب وعي الأفراد بانفعالاتهم وفهم احتياجات بعضهم البعض، زاد مستوى التفاهم والتماسك بينهم، وانعكس إيجابا العلاقات داخل الأسرة.  

فالذكاء الانفعالي نشاط ذهني يُكسب الذات القدرة على تَعرف مشاعرها وأحاسيسها التي تنشأ بداخلها، وإمكانية التحكم فيها وضبطها في كل المواقف، والسيطرة عليها وتوجيهها بعيدا عن التسرع والاندفاع سواء في حالة الغضب أو الفرح، وفي نفس الوقت استيعاب وفهم مشاعر وأحاسيس الآخرين والوعي بها لبناء علاقات إيجابية معها، وبالتالي فالذكاء الانفعالي يتأسس على خمس مهارات أساسية هي: الوعي بالذات، والتحكم في الانفعالات، والدافع الداخلي، والشعور بالآخرين، والقدرة على تسيير العلاقات الاجتماعية.

فهذه المهارات تساعد على خلق توازن نفسي لدى الفرد وبناء علاقات تواصلية وطيدة، خاصة في الحياة الأسرية، حيث تساعد على نسج روابط عاطفية واجتماعية، تؤسس لتواصل مستمر وصادق، واحترام الاختلافات في الآراء والمواقف والأفكار، وتقاسم المسؤوليات لتذليل الصعوبات والمشاكل التي قد تواجهها الأسرة في الحياة اليومية، فالذكاء الانفعالي يعزز التفاهم والاحترام بين أفراد الأسرة، ويحد من الصراعات والتوترات التي قد تكون سببا في إحداث شرخ داخل الأسرة، كما أنه وسيلة فعالة لتربية الأبناء على التحكم في مشاعرهم، وترسيخ قيمة التوازن العاطفي فيما بينهم وأيضا مع الآخرين، فالأسرة التي تتمكن من تدبير علاقاتها وفقا لمبادئ الذكاء الانفعالي، أسرة لها من القدرات ما يجعلها تصمد أما الأزمات، وتكون أقل عرضة للتفكك والصراعات.

إن تعزيز الذكاء الانفعالي باعتباره فنا لإدارة العواطف داخل الأسرة التي تعتبر النواة الأولى للمجتمع، يشكل مفتاح التماسك المجتمعي الحقيقي، وجسر التفاهم في الأسرة الحديثة التي تسودها قيم الانسجام والاستقرار والمحبة والحوار، بما يتيح لها بناء أجيال متوازنة نفسيا واجتماعيا.

المصطفى عبدوس، طالب باحث في سلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط