Friday 3 October 2025
كتاب الرأي

نجيبة قسومي: من 20 فبراير إلى جيل زد-212.. الشباب المغربي وصناعة المستقبل الواعي

نجيبة قسومي: من 20 فبراير إلى جيل زد-212.. الشباب المغربي وصناعة المستقبل الواعي نجيبة قسومي
حين اجتاح شباب المغرب شوارع المدن في فبراير 2011 ضمن حركة 20 فبراير، كان شعارهم واحدًا: "حرية، كرامة، عدالة اجتماعية". تلك الحركة لم تكن مجرد احتجاج عابر، بل تجسيدًا لرغبة جيل كامل في رؤية وطن أكثر عدلاً واستجابة لحقوق المواطنين. بالرغم من أن سقف الحركة كان أعلى والشعارات فضفاضة، نجح الشباب في كسر جدار الخوف وتحرير الشارع، مما أسفر عن تعديل دستوري يوصف بالمهم، رغم أنه لم يلبِّ جميع المطالب المطروحة آنذاك حول العدالة الاجتماعية والحق في المشاركة السياسية.
 
اليوم، يظهر جيل جديد من الشباب في حركة جيل زد-212، ليؤكد أن روح 20 فبراير لم تندثر، بل أعيدت صياغتها بأسلوب أكثر نضجًا ووعيًا، يجمع بين المطالبة والتنظيم، بين الشارع والمنصات الرقمية، وبين الغضب المشروع والاقتراح البنّاء. هذا الجيل يطالب اليوم بإقالة الحكومة التي سمت نفسها حكومة اجتماعية، معتبرًا أن خطابها لم يتجاوز التصريحات الشكلية، ويريد أن يضمن أن السياسات الحكومية تتوافق مع مصالح المواطنين الحقيقية.
 
ما يميز اليوم هذا الحراك المبارك هو وعي الشباب العميق بالمطالب الاجتماعية والسياسية والقانونية، وفهمهم أن الانتظار وراء الوسطاء لم يعد مجديًا. لذا وجهوا ملفهم مباشرة إلى الملك بصفته رئيس الدولة، مع التأكيد في نقاشاتهم داخل الفضاء الرقمي أن اختيار المخاطب السياسي مستقبلاً رهين بنزاهة الوسيط وقدرته على تقديم ضمانات حقيقية للالتزام بتنفيذ التعاقد الاجتماعي. كما يشددون على ضرورة وجود آلية رقابية صارمة وشفافة تضمن متابعة كل خطوة وتحويل المطالب إلى واقع ملموس يلامس حياة المواطنين بشكل قابل للقياس، خاصة وأن هذا الأخير هو المحدد الرئيسي في تقدم الدول التي حققت نموًا اجتماعيًا في القطاعات الحيوية.
 
ويأتي هذا في ظل ضعف الحكومة الواضح في احتواء النقاش مع الشباب بطريقة جادة ومسؤولة، حيث بدا أن بعض الخرجات لم تتجاوز محاولة إيهام الرأي العام بالتفاعل، من قبيل تشكيل لجنة من شبيبات الأغلبية لفتح حوار هم أصلا غائبون عنه، والتي لم تُعتبر سوى خطوة شكلية لمواجهة الغضب الشعبي، ولم تُلبِّ تطلعات الشباب في المشاركة الحقيقية. كذلك لم يخفف بلاغ وسيط المملكة الذي اقترح منتديات وطنية وجهوية لمناقشة حكامة الوضع الصحي العمومي من إحباطهم، إذ بدا واضحًا أن هذه المبادرات تهدف أكثر إلى إخماد الحراك وتقنينه بدل فتح مساحات حقيقية للحوار والإصلاح. كما أنه تفاقم هذا الانطباع بسبب تصريحات بعض البرلمانيين عن الأغلبية، التي تميل إلى تقليص قيمة الحراك الشبابي والتقليل من دوره في النقاش الوطني، ما يبرز سياسات التجاهل والمناورة بدل الاستجابة لمطالب المواطنين. كل هذا يؤكد أن الحراك الشبابي يواجه محاولات شبه منظمة لتبخيسه واحتوائه شكليًا، مما يجعل الحاجة إلى حوار وطني جاد، شفاف، ومؤسساتي أكثر إلحاحًا، بحيث يكون الشباب في قلب عملية صنع القرار ضمانا لتنفيذ المشاريع الإصلاحية على أرض الواقع، لا مجرد شعارات تُرفع إعلاميًا لتجميل الصورة السياسية.
 
فمطالب شباب اليوم ليست شعارات عابرة، بل خارطة طريق لبناء استقرار اجتماعي حقيقي عبر أربع أولويات: الصحة، التعليم، الشغل، والسكن. كما يطالبون بتفعيل المحاسبة مع ناهبي المال العام، تعبيرًا عن حسن النية في التعاطي مع حراكهم، وإظهار الالتزام بالعدالة والمساواة، مع إلحاح مستمر على حوار وطني يضعهم في قلب القرار باعتبارهم من يشكلون مغرب الغد.
 
انطلاقًا من كل هذا، يظهر أن جيل زد-212 يمثل امتدادًا طبيعيًا ومكملًا لحركة 20 فبراير، حيث يكمل كل جيل الآخر في مسار الحراك الاجتماعي والسياسي. فحركة 20 فبراير، رغم قلة الإمكانيات وصعوبة التنظيم، تمكنت من تحقيق مكاسب سياسية محترمة، أبرزها تعديل الدستور، ما فتح الباب لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن. أما جيل زد-212، فيسعى اليوم لترسيخ مفهوم الدولة الاجتماعية، من خلال تحسين الصحة والتعليم كمدخلين أساسيين لضمان استقرار اجتماعي حقيقي، مع الحفاظ على سلمية الحركة وروحها المدنية. كما يظهر الشباب قدرة عالية على التحرك بين الاحتجاج الحضاري والوسائط الرقمية، مع متابعة الالتزامات وتحويل المطالب إلى واقع ملموس عبر ملف مطلبي واضح.
 
في نهاية المطاف، من 20 فبراير إلى جيل زد-212، يظهر أن الشباب المغربي ليس مجرد قوة احتجاجية، بل شريك فعّال في صناعة المستقبل الوطني. هم قادرون على تحويل المطالب الاجتماعية والسياسية إلى مشاريع إصلاحية حقيقية، تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، وتؤسس لمغرب أكثر عدلاً واستجابة لطموحات الجميع. ويبرز ضمن هذا السياق دور الوطنيين ذوي السمعة النقية، القادرين على التواصل بسلاسة مع الشباب، والاستماع إليهم، والمساهمة بفاعلية في بناء مشاريع وطنية تستجيب لتطلعاتهم، بما يعزز الشفافية والمساءلة وحسن النية في التعاطي مع كافة الأطراف الوطنية.
 
ذة.نجيبة قسومي /محامية متمرنة بهئية طنجة عضو المكتب التنفيذي للمركز المغربي للدراسات والعلوم الإجتماعية