تشهد مدن مغربية عدة في الأيام الأخيرة حركات احتجاجية سلمية يقودها مواطنون يطالبون بإصلاحات عاجلة في قطاعي الصحة والتعليم، وهما مجالان استراتيجيان يرتبط بهما مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ويأتي هذا الحراك في سياق تقارير وطنية ودولية تؤكد أن المغرب ما زال يحتل مراتب متأخرة في المؤشرات المتعلقة بجودة المنظومة التعليمية وفعالية النظام الصحي.
من الناحية السوسيولوجية، يلاحظ أن المحتجين يتميزون بكونهم من فئات ذات وعي ثقافي واجتماعي مرتفع، ما يفسر وضوح مطالبهم وقدرتهم على تأطير خطاب احتجاجي يركز على الحق في تعليم جيد ومجاني، وخدمات صحية ميسّرة وذات جودة. غير أن هذه الدينامية السلمية تقابلها ممارسات تضييق، تمثلت في تدخلات أمنية واعتقالات استهدفت على وجه الخصوص من حاولوا تقديم تصريحات للصحافة الوطنية أو الدولية، وهو ما يثير إشكالاً قانونياً وسياسياً في ضوء ما ينص عليه الدستور المغربي من ضمانات لحرية التعبير والاحتجاج السلمي.
إن التوتر القائم بين النص الدستوري والممارسة الواقعية يعكس تحدياً بنيوياً يتمثل في استمرار التعامل مع الحركات الاجتماعية بمنطق أمني أكثر منه حوارياً. ورغم أن المطالب الشعبية متعددة وتشمل مجالات مختلفة كالشغل والسكن والعدالة الاجتماعية، إلا أن الصحة والتعليم يظلان في صدارة الأولويات، باعتبارهما شرطين أساسين لتحقيق تنمية بشرية مستدامة. فالتعليم في أقسام مكتظة وبمناهج متجاوزة، والصحة في مستشفيات تعاني نقصاً في الأطر والتجهيزات، لا يمكن أن يشكلا قاعدة لإقلاع تنموي حقيقي.
خلاصة القول، إن المظاهرات السلمية الجارية ليست تعبيراً عن نزوع فوضوي، بل هي آلية ديمقراطية حضارية يمارس من خلالها المواطنون حقهم الدستوري في المطالبة بالإصلاح. ويبقى الرهان المطروح أمام الدولة هو كيفية الانتقال من المقاربة الأمنية الضيقة إلى مقاربة تشاركية تقوم على الحوار، بما يعزز الثقة المتبادلة ويؤسس لمسار إصلاحي جاد وفعّال.
حمزة وكيلي، مندوب حركة الطفولة الشعبية بجهة بني ملال- خنيفرة