واقع حال إقليم اليوسفية البئيس، يؤكد على أنه لا وجود لعداد يقوم بدور قياس سرعة التنمية منذ أن تم ترقيتها لعمالة وإقليم سنة 2009، بل من المؤكد أن الوجوه البائدة من "حراس المعبد" قد قاموا بوضع فرامل وكوابح آليات التنمية على جميع الأصعدة، ودقوا آخر مسمار في نعشها بعد أن تبثوا أقفالا محكمة على أبوابها ورموا بمفاتيحها داخل صندوق الانتخابات التشريعية والجماعية وما إليها من استحقاقات أضحت آلة استنساخ لسلالة معلومة تتبادل الأدوار والمهمات وتنغص حياة الإنسان والحيوان على السواء، حيث لا مجال للحديث عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والبيئية.
تكافؤ الفرص في التشغيل مدخل للتنمية
إن كان التشغيل حق من حقوق الإنسان يضمن الكرامة للشباب المعطل عن العمل، فإن اليوسفية عرفت تراجعا مهولا في هذا المجال، في غياب استثمارات القطاع الخاص، اللهم ما تعرفه شركات المناولة من مآسي اجتماعية لا حصر لها في علاقة مع اليد العاملة التي تعاني من عدة مشاكل لها ارتباط بقانون الشغل والحقوق، بعد أن كان قطاع الفوسفاط يستقطب اليد العاملة من مختلف مناطق المغرب، وكانت المدينة حينئذ نقطة ضوء للتشغيل والرقي الاجتماعي قبل إحداث مركز بن جرير الفوسفاطي خلال سنوات الثمانينات، أما اليوم وبعد أن تم الشروع في وضع لبنات عدة مصانع استثمارية ضخمة بفضل ذات القطاع، بالقرب من قرية المزيندة العمالية التابعة لجماعة الكنتور بإقليم اليوسفية، فقد فوجئ الرأي العام المحلي مؤخرا، بتدشينها من طرف عامل إقليم الرحامنة حيث حسم أمر المداخيل الضريبية لفائدة بعض الجماعات الترابية بمنطقة الرحامنة.
سقوط "الثقافة" تدمير لجسر التنمية
يتحدث ويتساءل الشارع اليوسفي بمرارة عن واقع حال مدينتهم التي كان يضرب بها المثال على مستوى الحضور الثقافي والفني والإبداعي، ويتحسر شباب المدينة على مآلات الوضع والمشهد الثقافي الذي تراجع بشكل خطير، بعد أن كانت سباقة في احتضان فعاليات وطنية في جميع الحقول الإبداعية والفنية ـ مسرح وسينما ولقاءات فكرية ـ والسبب حسب تصريحات العديد من المهتمين يرجع إلى "تردد مسؤولي قطاع الفوسفاط محليا في لعب أدوارهم الاجتماعية اتجاه ساكنة المدينة الفوسفاطية عامة، واتجاه عمال ومتقاعدي القطاع بشكل خاص، رغم البنيات الإستقبالية المتعددة ـ قاعات العروض والفضاءات الرياضية ـ والإمكانات المادية واللوجيستيكية المتاحة إسوة بباقي المراكز الفوسفاطية"؟
إنسان إيغود...في الحاجة إلى مديرية للثقافة بإقليم اليوسفية
الأكثر غرابة، أن ساكنة إقليم اليوسفية مازالت تنتظر تعيين مديري ومندوبي عدة قطاعات حكومية ذات أهمية بالغة ـ عمالة بدون تمثيلية لبعض القطاعات الحكومية ـ منها بالأساس مديرية الثقافة التي من الواجب أن يتم إحداثها لمواكبة العرض الثقافي والإبداعي وتشجيع الشباب والفنانين والمبدعين، والعمل على إبراز أهمية الإقليم من خلال معلمة جبل إيغود وإنسانه القديم، واستقبال المشاريع التنموية ذات الصلة بالموقع الجبلي وما يزخر به من مقدرات وإمكانات حضارية وتاريخية على جميع الأصعدة.
تراجع الحزام الأخضر يدق ناقوس الخطر
من المعلوم أن ساكنة اليوسفية تعيش اليوم، تحت ضغط التأثير البيئي، بعد أن تم إهمال الحزام الأخضر الذي كان ينط المدينة ويشكل واق ضد كل أشكال مظاهر الثلوث سواء الناتج عن تساقط الغبار أو الغازات الملوثة للهواء المنبعثة من السيارات والشاحنات، حيث كان قطاع الفوسفاط يمثل القدوة في تحفيز الساكنة على ضرورة الاهتمام بالحدائق وتشجيع عملية التشجير والبستنة، أما اليوم بعد تفويت الحاضرة الفوسفاطية للجماعة الترابية فلم يعد هناك أي اهتمام بهذا الجانب الذي يعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان. فحتى الفيلات الفوسفاطية التي مازالت في ملكية القطاع تتعرض اليوم بنايتها للإهمال والتصدع والشقوق، وحدائقها للتدمير وكأنها لا تساوي شيء في الذاكرة والمكان.
رئة اليوسفية تتنفس بصعوبة
إن فضاء غابة العروك الذي كان يعتبر رئة المدينة التي تتنفس بها ليلا، ويمثل رابطا بيئيا للساكنة، يتعرض اليوم أمام أعين من أسندت لهم تدبير الشأن المحلي، للإهمال والتدمير واقتلاع مختلف الأشجار، حيث تحولت الغابة إلى مكبّ ومطرح للنفايات الصلبة ـ بقايا الياجور وحطام الأحجار والإسمنت ـ دون أن تحرك ضمائر من يحتكرون ويحتلون كراسي المسؤولية الترابية، علما أن هناك فعاليات وجمعيات تقدمت بمشاريع تخص رد الاعتبار لهذه الغابة الشاسعة الأطراف.
متى يتم تأهيل غابة العروك؟
إن سرعة تنمية مجال غابة العروك وتنفيذ المشروع المرتبط بها بشراكة مع مؤسسة جهة مراكش أسفي تطرح علامات استفهام مثلها مثل باقي المشاريع المؤجلة بالمدينة خاصة وبالإقليم عامة...ألا تستحق ساكنة اليوسفية فضاءا أخضرا ومنتجعا للإستجمام والراحة هروبا من إكراهات وضغوط الحياة التي تحولت إلى جحيم هنا والآن في يغاب مرافق اجتماعية وحدائق للفسحة والاسترخاء؟ فمتى يتم تنفيذ مشروع غابة العروك الذي طال انتظار إحداث مرافقه الاجتماعية والرياضية، ليفتح أبوابه أمام الأسر وأطفالهم الذين هم في أمس الحاجة لـ الّلعب بدل حرمانهم من هذا الحق المقدس وفق جميع الشرائع الدينية والوضعية؟ ألا يستحق أطفال ويافعي الأسر القاطنة بالأحياء المجاورة للغابة ملاعب للقرب؟
سدود بلا أشجار وبدون حزام أخضر
للأسف الشديد، حتى السدود التي تم إحداثها ببعض الجماعات الترابية القروية التابعة لإقليم اليوسفية، لم تعرف اهتماما بيئيا على مستوى جلب السياحة الداخلية نظرا لقيمتها الجمالية والطبيعية، فبدورها تعاني من غياب التشجير بمحيطها وافتقارها للمنظار الخلابة، مما يصعب معه استقطاب ضيوف وزوار لتلك المناطق المحرومة من نسمات وظلال الأشجار التي تلطف الأجواء في فصل الصيف وتزهر ربيعا، أليست هذه مكابح وفرامل للتنمية بعيدا عن عداد قياس السرعة التنموية؟
الحق في الصحة بين مطرقة الخصاص وسندان الضمير المهني
الحديث عن الملف الصحي بمدينة اليوسفية، لا يتطلب بدوره تفتيش عداد قياس السرعة التنموية، مقارنة مع جهات وأقاليم المغرب، لأن الأعطاب كثيرة، ومعالجة الجسد تحتاج إلى مشرط جراحة يفصل الأورام السرطانية لإيقاف النزيف، فلا مقارنة اليوم بين زمن التطبيب والعلاج بمستشفى قطاع الفوسفاط باليوسفية الذي كان يمثل نقطة ضوء على الصعيد الوطني، وملحقاته التمريضية بالقرى الفوسفاطية، التي كانت تعج بالأطباء والممرضات والممرضين وتوفير الأدوية وتقديم الخدمة بالشكل المطلوب ـ مقارنة ـ مع واقع حال المستشفى الإقليمي لالة حسناء الذي يحتاج إلى نهضة إدارية وتوفير الموارد البشرية من الأطر الطبية والصحية في مختلف التخصصات وضمان ديمومتها، مع توسيع كل المرافق المتصلة بالصحة والعلاج الطبي والمستعجلات، ولكل هذه الاعتبارات فالمستشفى الإقليمي يحتاج حقيقة إلى إعادة التأهيل في أفق أن يستجيب للمعايير المعمول بها وطنيا ودوليا.
إن أهمية توسيع المستشفى الإقليمي لالة حسناء وتأهيله ليرقى إلى مستوى المستشفيات الإقليمية يتطلب ويقتضي الرفع من سعة الأسرة العلاجية من 45 سرير إلى 100 سرير على الأقل، علاوة عن أهمية إحداث مصلحة التشخيص sce de diagnostic لتمكين الأطباء المتخصصين من مزاولة مهامهم في أحسن الظروف، إلى جانب إحداث مصلحة الإنعاش والتخدير مع تأهيل قاعة العمليات، وخلق وحدة لبنك الدم، لتجنب نقل المرضى إلى وجهات أخرى، دون الحديث عن توفير الموارد البشرية المتخصصة في طب النساء.
وما دام الشي بالشيء يذكر فالأمر يتطلب أيضا، تأهيل مركز تصفية الدم بالمستشفى الإقليمي لالة حسناء، بالإضافة إلى تأهيل قسم الأشعة (radiologie – scanner – mammographie – RM)، بالإضافة إلى خلق صيدلية إقليمية كانت مبرمجة في الخريطة الصحية للعرض الصحي 2023-2027. فضلا عن إحداث مخزنين واحد خاص بالمتلاشيات وأخر خاص بالمقتنيات الجديدة من المعدات. إلى جانب الاهتمام بالفضاءات الخضراء داخل المستشفى الإقليمي وأماكن مخصصة للزوار والمرتفقين تحميهم من حرارة الشمس صيفا وبرودة الطقس شتاء.
ومن الطبيعي الإسراع بإحداث مشروع مستشفى آخر بدائرة أحمر، حتى يتسنى للمواطنات والمواطنين بإقليم اليوسفية الإستفادة من خدماته العلاجية والطبيبة ضمانا للحق في الصحة وتقريب خدماتها للجميع.