Saturday 20 September 2025
مجتمع

مصطفى عنترة:  الدخول الاجتماعي برؤية ميارة.. وضوح في الخطاب وجرأة في الموقف

مصطفى عنترة:  الدخول الاجتماعي برؤية ميارة.. وضوح في الخطاب وجرأة في الموقف النعم ميارة ومصطفى عنترة (يمينا)
دشن النعم ميارة، الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الدخول الاجتماعي بخرجة إعلامية وُصفت بالموفقة على أكثر من صعيد، سواء من حيث الأسلوب أو من حيث عمق القضايا التي أثارها. فخرجته لم تكن مجرد تصريحات عابرة لتدشين الدخول الاجتماعي، بل كانت بمثابة إعلان موقف ورفع سقف التوقعات من العمل النقابي. فقد بدا الرجل، الذي تمرس طويلا في العمل النقابي، واثقا من نفسه، متمكنا من الملفات التي يترافع بشأنها، مدركا لحساسية المرحلة وما تقتضيه من وضوح في الخطاب وجرأة في الموقف.
النعم ميارة، الذي لا يهاب الأضواء الإعلامية ولا ينزلق في فخاخ الصحافيين، اطل واثقا فأعطى الانطباع بأننا أمام نقابي من طينة مختلفة: لا يراوغ، لا يتهرب، ولا يخشى المواجهة.
لقد استطاع أن يجمع بين الكاريزما الشخصية والأناقة في الحضور والخطاب الهادئ الذي يمنح الثقة من النظرة الأولى، وهو ما جعله يحظى بثقة واسعة داخل هياكل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. لم يكن غريبا أن يهتف له المؤتمِرون  في المؤتمر الاخير لهذه النقابة العتيدة بشعار "ميارة زيد.. ميارة زيد"، في إشارة إلى التفاف القواعد حوله وإجماعها على قيادته الحكيمة للمركزية النقابية التاريخية.
لكن الأهم هو مضمون خطابه.  أكد ميارة أن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ظل وفيا لنهج الحوار الاجتماعي، مذكرا بالاتفاقيتين الموقعتين مع الحكومة واللتين أفضتا إلى زيادتين مهمتين في أجور الموظفين. كما شدد على أن النقابة، وإن كانت ملتزمة بإنجاح الحوار الذي ليس مجالا للترف الفكري بل ورشة حقيقية لانتزاع المكاسب، فإنها لن تتردد في اللجوء إلى سلاح الإضراب إذا ما تم التراجع عن مكتسبات الشغيلة. هذا التوازن بين الانخراط المسؤول في الحوار من جهة، والتشبث بأدوات الضغط المشروعة من جهة أخرى، يعكس حرصه على الجمع بين الواقعية والصلابة النقابية.
توقف ميارة عند ملفات اجتماعية واقتصادية معقدة، منها تحسين القدرة الشرائية، هيكلة القطاع غير المهيكل، إصلاح نظام التقاعد، قانون الإضراب... وقد أبرز أن الصيغة الحالية لمشروع القانون المتعلق بالإضراب جاءت ثمرة جولات حوار جادة، خلافا لما عرض خلال حكومة سابقة، إذ كان كارثة لا يعالج الا السطح، مؤكدا أنها تمنح الشغيلة ضمانات إضافية. أما ملف التقاعد، فقد أوضح أن الإصلاح لا يمكن أن يكون مقياسيا ظرفيا، بل ينبغي أن يكون إصلاحا معياريا وشموليا، يستلهم التجارب الدولية ويؤسس لحلول طويلة الأمد.
ولم يغفل الكاتب العام للاتحاد الحديث عن قطاعات التعليم والصحة والمؤسسات العمومية و القطاع الخاص، حيث دافع عن النقابة كإطار مؤسسي مسؤول، حاضر في محطات الحوار والتفاوض، ومؤمن بأن الإضراب يظل وسيلة أخيرة لا يتم اللجوء إليها إلا بعد استنفاد كل السبل.
ما يميز الخرجة الإعلامية للكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أنه لم يسقط في فخ التماهي الكلي مع الحكومة رغم انتمائه السياسي للأغلبية. ظل محافظا على مسافة نقدية، يدافع عما تحقق من مكتسبات في الاستثمار والفلاحة والتشغيل...، لكنه يفضح في الوقت ذاته العراقيل البنيوية، من قبيل فوضى القطاع غير المهيكل وضغط القدرة الشرائية للمواطن... إنها لغة الواقعية التي نفتقدها في خطابات الآخرين.
إن النعم ميارة، بثقافة الحوار والشراكة، يمثل نموذجا لجيل جديد من القادة النقابيين الذين يجمعون بين روح التفاوض والإقناع والحرص على تعزيز السلم الاجتماعي، وبين الدفاع الصلب عن حقوق الشغيلة. وهو بذلك يختلف عن صورة القادة التاريخيين الذين وسموا مرحلة سابقة، حيث تبدو بصمته اليوم مرتبطة أكثر بلغة المؤسسات ودولة الحق والقانون.
فهو كنقابي لا يكتفي بالصراخ في الشارع، ولا يذوب في مؤسسات الدولة، بل يزاوج بين النضالية والعقلانية، بين الدفاع عن الحقوق وصيانة السلم الاجتماعي.
لقد كانت هذه الخرجة الإعلامية إذن مؤشرا على أسلوب جديد في مقاربة القضايا الاجتماعية والنقابية، أسلوب ينفتح على المستقبل دون التفريط في المكتسبات، ويعطي للعمل النقابي نفسا متجددا يزاوج بين الوضوح والمسؤولية والجرأة والنضالية.
د مصطفى عنترة، كاتب صحفي.