Sunday 7 September 2025
منبر أنفاس

سفيان الداودي: المغاربة وكأس إفريقيا بين الحلم المؤجل وإنصاف السياسة الكروية الحكيمة

سفيان الداودي: المغاربة وكأس إفريقيا بين الحلم المؤجل وإنصاف السياسة الكروية الحكيمة سفيان الداودي
هل يُعقل أن يظلّ الشعب المغربي منذ 1976 أسيراً لعقدة الكأس الإفريقية رغم كل الإنجازات العالمية التي حققها منتخب بلاده؟
لماذا لم يحتفل المغاربة بتأهلات كأس العالم، ولا حتى بالإنجاز التاريخي في قطر 2022، بينما يربطون كل آمالهم وفرحهم بالفوز بالبطولة القارية؟
كيف يمكن تفسير أن منتخب "رابع العالم" عجز عن تجاوز دور متقدم في كأس إفريقيا بساحل العاج، رغم اعتقاد الجماهير أن الطريق أصبح معبّداً نحو اللقب؟
وكيف نفسّر تكرار الإقصاء أمام المنتخب المصري مرتين، مع رونار ووحيد خليلوزيتش، رغم قوة المنتخب المغربي، بينما مصر تفرض سيطرتها قارياً بفضل أنديتها القوية كالأهلي والزمالك؟
وأخيراً، هل يشكّل تنظيم المغرب لكأس إفريقيا في دجنبر 2025 محطة للتحرر من نصف قرن من الخيبات، وإنصافاً للسياسة الكروية الحكيمة للدولة المغربية، أم أن الكأس ستضعنا أمام اختبار صعب؟

1 ـ عقدة 1976 والذاكرة الجماعية
منذ التتويج الوحيد سنة 1976 في أديس أبابا، ظلّ كأس الأمم الإفريقية الحلم الذي يطارده المغاربة جيلاً بعد جيل. ورغم كثرة المشاركات القارية والإنجازات العالمية، بقيت البطولة الإفريقية في وجدانهم هي المعيار الحقيقي للفخر الكروي. فالذاكرة الجماعية تحتفظ أكثر بخيبات إفريقيا، خصوصاً حينما نمتلك مقومات البطل لكن نصاب بخيبة الأمل، وأبرزها:
-الخروج من نصف نهائي 1988 في المغرب بتشكيلة تضم منتخب مكسيكو 1986.
- السقوط في 1998 ببوركينا فاسو رغم كوننا أقوى فريق قارياً على مستوى التصنيف.
- الاقصاء المر من نهائي تونس 2004
- إقصاء البنين في 2019 في دورة مصر
- وصولاً إلى الخروج أمام جنوب إفريقيا في الكوت ديفوار 2023.

كما تراكمت خيبات إضافية أمام المنتخب المصري، حيث أخرجنا مرتين متتاليتين في الاونة الأخيرة مع رونار وخليلوزيتش، رغم امتلاكنا لخيرة اللاعبين وفي طليعتهم اشرف حكيمي، مما عزز عقدة تاريخية لدى المغاربة،د خصوصا اتجاه مصر كدولة تعرف كيف تكون ناجاحة قارياً بفضل أنديتهما المحلية القوية مثل الأهلي والزمالك، الأمر الذي أعاد النقاش والحيرة عند الجماهير المغربية حول اختيار اللاعب المحلي مقابل المحترف في أوروبا.

2 ـ الكبوات والمناخ وأرضية الملعب.
الكبوات السابقة لم تكن كلها فنية، فقد عززتها عوامل خارجية مثل المناخ الحار والرطوبة وأرضية الملعب. لكن اليوم لم تعد هذه المبررات قائمة، خصوصاً أن جميع المنتخبات، وبالأخص العربية، معتادة على مثل هذه الظروف. اللاعبون من جنوب الصحراء أيضاً أصبحوا متعودين على مناخ المغرب، كونهم مرتبطين بأنديتهم الأوروبية التي توفر لهم احتكاكاً دولياً مستمراً.
هذا يعني أن أي إخفاق لن يكون له أعذار مناخية أو لوجستية كما في الماضي.

كما أن توجس المغاربة راجع الى كونهم متأكدين أن كرة القدم لا تعني أن من يلعب جيد ويهاجم أكثر ينتصر ويفوز بالالقاب، بل تلعب على التفاصيل والحفاظ على الروح الذهنية والبدنية لتسيير مختلف مراحل المباريات، ولعل ترشحنا على حساب الاسبان بمونديال قطر لخير دليل.

3 ـ التأهل لكأس العالم : أصبح إنجاز بديهي ولا يحتاج إلى فرح شعبي.
المفارقة أن المغاربة لم يحتفلوا بصدق بتأهلات المنتخب المتكررة إلى كأس العالم، بل حتى إنجاز نصف نهائي قطر 2022، رغم كونه تاريخياً، لم يُشفِ الجرح القاري.

الأمر نفسه تكرر مع التأهل الأخير إلى مونديال 2026 على حساب النيجر، حيث مرّ الحدث مروراً عادياً.

الشعب يرى في المونديال محطة مهمة لكنها ليست الغاية.
الغاية دائماً وأبداً هي الفوز بكأس إفريقيا، البطولة التي تعتبر معيار الكرامة الكروية ومصدر الفرح والامتداد الهوياتي الحقيقي.

4 ـ إعجاز مونديال قطر وخيبة الكان بالكوت ديفوار

المغرب حقق إعجازاً كروياً في مونديال قطر حين بلغ نصف النهائي، فأسعد شعبه ومعه الشعوب العربية والإسلامية، ورفع سقف الطموحات إلى حدود غير مسبوقة.
لكن هذه النجمة المضيئة تحولت سريعاً إلى ظل ثقيل في كأس إفريقيا بساحل العاج، حيث اعتقد المغاربة أن منتخب "رابع العالم" قادر على الإطاحة بالمنتخبات الإفريقية والفوز بالكأس القارية، فجاءت الخيبة موجعة، مؤكدة أن البطولة القارية لها منطقها الخاص وأن صناعة المجد العالمي لا يعوض اللقب الإفريقي المفقود أكثر من نصف قرن.

5 ـ الكان بالمغرب محطة صعبة لكنها استراتيجية
استضافة المغرب لكأس إفريقيا 2025 لن تكون سهلة. البطولة هي بروفة لإثبات قوة الكرة المغربية على المستوى القاري والعالمي، لكنها ستواجه تحديات كبيرة، من منافسة المنتخبات التقليدية إلى التأثير المحتمل للجاليات العربية الكبرى، مثل الجزائريين والتونسيين من مارسيليا على سبيل المثال، القادرين على ملء جنبات الملاعب وتشجيع منتخباتهم بالمغرب ، وهو عامل قد يضيف ضغطاً إضافياً على المنتخب المغربي وعلى المنظمين، حتى تكون هذه النسخة عرساً قارياً بنكهة عالمية.

6 ـ السياسة الكروية في عهد فوزي لقجع
الكرة المغربية اليوم ليست كما كانت في السابق. هناك سياسة كروية حكيمة تقودها الدولة المغربية بإرادة ملكية سامية، جسدتها الجامعة الملكية برئاسة فوزي لقجع. تم إحداث مراكز تكوين حديثة، بناء ملاعب بمواصفات عالمية، تطوير منظومة التحكيم، الاستثمار في كرة القدم النسوية، وتبني مقاربة احترافية في التسيير المالي والإداري.

هذه السياسة جعلت من المغرب قوة صاعدة في إفريقيا، وهو ما تجلى في الألقاب القارية للأندية والمنتخبات السنية والصالات، إضافة إلى الحضور القوي في هيئات القرار الكروي الإفريقي والدولي.

7 ـ التتويج كإنصاف للسياسة الملكية
الفوز بكأس إفريقيا 2025 لن يكون مجرد لقب رياضي، بل سيكون إنصافاً للسياسة الكروية الحكيمة للدولة المغربية، وتثميناً للمجهودات الاستراتيجية التي بُذلت منذ سنوات. الكأس ليست فقط هدفاً رياضياً، بل هي تتويج سياسي ومعنوي، يثبت أن الاختيارات الاستراتيجية لم تكن عبثية بل مؤسسة على رؤية بعيدة المدى، ويكسر عقدة نصف قرن من الخيبات القارية.

في الاخير نؤكد أن الشعب المغربي يختصر انتظاراته كلها في جملة واحدة: الفوز بكأس إفريقيا في المغرب أو لا شيء.

إنها لحظة الحقيقة التي يمكن أن تحرر نصف قرن من الانتظار، وتمنح للكرة المغربية تاجها المستحق. كل مكونات اللعبة ـ لاعبين، مدربين، جامعة، جماهير ـ معنية بتحويل هذا الموعد إلى عرس تاريخي. فالتاريخ لا يرحم، ودجنبر 2025 ليس محطة عادية، بل امتحان وطني لإرادة جماعية عنوانها: أولا رفعة صورة المغرب كبلد يسير بثبات نحو العالمية الكروية ثم البحث عن التتويج القاري الذي أصبح مطلبا وطنيا.