ما هي المرجعية الأمازيغية؟ يتساءل المرء مستهزئا، ما المقصود بهذا المفهوم، معتقدا أننا نتلاعب بالكلمات.
في الحقيقة هذا المفهوم وراءه مجهود نظري وفلسفي عميق، بدأ التنظير له منذ سنوات، ولا زال مستمرا، يمكن أن يشمل كل التراكم العلمي والاكاديمي المنجز حول الثقافة والحضارة واللغة والتاريخ الامازيغي الذي انجزه الباحثون والاكاديميون في حقول معرفية مختلفة، لكن ما قام به المرحوم دا احمد الدغرني في أطروحة البديل الأمازيغي، يعتبر اللبنة الأولى لوضع الأسس النظرية والفلسفية والقانونية والسياسية والثقافية للمرجعية الأمازيغية وجعل لها اطارا تنظيميا حتى يتم تنزيلها وبلورتها كمشروع مجتمعي.
ولازال هذا المجهود متواصلا ومتجددا يتحين بالأفكار الجديدة والاجتهادات المعاصرة التي يتم تحقيقها في مسار البحث المعرفي والعلمي حول الحضارة الأمازيغية في شتى تجلياتها.
وإذا أردنا أن نلخص بشكل مقتضب وموجز، ماهي ركائز ومميزات المرجعية الأمازيغية وسياقات ظهورها، فإننا سنجملها في الآتي:
عرف المغرب بعد الاستقلال تجاذب تياران فكريان وسياسيان، يتصارعان من أجل فرض التوجه العام الذي يمكن أن تسير به البلاد، بغض النظر عن الايديولوجيات، وإنما سنضرب المثل بالمشاريع الفكرية، والتي تحاول أن تنطلق من مرجعيات فكرية وفلسفية ومعرفية لرسم التوجهات الكبرى لمسارات المجتمع في المستقبل، التي يمكن، على اثرها بناء التوجهات السياسية العامة، هاذان التياران هما :
تيار فكري وسياسي يدعو إلى قراءة التراث الديني والثقافي العربي الإسلامي وتحيينه، من أجل بناء "نهضة عربية" جديدة بالمغرب. وهذا التيار المهيمن بعد الاستقلال يعتبر المغرب جزءا لا يتجزأ من الشرق العربي ولا يمكن للبلد أن ينهض ويتقدم إلا من داخل بوثقة الثقافة "العربية الاسلامية"، هذا التيار يمثله المفكر محمد عابد الجابري. ويمكن قراءة مؤلفاته لمعرفة منطلقاته ومرجعيته خاصة حول "التراث والحداثة" و"نقد العقل العربي" (ويشمل هذا التيار كل الحساسيات السلفية والقومية واليسارية والاشتراكية والإسلاموية بالرغم من اختلافها السياسي والايديولوجي).
التيار الثاني، هو الآخر تيار فكري وفلسفي يعتمد على العدة المعرفية والنقدية والتاريخية، يدعو بشكل صريح إلى القطيعة بشكل بنيوي مع التراث العربي الإسلامي، ويدعو إلى تبني الأسس النظرية والفلسفية التي أدت إلى النهضة الغربية في السياسة والفكر والاقتصاد والصناعة والحضارة بشكل عام، فهذا التيار يقترح إجابة صريحة لسؤال "لماذا تقدم الغرب وتخلفنا نحن" وهي تبني نفس المعارف والمناهج وسلك نفس المسارات التي أدت إلى تقدم وازدهار الحضارة الغربية منذ القرن 16 م. يعني التوجه نحو الغرب وأوروبا تحديدا. وهذا التيار يمثله المفكر والمؤرخ عبدالله العروي، بالرغم من توجهاته العروبية في بداياته خاصة أثناء وبعد صدور كتابيه الآيديولوجيا العربية المعاصرة، وكتاب العرب والفكر التاريخيّ، ويبدو ان العروي نضج فكريا وفلسفيا وسياسيا بعد مرور عقود على صدور هذه الكتب، حيث بدأ يتخلص من اوهام القومية العربية على الأقل مع بداية عقد التسعينيات وذلك ما اتضح من قراءة خواطر الصباح لهذه الفترة ثم من خلال كتابه الصادر قبل سنوات قليلة من ديوان السياسة الذي وضح فيه موقفه من الأمازيغية ورسم مسافة مع الفكر القومي العربي.
لذلك فالتيار الأول يدعو إلى التوجه إلى الشرق، بينما يرى الأول أن الحل للخروج من التخلف هو التوجه نحو الغرب، أي أوروبا. لذلك لازال هاذان التياران يتصارعان ويتعاركان في المغرب من إجل الإقلاع والنهضة والتقدم... ويأخذ هذا الصراع أشكالا وأوجه مختلفة، تارة بين الاشتراكيين/ القوميين والمحافظين/ السلفيين، وتارة بين الاسلاميين وبين الليبراليين والعلمانيين، أو بين الاسلاميين والحداثيين... فقد ظهر هذا الصراع جليا وواضحا أثناء الخلاف السياسي الحاد بين حزب العدالة والتنمية واوساط داخل الدولة حول لغة التدريس، فالإسلاميين حاولوا رفض اللغة العربية بينما يدافع التيار الآخر المحسوب على الحداثة على الفرنسية..فيما يتجاهلان جميعا لغة البلد وهوية المغرب وهي الأمازيغية التي تعتبر اليوم الشرط الأساسي لولوج الحداثة والمعاصرة والدخول في سيرورة التحديث.
وفي خضم هذا التجاذب المفتعل، بين هذا وذاك، في ظل تفكك المغرب بين دعاة الشرقنة ودعاة "الغربنة". انبثقت المرجعية الأمازيغية التي تؤكد أنه لا يمكن للمغرب وبلدان شمال إفريقيا بشكل عام، أن يحقق تقدما ونهضة اقتصادية وحضارية وثقافية وفكرية، دون الاعتماد على الحضارة الأمازيغية ومنظومتها الثقافية والقانونية والسياسية والاقتصادية، وتحيينها وجعلها منطلق فكري ونظري لرسم التوجهات الكبرى للمشروع الحضاري الكبير الذي سيضع المغرب على سكة التقدم والازدهار، فاوروبا لم تحقق النهضة الفكرية والسياسية في القرن 16 م إلا بالعودة إلى الفكر اليوناني القديم وتحيينه وتطويره لمواجهة التحديات الكبرى التي عاشتها أوروبا خلال العصر الوسيط أهمها تسلط وهيمنة الكنيسة.
إذن فالمرجعية الأمازيغية هي الانطلاق من الأساس من الصلب الذي خلفته الحضارة الأمازيغية منذ قرون، فلا شك أن الامازيغ الاولون تركوا لنا معارف وقوانين ونظريات واختراعات كثيرة، في الحساب والطب والفيزياء، والصناعة والفكر والمنطق والجبر والرياضيات والسياسة وعلم الاجتماع وغيرها، (أنظر كتاب مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة الأمازيغية القديمة، لعبدالسلام بنميس)، هذه المعارف اخذتها الشعوب الأخرى وقامت باستثمارها بشكل جيد وسليم، وحققت بها نهضة عظيمة لأممها. وعلى رأس تلك النظريات والمعارف والخبرات في حقل السياسة مفهوم الديموقراطية فهو مفهوم انتجه الامازيغ وطبقوه قبل أن ياخذه عنهم غيرهم ويقوم بتوظيفه ونشره. فيما نحن المغاربة اليوم ندوس على هذه الحضارة الأمازيغية بأقدامنا ونحاول التنظير للعقل العربي والعقل الغربي، ونجري ورائهما بإسقاط تجاربهم على خصوصيتنا.
المرجعية الأمازيغية ليست رؤية ماضوية او سلفية، لا، إنها ليست كذلك، هي رؤية فكرية ومنهاج علمي يروم قراءة تاريخ الامازيغ وفهم حضارتهم وتحيينها وجعلها منطلق التفكير والتنظير لتحقيق مشروع مجتمعي شامل ومتكامل، لا يتأسس على نقل تجارب شعوب أخرى ويقوم بزرعها في تربة المغرب التي لها حضارتها وثقافتها وقوانينها ولغتها وعبقريتها ولها حقها في الحضارة الإنسانية... وهذا لا يعني انها غير منفتحة على ما وصلت إليه البشرية من تقدم علمي وتكنولوجي ومعرفي...لأن الانفتاح على الكونية لا يعني بالضرورة الذوبان السريع في الثقافات المعولمة والمهيمنة.
إننا نقترح ان يبدأ التفكير الجماعي في مستقبل بلادنا ومستقبل شعبنا، من خلال اعادة تركيب تاريخ فكري وسياسي وحضاري، بمنهج نقدي جديد، يبدأ بإعادة قراءة وفهم جيد لتاريخ الحضارة الأمازيغية التي كانت وجها مشرقا ومتقدما للضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، والتي واكبت كل مراحل تطور تاريخ الإنسانية، وعاصرت كل فترات التحول التي كان الفضاء المتوسطي مسرحا لها بضفتيه، وكانت الأمازيغية دوما مساهمة ومشاركة في كل المجالات والمستويات، بالإنتاج والبناء والتثاقف وبالصراع ايضاً...فالبناء الحضاري الكبير للأبيض المتوسط ساهمت فيه الأمازيغية بشكل فعال وقوي..
لذلك، فالمرجعية الأمازيغية هي نتاج لهذا التواكب التاريخيّ الطويل والممتد والتثافق الحضاري بين الأمازيغية والثقافات والحضارات الفاعلة في المتوسط، الحضارة اليونانية والفرعونيّة والفنيقية والرومانية والقرطاجية والتركية وغيرها ..
فما نقترحه في المشروع المجتمعي والحضاري الكبير بمرجعية امازيغية هو :
- بناء فكر سياسي جديد مبني على فلسفة سياسية مغايرة لما هو سائد في السياسة المغربية منذ السلفية الوطنية التي تم بنائها لمواجهة الثقافة الغربية الاستعمارية ؛
- انتاج خطاب سياسي نقدي بناء، ينطلق من الحضارة الامازبغية وثقافتها، التي تبدأ بتحرير الذات من فكر الهيمنة الثقافية والسياسية عن طريق تبديد الايديولوجيات المستوردة التي تمزج الدين بالسياسة للتحكم في عقول العباد واستغلال موارد البلاد؛
- الاشتغال على تحيين المؤسسات السياسية والاجتماعية الأمازيغية، وإعادة توظيفها لتواكب العصر ، بعد ادراك جيد للقيم السياسية النبيلة التي تؤطرها، كالحرية والديموقراطية والمساواة والعدل والكرامة والإنصاف...
- فتح نقاش داخل المجتمع بجميع بفئاته لتملك أسس هذه المرجعية الحضارية من خلال التعريف بالمؤسسات السياسية والاجتماعية والمنظومات الاقتصادية الأمازيغية والمعارف التي بلورتها الحضارة الأمازيغية لقرون طويلة، من خلال التعريف بمؤسسات ايت مراو وايت ربعين وانفلاس ونظام امغارن والآليات التي يتم اعتمادها قديما من خلال تشييع ثقافة الحرية والمساواة كفكرة الانتخاب وفكرة التداول والتناوب على السلطة وغيرها من الأنظمة السياسية الأمازيغية المحلية التي تعزز الديموقراطية والعدالة المجالية وترسخ ثقافة الحقوق من الاسفل؛
- ضرورة تملك الشعب للمعارف والمنظومات القانونية الأمازيغية التي تعتبر انموذجا عالميا راقيا في نظريات التشريع وصك القوانين ووضع الدساتير المجتمعية التي يرسمها المجتمع ويتملكها ويخضع لها، فنظام الدستوري الأمازيغي سابق عن النظام الدستوري الإنكليزي ويبدو ان الإنكليز اخذوا هذا النظام من الأمازيغ، لذلك فيجب حماية المنظومات القانونية الأمازيغية من الاندثار بتبنيها سياسيا والاشتغال على تحسينها وتحيينها، مادام أنها بينت إلى اليوم على فعاليتها واستدامتها واستمرارها بالرغم من الإقصاء المجحف الذي تعرضت له ..
- ان المرجعية الأمازيغية التي تملك تصورا متكاملا لإصلاح الأعطاب السياسية التي رسّختها الايديولوجيات المستوردة ترتكز بالدرجة الأولى على القيم الحضارية والثقافية النبيلة التي أطرت الحضارة الأمازيغية لقرون طويلة، فلا سياسة بدون قيم، ومن بينها الثقة، فالمرجعية الأمازيغية ترتكز على الثقة بشكل كبير، فالمنظومة الثقافية الأمازيغية تؤطرها الثقة في صناعة الثروة وفي الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، ومن شأنها ايضاً ان تساهم في البناء السياسي وتشييع الديموقراطية والحرية
- إن المرجعية الأمازيغية تسعى إلى كسر الهيمنة السياسية والثقافية بالمفهوم الگرامشي التي فرضت على الأمازيغية والأمازيغ الحاملين للهم الثقافي والهوياتي ولشعلة المرجعية منذ سنة 1930 حيث تم فبركة مفهوم خادع للوطنية بتنسيق مع الأوساط الاستعمارية لتحييد القبائل والزوايا الأمازيغية من حكم المغرب بعد الاستقلال ؛
- بناء فكر سياسي جديد مبني على فلسفة سياسية مغايرة لما هو سائد في السياسة المغربية منذ السلفية الوطنية التي تم بنائها لمواجهة الثقافة الغربية الاستعمارية ؛
- انتاج خطاب سياسي نقدي بناء، ينطلق من الحضارة الامازبغية وثقافتها، التي تبدأ بتحرير الذات من فكر الهيمنة الثقافية والسياسية عن طريق تبديد الايديولوجيات المستوردة التي تمزج الدين بالسياسة للتحكم في عقول العباد واستغلال موارد البلاد؛
- الاشتغال على تحيين المؤسسات السياسية والاجتماعية الأمازيغية، وإعادة توظيفها لتواكب العصر ، بعد ادراك جيد للقيم السياسية النبيلة التي تؤطرها، كالحرية والديموقراطية والمساواة والعدل والكرامة والإنصاف...
- فتح نقاش داخل المجتمع بجميع بفئاته لتملك أسس هذه المرجعية الحضارية من خلال التعريف بالمؤسسات السياسية والاجتماعية والمنظومات الاقتصادية الأمازيغية والمعارف التي بلورتها الحضارة الأمازيغية لقرون طويلة، من خلال التعريف بمؤسسات ايت مراو وايت ربعين وانفلاس ونظام امغارن والآليات التي يتم اعتمادها قديما من خلال تشييع ثقافة الحرية والمساواة كفكرة الانتخاب وفكرة التداول والتناوب على السلطة وغيرها من الأنظمة السياسية الأمازيغية المحلية التي تعزز الديموقراطية والعدالة المجالية وترسخ ثقافة الحقوق من الاسفل؛
- ضرورة تملك الشعب للمعارف والمنظومات القانونية الأمازيغية التي تعتبر انموذجا عالميا راقيا في نظريات التشريع وصك القوانين ووضع الدساتير المجتمعية التي يرسمها المجتمع ويتملكها ويخضع لها، فنظام الدستوري الأمازيغي سابق عن النظام الدستوري الإنكليزي ويبدو ان الإنكليز اخذوا هذا النظام من الأمازيغ، لذلك فيجب حماية المنظومات القانونية الأمازيغية من الاندثار بتبنيها سياسيا والاشتغال على تحسينها وتحيينها، مادام أنها بينت إلى اليوم على فعاليتها واستدامتها واستمرارها بالرغم من الإقصاء المجحف الذي تعرضت له ..
- ان المرجعية الأمازيغية التي تملك تصورا متكاملا لإصلاح الأعطاب السياسية التي رسّختها الايديولوجيات المستوردة ترتكز بالدرجة الأولى على القيم الحضارية والثقافية النبيلة التي أطرت الحضارة الأمازيغية لقرون طويلة، فلا سياسة بدون قيم، ومن بينها الثقة، فالمرجعية الأمازيغية ترتكز على الثقة بشكل كبير، فالمنظومة الثقافية الأمازيغية تؤطرها الثقة في صناعة الثروة وفي الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، ومن شأنها ايضاً ان تساهم في البناء السياسي وتشييع الديموقراطية والحرية
- إن المرجعية الأمازيغية تسعى إلى كسر الهيمنة السياسية والثقافية بالمفهوم الگرامشي التي فرضت على الأمازيغية والأمازيغ الحاملين للهم الثقافي والهوياتي ولشعلة المرجعية منذ سنة 1930 حيث تم فبركة مفهوم خادع للوطنية بتنسيق مع الأوساط الاستعمارية لتحييد القبائل والزوايا الأمازيغية من حكم المغرب بعد الاستقلال ؛
لهذا، على الجميع ان يستوعب ان المرجعية الأمازيغية تسعى إلى تصحيح الأعطاب السياسية الكبرى التي هيمنت على النسق السياسي المغربي أثناء الصراع مع الحماية الفرنسية والإسبانية، فهي تهدف بالدرجة الأولى إلى اعادة بناء مفهوم جديد للوطنية المغربية المبني على التنوع والاختلاف والتعدد في إطار الوحدة، والمبني ايضاً على الاعتراف والإنصاف وعلى الكرامة ...
