يبدو أن الدعوات المطروحة للخروج إلى الشارع الجزائري، يوم 8 غشت 2025 لم تأتِ من فراغ، وليست مجرد ردّ فعل عاطفي عابر، بقدر ما تعكس حالة احتقان شعبي متصاعد تنذر بأن الجزائر دخلت مرحلة جديدة من التعبير الجماعي.
فالغضب لم يعد حكرًا على النخب أو الناشطين، بل أصبح شعورًا مشتركًا بين شرائح واسعة من المجتمع: من العمال البسطاء، إلى الشباب العاطلين، والمتقاعدين، وصولًا إلى الطلبة. الجميع بات يشعر بأن "السيف بلغ العظم".
لسنوات، انتهجت السلطة أسلوب المعالجة السطحية للأزمات، وفضّلت التجميل على الحلول الحقيقية. القرارات المتخذة في مختلف القطاعات وُصفت بالعشوائية، تغيب عنها الرؤية الاستراتيجية والمشروع الوطني الجامع. في ظل غياب العدالة الاجتماعية والكرامة وتردّي الكفاءة في التسيير، تفاقم الفساد، وتزايدت القيود المفروضة على الحريات، وسط صمت رسمي لافت، وكأن البلاد لا تقف على فوهة بركان.
دعوة التظاهر في 8 غشت لا تبدو مدفوعة بأجندات خارجية كما يُروّج في بعض الخطابات، بل هي نتيجة طبيعية لحالة انسداد سياسي ومجتمعي، دفع بالمواطن إلى اعتبار الشارع وسيلته الوحيدة للتعبير، بعد أن تم إفراغ مؤسسات الوساطة والحوار من محتواها، وتحويلها إلى مجرد واجهات شكلية.
المقلق في هذه المرحلة أن ممارسات الدولة تُعيد إنتاج مقدمات الأزمات التي شهدتها دول أخرى. عندما يُهمّش صوت الشعب، ولا يُؤخذ الغضب على محمل الجد، تصبح احتمالات الانفجار واردة، وقد يتحوّل الاحتجاج السلمي إلى فوضى غير محسوبة العواقب.
- الجزائر على مفترق طرق حاسم:
إما أن يكون هذا الحراك دافعًا نحو إصلاح سياسي جذري يعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، أو - لا قدّر الله - بوابة نحو أزمة مفتوحة على سيناريوهات غير مضمونة، لا تقل خطورة عما عاشته دول مثل سوريا وليبيا في بدايات انهيارهما.
السلطة اليوم أمام اختبار حقيقي: أن تصغي بدل أن تتهم، أن تستجيب بدل أن تكمم الأفواه. فما يجري ليس تمرّدًا، بل صرخة مجتمع يشعر بأنه فقد كل شيء، ولم يعد ينتظر شيئًا.
كريم مولاي، خبير أمني جزائري -لندن
.png)
