« ماذا يقول لنا طوطو؟ يخلط بين اللغات، ولم أفهم كل ما قاله. لكنني فهمت شيئاً واحداً: العنف! » — الطاهر بن جلون
لم يمرّ حفل مغني الراب ElGrandeToto في مهرجان موازين مرور الكرام. ففي الوقت الذي جذب فيه نحو 400 ألف متفرج في ساحة السويسي بالرباط بتاريخ 28 يونيو 2025، أثار، من جهة أخرى، نقاشاً مجتمعياً واسعاً، خاصة بعد أن بثته القناة العمومية 2M مساء 2 يوليوز، حيث تابعه أكثر من 5.4 مليون مشاهد.
لكن ذلك لم يخلُ من الجدل، إذ تلقّت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) ما يقارب 190 شكاية بسبب ما اعتُبر “إخلالاً بالأخلاق العامة”.
فنان بين التأثير والازعاج
وجدت الهاكا نفسها أمام معادلة صعبة: كيف التعامل مع فنان مؤثر، لكنه مثير للجدل، عندما يلامس القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع؟
وفي 22 يوليوز، قررت الهيئة حفظ الملف دون توجيه أي عقوبة، باستثناء ملاحظات للقناة المعنية حول ضرورة احترام الحياد والمهنية.
هذا القرار قوبل بانتقادات من جهات اعتبرته "تساهلاً مفرطاً"، في حين اعتبره آخرون دفاعاً عن حرية الإبداع في سياق مجتمعي تزداد فيه التوترات.
حرية مكبّلة بالسياق الأخلاقي
رغم أن دستور 2011 يضمن حرية التعبير والإبداع والتعدد الثقافي، إلا أن هذه الحريات تمارس ضمن إطار تُحدّده هوية دينية محافظة وقيم تقليدية راسخة.
بالتالي، فحرية التعبير ليست مطلقة، بل تخضع لتوازن حساس بين الانفتاح والضوابط الأخلاقية. هذا التوتر تحديداً، يجسّده طوطو في حضوره وخطابه.
وتجدر الإشارة إلى أنه في وقت سابق، وبسبب تصريحاته حول استهلاك القنب الهندي، واجه طوطو متابعة قضائية سنة 2023، اضطر إثرها إلى تقديم اعتذار علني، مؤكداً أنه “أُسيء فهمه”، وأن “الراب لغة خاصة”.
نجم للرأي العام المنقسم
لا يكتفي طوطو بالغناء، بل أصبح رمزاً ثقافياً لجيل جديد. البعض يعتبره مرآة لواقع شبابي يعيش تحولات اجتماعية واقتصادية حادة، فيما يراه آخرون رمزاً للانحلال والانفلات.
الكاتب المغربي الطاهر بن جلون انتقد بشدة أسلوب طوطو، واعتبر موسيقاه عنيفة وخالية من أي عمق فكري. لكن السؤال المطروح: هل دور الفنان هو التربية؟ أم نقل صوت مجتمعه بكل تناقضاته؟
الراب، كما يرى بعض الباحثين مثل الباحثة الأمريكية المتخصصة في علم الإجتماع Tricia Rose : ليس مجرد موسيقى، بل “شكل من أشكال التعبير السياسي والاجتماعي”.
وهنا تحضر المفارقة: المجموعة الغنائية الشهيرة ناس الغيوان، الذين يُحتفى بهم اليوم، ألم تكن في السبعينات من القرن الماضي عرضة للتضييق لنفس الأسباب.
ازدواجية المعايير؟
قرار الهاكا أثار أيضاً تساؤلات حول معايير انتقائية. فبعض النقاد طرحوا سؤالاً محرجاً: لماذا يُستهدف طوطو Toto تحديداً، في حين تُبثّ عروض لفنانين أجانب (غربيين) أكثر جرأة دون أدني اعتراض؟
الجواب، بحسب هؤلاء، يكمن في القرب الثقافي: طوطو يتحدث بلغة المغاربة، يخاطب أبناءهم، ويعبّر عن واقعهم، ما يجعله أكثر استفزازاً من المغني الأجنبي “الغريب”.
الجواب، بحسب هؤلاء، يكمن في القرب الثقافي: طوطو يتحدث بلغة المغاربة، يخاطب أبناءهم، ويعبّر عن واقعهم، ما يجعله أكثر استفزازاً من المغني الأجنبي “الغريب”.
الفراغ التشريعي في التعامل مع الثقافة الحضرية
تكشف “قضية طوطو” مرة أخرى عن غياب رؤية واضحة للدولة حول مكانة الثقافة الحضرية في المغرب. فمحاولة التوفيق بين الانفتاح الأخلاقي والرقابة المؤسساتية، وبين التعدد والهوية، تنتج منطقة رمادية يتحوّل فيها كل فنان إلى “ملف حساس”.
في هذا السياق، لا يمكن التعامل مع كل موجة احتجاج بشكل منفصل، بل هناك حاجة إلى عقد ثقافي جديد، شجاع وشفاف، يحدّد بوضوح حدود التعبير الفني في المغرب.
في هذا السياق، لا يمكن التعامل مع كل موجة احتجاج بشكل منفصل، بل هناك حاجة إلى عقد ثقافي جديد، شجاع وشفاف، يحدّد بوضوح حدود التعبير الفني في المغرب.
فالواقع يقول: لا يمكن مطالبة الشارع بالصمت، بينما نضع الميكروفون بين يديه.
ملحوظة لها علاقة بالموضوع:
حالة شبيهة: “الروك الشيطاني” سنة 2003
ملحوظة لها علاقة بالموضوع:
حالة شبيهة: “الروك الشيطاني” سنة 2003
في فبراير 2003، تم اعتقال 14 شاباً موسيقياً في الدار البيضاء، بسبب ممارستهم لموسيقى “الهارد روك”، وُجهت لهم تهم تتعلق بـ”الشيطنة” و”الإخلال بالأخلاق”، فقط بسبب امتلاكهم لملابس سوداء وجماجم مطاطية.
اليوم، يظهر طوطو على المسرح بقميص كتب عليه « Salgot » — كلمة بالدارجة تعني “منحرف” — يحوّلها بنفسه إلى رمز اعتزاز من خلال دمجها مع عبارة GOAT (الأعظم في كل الأوقات).
اليوم، يظهر طوطو على المسرح بقميص كتب عليه « Salgot » — كلمة بالدارجة تعني “منحرف” — يحوّلها بنفسه إلى رمز اعتزاز من خلال دمجها مع عبارة GOAT (الأعظم في كل الأوقات).
Article19.ma