Monday 21 July 2025
سياسة

المبادرة الأطلسية المغربية: رؤية ملكية متبصّرة لتكامل إفريقيا وتنميتها المستدامة

المبادرة الأطلسية المغربية: رؤية ملكية متبصّرة لتكامل إفريقيا وتنميتها المستدامة مشروع استراتيجي بقيادة الملك محمد السادس يهدف إلى تمكين دول الساحل من منفذ بحري وتنمية مستدامة
في ظل التحديات المتنامية التي تواجه إفريقيا، تبرز مبادرة الأطلسي المغربية كواحدة من أبرز المشاريع الاستراتيجية التي أطلقها المغرب بقيادة الملك محمد السادس، لتُجسد رؤية شاملة، استشرافية، وعميقة لمستقبل القارة. هذه المبادرة، التي تم الإعلان عنها في خطاب ملكي تاريخي يوم 6 نوفمبر 2023، لا تمثّل فقط مشروعاً للتعاون مع دول الساحل، بل تعكس فلسفة مغربية راسخة في العمل الإفريقي المشترك، تقوم على مبادئ التضامن، والاندماج، والاعتماد على الذات.
رؤية ملكية استباقية وعادلة
لقد أثبتت التجربة أن الملك محمد السادس لطالما تميّز بقدرة فريدة على استشراف التحولات الجيوسياسية والاقتصادية، وبتوجه ثابت نحو جعل إفريقيا مركزاً للقرار وليس هامشاً للتبعية. ومن هذا المنطلق، تأتي المبادرة الأطلسية المغربية لتترجم هذه الرؤية الواقعية والطموحة في آن واحد، عبر خلق آليات عملية لتمكين دول الساحل من منفذ بحري نحو الأطلسي، وتحويل الجغرافيا من عبء إلى فرصة.
فبفضل هذه المبادرة، تخرج دول مثل النيجر، مالي، وبوركينا فاسو من عزلة البحر نحو فضاء الانفتاح الاقتصادي العالمي، بما يُمكّنها من تعزيز تجارتها الخارجية، واستقطاب الاستثمارات، وبناء منظومات إنتاجية قادرة على المنافسة، وذلك في إطار شراكة رابح-رابح مع المغرب.
 
محور تنموي جديد على ضفاف الأطلسي
المبادرة لا تقتصر على البنية الجغرافية، بل تقترح محوراً تنموياً كاملاً يمتد من الدار البيضاء إلى نيامي مروراً بالداخلة، وهيكل تنموي يرتكز على الاستثمار في البنية التحتية، وربط الموانئ، وخلق مناطق لوجستيكية حديثة، تجعل من الواجهة الأطلسية منصة إفريقية رائدة في التجارة العالمية.
 
ويُعد مشروع ميناء الداخلة الأطلسي أحد أبرز المشاريع الداعمة لهذه الرؤية، إذ سيكون بوابة بحرية استراتيجية ليس فقط للمغرب، بل لجميع دول الساحل، عبر ربطها بشبكات التجارة العالمية وتسهيل الولوج إلى الأسواق الدولية.
 
عدالة مناخية وتنمية خضراء
من الجوانب الأكثر ابتكاراً في المبادرة، هو تركيزها على العدالة المناخية والانتقال الطاقي. فالرؤية الملكية تضع إفريقيا في صلب النقاش العالمي حول التغيرات المناخية، ليس باعتبارها ضحية فقط، بل كشريك قادر على إبداع حلول. ولهذا، تقترح المبادرة مشاريع ملموسة في الطاقات المتجددة (الشمسية، الريحية، والهيدروجين الأخضر)، ما من شأنه تمكين دول الساحل من استقلالها الطاقي وتخفيف هشاشتها في وجه التقلبات الدولية.
 
وفي زمن تتصاعد فيه الحاجة إلى نماذج اقتصادية تحترم البيئة وتُراعي الاستدامة، يُقدّم المغرب عبر هذه المبادرة نموذجاً تنموياً بُني على الانسجام بين النمو والبيئة، بين الطموح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
 
رافعة للاندماج الإفريقي الحقيقي
ليست هذه المبادرة منعزلة عن باقي التوجهات الملكية، بل تنسجم تماماً مع سياسة المغرب الإفريقية، التي شهدت خلال العقدين الأخيرين تحولات استراتيجية جوهرية، سواء من خلال العودة القوية إلى الاتحاد الإفريقي، أو عبر الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف التي نسّجها المغرب مع أكثر من 40 دولة إفريقية.
 
وفي هذا السياق، فإن مبادرة الأطلسي تمثل رافعة فعالة لتعزيز الاندماج الإفريقي، وتجسيد طموحات “إفريقيا للأفارقة” التي دعا إليها جلالة الملك مراراً، بعيداً عن الحلول المفروضة خارجياً أو الرهانات الجيوسياسية الضيقة.
 
مشروع استراتيجي بُني على الثقة والالتزام
النجاح المرتقب للمبادرة الأطلسية المغربية ليس رهيناً بالإمكانات فقط، بل بالثقة التي يُلهمها المغرب في محيطه الإفريقي. فالمملكة، بقيادة جلالة الملك، قد راكمت رصيداً من المصداقية السياسية والاقتصادية بفضل سياساتها المتوازنة، واستقرارها الداخلي، ونجاح نموذجها التنموي، ما يجعلها فاعلاً موثوقاً في المنطقة.
 
ثم إن المبادرة لا تقوم على منطق الهيمنة أو التفضيل، بل على التشارك العادل، والاحترام المتبادل، وتوزيع المنافع بشكل متوازن، وهي عناصر نادراً ما اجتمعت في مشاريع تنموية إقليمية سابقة.
 
خلاصة: الملك يقود إفريقيا نحو مستقبلها
في المحصلة، فإن المبادرة الأطلسية المغربية ليست فقط مبادرة جغرافية أو اقتصادية، بل هي انعكاس مباشر لذكاء استراتيجي ملكي يرى المستقبل بعين الوضوح والحكمة. مشروع ينبني على الفعل الميداني، لا على الخطابات الرنانة. على التعاون العادل، لا على المساعدات المشروطة. على الاستثمار في الإنسان، لا في المعادلات السياسية العقيمة.
 
إنها دعوة من جلالة الملك لإفريقيا كي تثق بنفسها، ولشعوبها كي تصنع مستقبلها بأيديها، وهو ما يجعل من هذه المبادرة، في نظر كثير من المتابعين والخبراء، واحدة من أقوى التصورات الإفريقية للتحرر الاقتصادي، والاندماج الإقليمي، والتحديث المسؤول.