Wednesday 16 July 2025
كتاب الرأي

عبد الحكيم العياط: الرهانات والتحديات في إصلاح النظام الصحي

عبد الحكيم العياط: الرهانات والتحديات في إصلاح النظام الصحي عبد الحكيم العياط
في خطاب سياسي مهم أمام البرلمان يوم الإثنين 7 يوليوز 2025، تناول رئيس الحكومة عزيز أخنوش ملف المنظومة الصحية الوطنية، معتبرًا إياه أحد أعمدة البرنامج الحكومي في المرحلة الراهنة. 
 
وقد جاء الخطاب محمّلاً بنبرة تفاؤل واضحة، مع استعراض أرقام طموحة ومشاريع هيكلية كبرى، عكست ما اعتُبر إرادة سياسية لتجاوز واقع صحي متأزم، والسير نحو تحقيق ما وصفه الخطاب بـ"السيادة الصحية" للمملكة المغربية كاشفاً عن ما وصفه بـ"المنجزات الراهنة والتطلعات المستقبلية"، في سياق يروم تعزيز مكانة القطاع الصحي كمحور استراتيجي لتحقيق التنمية الشاملة وتكريس السيادة الوطنية.
 
 وبالرغم من التفاؤل الذي طبع هذا الخطاب، والمشاريع الطموحة التي أعلن عنها، فإن التحليل الأكاديمي والإداري يفرض التوقف عند عدة نقاط تتعلق بمدى واقعية هذه التطلعات، خاصة أمام تعقيد الوضع الصحي في المغرب وما يطرحه من تحديات مزمنة.
أولى هذه النقاط تتعلق بالشق التشريعي والمالي. فبإخراج القانون الإطار 22-06 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، إلى جانب مجموعة من القوانين المواكبة، مثل الهيئة العليا للصحة، والمجموعات الصحية الترابية، والوظيفة الصحية، ووكالتي الأدوية والدم، تكون الحكومة قد وضعت الأسس القانونية لإصلاح شامل. كما أن تخصيص ميزانية قياسية للقطاع، وصلت إلى 32.6 مليار درهم سنة 2025 بعدما كانت في حدود 19.7 مليار درهم سنة 2021، يؤكد وجود إرادة مالية لدعم هذا الورش. ومع ذلك، فإن السؤال الأساسي الذي يُطرح هو: هل يمكن تحويل هذه النصوص والأرقام إلى تحسين فعلي في واقع الصحة العمومية؟ وهل سينتظر المواطن عشر سنوات كما ألمح الخطاب، كي يلمس التغيير في جودة الخدمات؟ أم أن الزمن الاجتماعي سيفرض تسريع وتيرة الإنجاز والمحاسبة؟.
 
من جهة أخرى، فإن مشاريع تأهيل المراكز الصحية، التي يفوق عددها 1400 مركز من الجيل الجديد، وتوسيع الشبكة الاستشفائية الجامعية، تمثل خطوة أساسية نحو تقليص الفوارق الصحية وتحقيق العدالة المجالية. غير أن واقع الحال يُظهر أن هذه المشاريع، إن لم تُرفق بتوفير أطر طبية وتمريضية مؤهلة، وتحفيزها على الاستقرار في مواقع العمل، فإنها قد تبقى مجرد منشآت فارغة من مضامينها. فالتاريخ القريب للمغرب حافل بتجارب مراكز طبية تم افتتاحها في المناطق القروية، لكنها لم تستطع الاشتغال بسبب غياب الأطر أو ضعف التجهيزات أو ضعف ثقة الساكنة في خدماتها.
 
وبالنسبة للموارد البشرية، فقد أعلنت الحكومة نيتها رفع عدد المهنيين إلى أكثر من 90 ألف شخص في أفق 2026، والوصول إلى معدل 45 مهنياً لكل 10 آلاف نسمة في أفق 2030، مع توسيع طاقة كليات الطب والمعاهد التمريضية. لكنّ الإشكال الجوهري يتمثل في استمرار نزيف هجرة الكفاءات نحو الخارج، بسبب ظروف العمل غير المناسبة، وضعف التحفيز، ونقص آفاق التطور المهني. وعلى الرغم من إدراج قانون الوظيفة الصحية وتحسين الوضعية المادية، فإن هذا لا يكفي لوحده لوقف نزيف الهجرة، ما لم يتم تحسين مناخ العمل والاعتراف بالجهود وتحقيق شروط الكرامة المهنية داخل أرض الوطن.
 
أما ما يتعلق بالحكامة، فقد أعلن رئيس الحكومة عن بدء العمل بمنظومة المجموعات الصحية الترابية، انطلاقًا من جهة طنجة تطوان الحسيمة، في إطار تعزيز اللامركزية وتحقيق تدبير أقرب للخصوصيات المحلية. هذا الخيار، على أهميته، لا يمكن أن ينجح دون توفير الموارد البشرية والمالية الكافية، ومنح هذه المجموعات استقلالية حقيقية في اتخاذ القرار بعيداً عن المركزية المفرطة. كما أن ضمان التنسيق بين المكونات المختلفة داخل هذه المجموعات يشكل تحدياً حقيقياً لا يجب الاستهانة به.
 
وفي الشق المرتبط بالرقمنة، تم الإعلان عن مشروع النظام المعلوماتي الوطني الصحي، الذي سيمكن من تتبع ملفات المرضى، وتنظيم المواعيد، وضبط الإنفاق الطبي. وهي خطوة ضرورية لتحديث القطاع وتحسين الشفافية، لكنها تواجه صعوبات كبيرة في التفعيل، تتعلق بالبنية التحتية الرقمية الضعيفة في بعض الجهات، وضعف تكوين الموارد البشرية، ومقاومة التغيير داخل الإدارات، فضلاً عن التحديات المرتبطة بحماية المعطيات الشخصية للمواطنين.
على صعيد آخر، حمل الخطاب إشارات مهمة تتعلق بتحقيق السيادة الدوائية، من خلال إنشاء الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، وخفض أسعار الأدوية، وتشجيع التصنيع المحلي، بما في ذلك إنتاج اللقاحات. 
 
هذه التوجهات الاستراتيجية تهدف إلى تخفيف التبعية للسوق الدولية، وضمان استقرار العرض الداخلي. غير أن استمرار ارتفاع أسعار الأدوية بالنسبة لشريحة واسعة من المواطنين، خاصة في غياب آليات دعم مباشرة، يجعل هذا الطموح مهدداً ما لم تُتخذ تدابير ملموسة لتقليص الكلفة النهائية للدواء وتحسين فعالية سلاسل الإمداد.
 
وفي الختام، فإن خطاب رئيس الحكومة، الذي جاء منسجماً مع الرؤية الملكية التي تعتبر الصحة ركيزة من ركائز العدالة الاجتماعية، يعكس وجود وعي سياسي بأهمية ورش الإصلاح الصحي. إلا أن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على تفعيل هذه الإصلاحات على أرض الواقع، ومواكبة تنفيذها بنجاعة وحكامة حقيقية، واستحضار البعد الاجتماعي في كل مرحلة من مراحل تنزيل هذا الورش. فالمواطن المغربي اليوم لا يطلب أكثر من حقه في خدمة صحية كريمة، وفي انتظار ذلك، تظل الحكومة مطالبة بإدارة توقعاته بشفافية ومسؤولية، مع الحرص على أن لا تبقى الإصلاحات حبراً على ورق أو مجرد خطب سياسية، بل واقعاً يلمسه المواطن في كل زيارة إلى مركز صحي أو مستشفى عمومي.
 
عبد الحكيم العياط /باحث جامعي في العلوم السياسية ومتصرف بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية