Monday 7 July 2025
جالية

صورية موقيت: هجرة اليد العاملة المؤهلة مبدأ الربح المتبادل.. فرصة جديدة للمغرب وألمانيا

صورية موقيت: هجرة اليد العاملة المؤهلة مبدأ الربح المتبادل.. فرصة جديدة للمغرب وألمانيا الرئيس الألماني يوآخيم غاوك أثناء توشيح صورية موقيت بوسام الاستحقاق للجمهورية الألمانية في 2016

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، هاجر عدد كبير من المغربيات والمغاربة إلى ألمانيا. وكانت الأسباب واضحة: بعد استقلال المغرب عام 1956، شهدت البلاد ارتفاعًا كبيرًا في معدلات البطالة، بينما كانت الجمهورية الألمانية الاتحادية الصاعدة والخارجة من جراح الحرب العالمية الثانية، بحاجة ماسّة إلى الأيدي العاملة. كانت تلك فترة "المعجزة الاقتصادية" – نهضة اقتصادية ما كانت لتتحقق لولا مساهمة العمالة الأجنبية.

وبعد أكثر من نصف قرن، يواجه كل من المغرب وألمانيا من جديد تحديات بنيوية يمكن – كما في الماضي – معالجتها من خلال هجرة عمل منظمة، عادلة، واستشرافية يتم التخطيط لها بشكل استراتيجي.

 

صورية موقيت

 

فلاشباك: العمال المغاربة لإعادة إعمار ألمانيا

قدّم ما سمي وقتها بـ"العمال الضيوف" من دول مثل إيطاليا وتركيا واليونان والمغرب مساهمة لا غنى عنها في إعادة إعمار جمهورية ألمانيا الاتحادية. فقد وجدوا فرص عمل في مصانع الصلب والتعدين والصناعة والزراعة، مساهمين بذلك مساهمة كبيرة في المعجزة الاقتصادية الألمانية.

في أوائل ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، سافرت لجان التوظيف الألمانية خصيصًا إلى المغرب لاختيار المعنيين بالأمر، وإجراء المقابلات، وترتيب عقود العمل. كان هذا التوظيف المنهجي، المدعوم مؤسستيًا، عاملًا رئيسيًا في نجاح سياسة الهجرة في ذلك الوقت. وهذا النوع من التعاون المنظم هو ما نفتقده اليوم.

من الأمثلة البارزة على هذا الشكل المبكر من التعاون العابر للحدود الوطنية دور الاتحاد النسوي المغربي. فبالتعاون مع شركات مثل مصنع الشوكولاتة في شمال الراين- وستفاليا، شارك الاتحاد النسائي بنشاط في اختيار المرشحات للهجرة. وتولى مهمة تحديد النساء ذوات المؤهلات اللازمة والتوصية بهن للشركات. وقد تم اعتماد معظم هذه التوصيات بنجاح - وهو مثال مبكر على فعالية المجتمع المدني والتعاون التجاري على المستوى الدولي. لولا مساهمة هؤلاء الرجال والنساء، لما كان تصور تطور ألمانيا الاقتصادي لتصبح واحدة من الدول الصناعية الرائدة في العالم. ووفقًا للوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية وحماية المناخ، ساهم العمال المهاجرون مساهمة حاسمة في مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بين عامي 1960 و1980. هذه التجارب السابقة ليست ذات أهمية تاريخية فحسب، بل ينبغي أن تُشكل أيضًا نموذجًا للشراكات الحالية بين المغرب وألمانيا. لقد حان الوقت للاستفادة من الهياكل المجربة وتكييفها مع التحديات الحالية من أجل تمكين سياسة هجرة عادلة ومستدامة في القرن الحادي والعشرين.

الحاضر: دولتان - تحديات متكاملة - حلول مشتركة

يواجه المغرب فرصة مزدوجة: يتمتع بساكنة شبابية متعلمة ومتحمسة. في الوقت نفسه، يعاني سوق العمل من هشاشة بالنسبة للعديد من الشباب: وفقًا للبنك الدولي، يبلغ معدل بطالة الشباب (15-24 عامًا) حوالي 33%، وهو من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويتخرج عشرات الآلاف من الجامعات المغربية سنويًا، وكثير منهم يفتقرون إلى آفاق وظيفية واضحة. حددت الحكومة برئاسة عزيز أخنوش لنفسها هدفًا طموحًا يتمثل في توفير مليوني وظيفة خلال الفترة التشريعية الحالية (2021-2026). ومع ذلك، في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية ومحدودية الطلب الداخلي، لا يزال هذا الهدف بعيد المنال. تُشكل البطالة الهيكلية المرتفعة بين الخريجين الشباب والداخلين إلى سوق العمل تحديًا اجتماعيًا واقتصاديًا، وتتطلب حلولًا مبتكرة. من جهتها تواجه ألمانيا، بدورها، منعطفًا ديموغرافيًا. إذ سيتقاعد أكثر من 12 مليون شخاص من جيل ما يُسمى بـ"جيل طفرة المواليد" (بين عامي 1955 و1969) بحلول عام 2035. ووفقًا لمعهد أبحاث التوظيف (IAB) الألماني، فإن حوالي 1.7 مليون وظيفة شاغرة بالفعل، وهذا الاتجاه آخذ في الارتفاع. وتتأثر بشكل خاص مهن التمريض والرعاية الصحية، والحرف الماهرة، وقطاع تكنولوجيا المعلومات، والتعليم. هذا يخلق واقعين متكاملين محتملين: طلب هائل على العمالة الماهرة في ألمانيا وإمكانات كبيرة للشباب في المغرب الذين ينتظرون الفرص. ما أثبت نجاحه بالفعل في الستينيات والسبعينيات - هجرة العمالة المنظمة والعادلة - يمكن إعادة تصوره اليوم كشراكة حديثة على قدم المساواة. ومع ذلك، على عكس الماضي، فإن ما نحتاجه اليوم هو هياكل ثنائية مستدامة تركز على التدريب والضمان الاجتماعي والمشاركة الاجتماعية. لا يمكن لاتفاقية تنقل العمالة الألمانية المغربية الجديدة أن تعوض النقص في العمالة الماهرة فحسب، بل ستساهم أيضًا في استقرار المجتمع المغربي - على سبيل المثال، من خلال التحويلات المالية التي تعزز القدرة الشرائية، وتكل تأمينا للأسر، وتحفز الاقتصاد المحلي. وفقًا للبنك الدولي، يرسل المغاربة في الخارج أكثر من 11 مليار دولار أمريكي إلى عائلاتهم سنويًا - أي ما يعادل أكثر من 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب.

حان الوقت لترجمة الرؤى إلى هياكل سياسية. فالخبرة التاريخية والاحتياجات الحالية تشهد على العمل المشترك - الاستراتيجي والعادل والموجه نحو المستقبل.

 

الهجرة الهيكلية: ما ينقصنا حتى الآن

على الرغم من التآزر الواضح بين التغير الديموغرافي في ألمانيا وإمكانيات توظيف الشباب الوافد من المغرب، لا تزال الهياكل السياسية المستدامة غائبة. فلا يمتلك الجانب المغربي ولا الألماني منصة مؤسستية دائمة تُخطط وتُنسق وتدعم هجرة العمالة الثنائية استراتيجيًا.

هناك مبادرات تجريبية مهمة، مثل برنامج الوكالة الألمانية للتعاون الدولي "THAMM - نحو نهج شامل لحوكمة هجرة العمالة وتنقل العمالة في شمال إفريقيا"، الذي يهدف إلى تحسين أسس هجرة عمالة إنسانية بين شمال أفريقيا وأوروبا. كما تسعى مبادرة خبراء الوكالة الألمانية للتعاون الدولي مع المؤسسات المغربية الشريكة إلى تحقيق أهداف طموحة في مجالات التدريب والتوظيف. ومع ذلك، فإن هذه البرامج محدودة زمنيًا، ومحدودة مواضيعيًا، ومجزأة جغرافيًا. ولا يزال تأثيرها متقطعًا، إذ تفتقر إلى استراتيجية هيكلية شاملة.

يجب أن يتجاوز نموذج مستدام لهجرة العمالة الموجهة نحو المستقبل مجرد توفير فرص عمل مؤقتة، بل يجب أن يكون قابلاً للتطبيق قانونيًا واجتماعيًا واقتصاديًا - من كلا الجانبين. ويشمل ذلك:

• عملية توظيف شفافة وعادلة ورقمية،

• إجراءات الاعتراف بالمؤهلات،

• دعم الضمان الاجتماعي والاندماج في ألمانيا،

• بالإضافة إلى فرص العودة وإعادة الاندماج للراغبين في العودة إلى المغرب.

يتطلب هذا مؤسسة منسقة على الصعيدين الوطنيين لا تنظر إلى الهجرة كاستثناء، بل كاستراتيجية طويلة الأجل - بروح سياسة التنمية التعاونية.

يمكن لمجلس هجرة ألماني مغربي، مُدمج في الاتفاقيات الدولية والمعايير متعددة الأطراف، مواكبة هذا التحدي. لن يقتصر دوره على حشد العمالة الماهرة فحسب، بل سيعزز أيضًا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية من كلا الجانبين. الهجرة المنظمة ليست مخاطرة - بل فرصة. ما ينقصنا هو الإرادة السياسية، والترابط المؤسساتي، ومنظور متعدد الأطراف للمسؤولية المشتركة.

 

نداء سياسي: مؤسسات من أجل مسؤولية مشتركة

هجرة العمالة ليست مجرد مسألة تكافؤ في سوق العمل، بل هي مهمة سياسية واجتماعية واقتصادية ذات أهمية وطنية ودولية. ما ينقص اليوم هو وكالة دائمة ثنائية منتقلة للتدريب، مدعومة من كلا البلدين، لا تنظر إلى الهجرة كواقعة معزولة، بل كواقع منظم ومُدار بشكل تعاوني. ينبغي أن تُزوَّد هذه المؤسسة بصلاحيات واضحة، تشمل:

• تحديد فجوات المهارات والقطاعات ذات الأولوية (مثل التمريض، والتعليم، والحرف الماهرة، وتكنولوجيا المعلومات).

• تطوير برامج تدريب مزدوجة ومؤهلات مهنية بالتعاون مع المدارس المهنية وغرف التجارة والصناعة.

• دعم اللغة التحضيرية والتكامل في المغرب لضمان تكافؤ الفرص.

• الحماية الاجتماعية والعمالية للمهاجرين، بما في ذلك وفقًا لمعايير العمل الأساسية لمنظمة العمل الدولية.

• الدعم أثناء العودة، وإعادة الإدماج المهني، وتشجيع الاستثمار في بلد المنشأ.

ينبغي أن تكون الوكالة المتنقلة هذه تحت الرعاية السياسية لكلا الحكومتين. فهذا هو السبيل الوحيد لضمان الشرعية السياسية والاستدامة والفعالية اللازمة.

وستتولى هذه الوكالة المهام التالية:

• إجراء تحليلات سوق العمل القائمة على الاحتياجات في كلا البلدين

• تطوير شراكات تدريبية، لا سيما في المهن التي تعاني من نقص

• تنظيم دورات لغوية ودورات تكامل إلزامية قبل الهجرة

• ضمان المعايير القانونية والاجتماعية والأخلاقية لجميع المعنيين

• وضع برامج للعودة وإعادة الاستثمار وإعادة الإدماج من أجل التنمية المستدامة في المغرب

الخلاصة: التعلم من التاريخ - من أجل مستقبل مشترك

يُظهر التاريخ أنه لولا العمال الأجانب، لما كان النهوض الاقتصادي لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ممكنًا. وقد كان العمال المغاربة جزءًا من جهود إعادة الإعمار هذه. تحتاج ألمانيا إلى عمال مهرة، بينما يحتاج المغرب إلى فرص عمل لشبابه. إذا استجمعت الحكومتان الشجاعة لإدارة الهجرة، بل وبلورتها بفعالية، فسيظهر نموذج يتجاوز المصالح الثنائية، يعزز شراكة من أجل هجرة منظمة وعادلة ومستقبلية. يجب ألا يبقى مبدأ "رابح ـ رابح" وعدًا فارغًا، بل يجب أن يصبح المبدأ التوجيهي الاستراتيجي لسياسة هجرة جديدة قائمة على المساواة.