منذ أكثر من ستة عقود، تواصل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، المكلفة بتصفية الاستعمار، إدراج قضية الصحراء المغربية ضمن جدول أعمالها السنوي، وكأن الزمن لم يتحرك، والواقع لم يتغير، والإرادة الحرة لساكنة الأقاليم الجنوبية لا وزن لها. ومع كل دورة من دورات الجمعية العامة، تتكرر نفس الطقوس، بنفس المفردات البالية، ونفس الشعارات المتكلسة، في تجاهل تام للتحولات العميقة التي عرفها الملف على المستويين السياسي والميداني.
لكن اليوم، لم يعد مقبولًا أن يستمر هذا العبث الرمزي، ولا أن يُستعمل فضاء أممي يفترض فيه الحياد والواقعية، لترويج سردية “تصفية الاستعمار” في منطقة استرجعها المغرب بطريقة سلمية عبر اتفاقات دولية، وأعاد بناءها بمقاربة تنموية، ديمقراطية، ومجتمعية لا تضاهيها أي تجربة إقليمية.
سردية الأمس… في وجه واقع اليوم
حين أدرجت قضية الصحراء لأول مرة سنة 1963، كان السياق الدولي يختلف جذريًا: حرب باردة، موجة استقلالات، نظام دولي غير متوازن. وقد استفادت الجزائر حينها من هذا المناخ الأيديولوجي لتسويق ملف الصحراء كقضية تصفية استعمار، رغم أن المغرب قدّم دلائل تاريخية وقانونية تثبت سيادته على الإقليم، وهو ما أكدته لاحقًا محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري سنة 1975.
لكن رغم ذلك، بقي الملف أسير منطق اللجان، تُدار من خلالها مناورات خطابية تعيد إنتاج نفس الاتهامات القديمة، متجاهلةً التحولات الجوهرية التي عرفتها الأقاليم الجنوبية، من انتخابات ديمقراطية وازنة، إلى مشاريع كبرى، إلى مقترح الحكم الذاتي الذي يعتبره المجتمع الدولي جديًا وذا مصداقية.
مجلس الأمن: المرجعية الوحيدة
منذ 1991، أصبحت قرارات مجلس الأمن هي المرجعية الحصرية في تدبير ملف الصحراء المغربية، لا اللجنة الرابعة. فالأمم المتحدة لم تعد ترى النزاع من زاوية “تصفية الاستعمار”، بل كـنزاع إقليمي يتطلب حلًا سياسيًا واقعيًا ومتوافقًا عليه. وهذا التوجه تم تعزيزه منذ 2007، عقب تقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي، التي اعتبرتها أغلب العواصم الكبرى الإطار العملي الوحيد لتسوية دائمة للنزاع.
ورغم هذا التحول المؤسساتي، ما تزال اللجنة الرابعة تحتفظ بعادة مناقشة الملف سنويًا، في نوع من اللاواقعية الأممية، وكأنها عاجزة عن مواكبة التحولات السياسية، أو خاضعة لتوازنات لم تعد تعكس موازين القوى الحقيقية داخل المنظمة.
الرهان: إخراج الملف من اللجنة الرابعة
إخراج قضية الصحراء من اللجنة الرابعة لا يتعلق فقط بإجراء إجرائي داخل الأمم المتحدة، بل هو رهان سياسي واستراتيجي كبير، يتطلب:
تعبئة دبلوماسية واسعة لحشد دول صديقة من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لتقديم ملتمس رسمي بسحب الملف؛
توظيف رأي قانوني دولي يثبت أن استمرار إدراج الصحراء لا يستند إلى أي سند قانوني بعد دخول مجلس الأمن على الخط؛
توظيف رأي قانوني دولي يثبت أن استمرار إدراج الصحراء لا يستند إلى أي سند قانوني بعد دخول مجلس الأمن على الخط؛
تحريك الدبلوماسية البرلمانية والموازية لتفكيك الخطاب الانفصالي داخل اللجنة الرابعة وإبراز أن تمثيلية الصحراويين تتم عبر مؤسسات منتخبة ديمقراطيًا؛
تنسيق وثيق مع أعضاء دائمين بمجلس الأمن – كفرنسا والولايات المتحدة – لتأكيد أن مسار الحل لا يمر إلا عبر المبعوث الشخصي للأمين العام.
الكلمة الأخيرة: السيادة لا تُناقش في لجان رمزية
إن إبقاء ملف الصحراء المغربية داخل اللجنة الرابعة يُعد مفارقة قانونية وأخلاقية، لأننا أمام إقليم تُمارس فيه الساكنة حقها في المشاركة السياسية، وتُنجز فيه مشاريع تنموية كبرى، وتتمتع فيه الجهة بوضع متقدم داخل دولة ذات سيادة. فكيف يُعقل أن يُناقش “حق تقرير المصير” في فضاء لا يعترف أصلاً بالواقع ولا يُواكب تحولات الميدان؟
لقد آن الأوان أن تتوقف الأمم المتحدة عن إعادة تدوير ملف تجاوزه الزمن، وأن تواكب دينامية مجلس الأمن وتغلق باب اللجنة الرابعة أمام الاستغلال السياسوي لخصوم الوحدة الترابية للمملكة.
فالسيادة ليست موضوعًا تفاوضيًا، ولا تُختزل في لجنة شكلية. السيادة تُمارس. والصحراء المغربية تمارس سيادتها الكاملة، على الأرض، في المؤسسات، وفي قلوب المغاربة.
سعيد التمسماني، محلل سياسي