Monday 30 June 2025
مجتمع

سعيد الكحل: عويل البيجيدي على حجم الديون العمومية

سعيد الكحل: عويل البيجيدي على حجم الديون العمومية سعيد الكحل

يأكل مع الذيب ويبكي مع الراعي.

نشر موقع حزب العدالة والتنمية مقالا يتساءل عنوانه " هل تدفع الحكومة المغرب نحو الإفلاس؟" بتاريخ 9 يونيو 2025، استنادا إلى تقرير البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير “أفريكسيم بنك”، حول الديون الخارجية للمغرب والتي جعلته يحتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول الإفريقية الأكثر مديونية خارجية خلال عام 2023، بإجمالي ديون بلغ نحو 45,65 مليار دولار أمريكي. والغاية من نشر المقال، كما هو واضح من عنوان المقال، تحميل الحكومة مسؤولية ارتفاع حجم الديون وكذا تبعاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقبلها سيادة القرار الوطني.

اليوم فقط، يظهر البيجيدي انشغاله بحجم الديون الخارجية وتوجسه من تداعياتها الوضع الداخلي والقرار السيادي للمغرب. وهو، بهذا الانشغال المزعوم يريد تبرئة ذمته، سواء من الجرائم المالية التي طوى ملفاتها بقرار رئيس الحكومة، حينها، عبد الإله بنكيران، "عفا الله عما سلف"، أو بإغراق البلاد والعباد بالديون ورهنها إلى الدوائر المالية الدولية. ذلك أن البيجيدي، خلال رئاسته للحكومة على مدى عقد من الزمان، سرّع من وتيرة الاستدانة متجاوزا معدل ما سارت عليه الحكومات السابقة حتى في عز الأزمات (الجفاف، الأزمة المالية 2008..). ووصلت المديونية ذروتها سنة 2020، حين لامس الدين الخارجي مستوى 72 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وما يتجاهله البيجيدي أن المديونية الخارجية للمغرب، في عهدة حكومة بنكيران الذي جعل من مهاجمة حكومة أخنوش خبزه اليومي، ارتفعت بأزيد من 10 ملايير دولار، بحيث انتقلت من 22.04 مليار دولار سنة 2011 إلى 25.22 مليار دولار سنة 2013، ثم 30.72 مليار دولار سنة 2014، لتقفز إلى 32.08 مليار دولار نهاية مارس 2016. بل كان من المفروض أن تنخفض المديونية اعتبارا للقرارات التي اتخذها بنكيران فيما يتعلق بفرض التوظيف بالتعاقد وتجميد الأجور والترقيات وتقليص ميزانية الاستثمار ورفع نسبة الضرائب على كثير من المواد الاستهلاكية.

لم تستقر المديونية العامة مع حكومة العثماني، بل واصلت الارتفاع؛ إذ قفز الدين الخارجي للبلاد في ظرف 5 سنوات، أي منذ 2016 ب 62 مليار درهم وهي أعلى وتيرة عرفتها المديونية الخارجية على الاطلاق. وبات الدين العام، الداخلي والخارجي، لسنة 2020، يشكل نسبة 96% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لوزارة الاقتصاد والمالية. الأمر الذي شكّل مؤشرا مقلقا دفع عددا من الهيئات الدولية (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، البنك الدولي) والخبراء إلى دق ناقوس الخطر بشأن استدامة المالية العمومية. طبعا لم يكن من حلول جدية بيد حكومة البيجيدي لمواجهة ضغط المديونية سوى اعتماد سياسة التقشف بتخفيض ميزانية التسيير والاستثمار وتخفيض عدد الموظفين وتمديد سن التقاعد ورفع الدعم عن المحروقات وخوصصة القطاعات العمومية وتقليص نفقات صندوق المقاصة، وكانت بصدد رفع يدها قطاعي التعليم والصحة الذي "بشّر" به لحسن الدوادي بعبارته داخل قبة البرلمان "لي بغى يقرّي أولادو يدير يدّو في جيبو".

تصفية الحساب مع الحكومة.

كان البيجيدي مزهوّا بقرارات الاستدانة ورهن مستقبل الأجيال القادمة إلى المؤسسات المالية الدولية، كما كان مطمئنا إلى الحالة السلبية التي انتهت إليها النقابات والأحزاب وهيئات المجتمع المدني أمام تلك القرارات الجائرة في حق المواطنين والموظفين والأجراء. فلم تساوره حينها مخاوفه من "قيادة المغرب إلى الإفلاس" ولا أرّقته مطالب فئات واسعة من الشعب المغربي بتوفير وتجويد الخدمات الاجتماعية ورئيس حكومته يعلن، تحت قبة البرلمان، ضرورة أن ترفع الدولة يدها عن التعليم والصحة. اليوم فقط، وبعد أن فقد الحزب المناصب والمكاسب، يرفع عويله "خوفا" على البلاد و "توجسا" من قرارات حكومة أخنوش.

لا ينكر مواطن موظف أو عامل أو أجير استفادته من الزيادة في الأجور التي حُرم منها طيلة رئاسة البيجيدي للحكومة. كما لا تنكر الأسر المعوزة من استفادتها من الدعم المباشر رغم حرمان فئات منه وهي أكثر استحقاقا له. إذ رغم الانعكاسات السلبية للحرب الروسية/الأوكرانية على الأسعار ونسبة التضخم، وكذا التكاليف المادية للزيادة في الأجور والحماية الاجتماعية والتعويضات العائلية والتغطية الصحية، وخدمة الديون العمومية التي امتصت 173 مليار درهم سنويا كمعدل في السنوات الثلاثة 2021،2022،2023؛ فإن المديونية العامة تعرف استقرارا لم تعرفه في عهد حكومة البيجيدي. فقد أظهرت المعطيات التي نشرتها منصة “ستاتيستا” أن المغرب يتجه حاليا نحو مرحلة من الانضباط المالي النسبي، وأن التوقعات المتعلقة بنسبة الدين العام ستعرف منحى تنازليا من 72 في % من الناتج الداخلي سنة 2022 إلى ما دون 65 % في أفق سنة 2030. والغريب في الأمر أن البيجيدي ينشر معطيات الخزينة العامة للمملكة بخصوص أن "ارتفاع تكاليف الدين المدرجة في الميزانية يعزى إلى زيادة سداد أصل الدين أو الاهتلاك بنسبة 15,1 في المائة (24,4 مليار درهم)، وزيادة تكاليف فوائد الدين بنسبة 13 في المائة (16,8 مليار درهم)"، ورغم ذلك، يواصل مهاجمة الحكومة وتحميلها مسؤولية ارتفاع المديونية التي يتحمل فيها المسؤولية المباشرة طيلة عقد من الزمن. طبعا لا نعفي حكومة أخنوش من مسؤوليتها في ارتفاع المديونية، ولكن مسؤولية البيجيدي ثابتة ولا يجدي العويل في إنكارها.