بالنظر إلى الاكتظاظ الكبير الذي تشهده شوارع المدن المغربية الكبرى، مثل الدار البيضاء، الرباط، فاس ومراكش، أصبح العديد من الشباب يفضلون استعمال الدراجات الكهربائية المعروفة بـ"تروتينيت"، كوسيلة نقل يومية، لقدرتها على تجاوز الازدحام المروري الخانق الذي تعرفها هذه المدن، وأيضا في ظل الإكراهات المتعددة التي تشهدها وسائل النقل العمومية من تأخر واكتظاظ وضعف الخدمات، حيث تتحول الحافلات إلى ما يشبه علب “السردين في أوقات الذروة..
وفي البداية، ظهرت "التروتينيت" كوسيلة ترفيهية محدودة الانتشار، لكن سرعان ما تحولت إلى خيار عملي في التنقل داخل المدن، خصوصًا في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، حيث أصبحت تشكل جزءا من المشهد الحضري اليومي، بالنظر إلى سهولة استخدامها وتكلفتها المنخفضة مقارنة بوسائل النقل الأخرى.
الجدل حول هذه الوسيلة عاد مجددًا خلال الأيام الماضية حول قانونية استعمال هذه الوسيلة، بعد قرار حكومي جديد يقضي بإدراج "التروتينيت" ضمن مدونة السير، ما أثار تباينا في الآراء بين مرحب بالقرار ومتحفظ عليه، خاصة وأن مدونة السير نفسها ظلت محط نقاش واسع منذ دخولها حيز التنفيذ سنة 2010، دون أن تحدّ من نزيف حرب الطرقات، حسب ما يؤكده مهتمون بالشأن الطرقي.
دحان بوبرد، رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات وأرباب مدارس تعليم السياقة وقانون السير والسلامة الطرقية قال: "لقد أصبحنا نعيش نوعًا من التناقض في تعامل الحكومة مع القضايا التي تتعلق بالسلامة الطرقية، حيث قررت إصدار مرسوم ينظم استعمال الدراجات الكهربائية "تروتينيت" ويتم السماح للعموم باستعمالها، وذلك في الوقت الذي لم يتم فيه تنزيل امتحان رخصة السياقة AM الخاصة بإحدى أنواع الدراجات النارية. وهل من المعقول السماح باستعمال وسيلة نقل قد تتجاوز سرعتها 25 كلم في الساعة من قبل بعض السائقين الذين يجهلون الكثير عن التشوير الطرقي وليس لهم أي تكوين أو توجيه في السلامة الطرقية وفي قانون السير؟".
وأكد بوبرد أن هذا الإجراء، بدل أن يساهم في التنظيم، قد يؤدي إلى ارتفاع معدل حوادث السير، خاصة أن أغلب مستعملي "التروتينيت" لا يضعون الخوذة الواقية ولا يتوفرون على تأمين.
ودعا دحان بوبرد إلى ضرورة إلزام مستعملي هذه الوسائل بالخضوع لتكوين نظري حول علامات التشوير والسلامة الطرقية.
واعتبر مصطفى شعون، الأمين العام للمنظمة الديمقراطية للنقل واللوجستيك متعددة الوسائط، أن الحكومة وإن صادقت على مشروع لتعديل مدونة السير بهدف تنظيم استعمال "التروتينيت"، فإن الفضاء الطرقي الحالي لا يواكب هذا التوجه، قائلاً:
"مع الأسف الشديد، الفضاء الطرقي الحالي غير مجهز لهذا النوع من وسائل التنقل. ففي بعض التجارب الأوروبية، يتم تسيير هذه الوسائل على الرصيف جنبًا إلى جنب مع الراجلين والدراجات الهوائية، ولا يجب أن تتجاوز سرعتها 25 كلم في الساعة. فليس هناك أي ممر مؤهل في المدن المغربية لهذا النوع من وسائل التنقل باستثناء بعض المدن في شمال المملكة."
وأضاف شعون أن تنزيل مثل هذه المقتضيات القانونية في غياب تهيئة حقيقية للفضاء الطرقي يبقى أمرا صعبا للغاية، مؤكدًا أن المجالس المنتخبة تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الشأن.
أما مصطفى لكيحل، الأمين العام للاتحاد المغربي الديمقراطي للشغل، فقد أكد أن هذا النوع من وسائل التنقل الجديدة في المجتمع المغربي مثلها مثل الدراجات الهوائية. وأعتقد أن المشكل الحقيقي يكمن في الدراجات ثلاثية العجلات التي تحصد أرواح العديد من المواطنين. وما يتم حاليًا هو نقاش ترقيعي وبشكل انفرادي من طرف وزارة النقل واللوجستيك، ورغم التشريعات الكثيرة التي تتعلق بالسلامة الطرقية، فإن واقع الأمر لم يتغير منذ دخول مدونة السير حيز التنفيذ في 2010."
وإذا كان إدراج "التروتينيت" ضمن مدونة السير يشكل خطوة أولى نحو تنظيم هذا القطاع الناشئ، إلا أن هذا الأمر غير كافي ، لأن الأمر يحتاج رؤية شمولية متعددة الأطراف وتستحضر آراء كل المتدخلين في القطاع، لأن الاعتراف القانوني بهذا النوع من وسائل التنقل دون تهيئة الفضاء الطرقي تخصيص ممرات خاصة بها سيزيد من معدلات حوادث السير في المجال الحضري وسيزيد “الخل على الخميرة”.