Thursday 12 June 2025
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: هل إِعمار الأرض له علاقة بالدين أم له علاقة بالعقل أو هما معاً؟

أحمد الحطاب: هل إِعمار الأرض له علاقة بالدين أم له علاقة بالعقل أو هما معاً؟ أحمد الحطاب
إعمار الأرض هو توطينُ الناس بها. والأرضُ قد يُقصَد بها الكوكب الأرضي كلُّه. وقد يُقصَد بها منطقة معيَّنة من هذا الكوكب. والأرضُ، كجزءٍ من المنظومة الشمسية le système solaire مساحة جزءٍ كبيرٍ منها، يتراوح بين 72 و 75% من المساحة الإجمالية لهذا الكوكب، تُغطِّيه المحيطاتُ les océans والبحار les mers، بينما الجزء المتبقِّي، المُترواح بين 25 و 28%، يُشكِّل اليابسة أو البر أو القارات الخمس. والقارات الخمس هي التي استقر بها الإنسان العاقل Homo Sapiens منذ مئات آلاف السنين ليُعمِّرها أو لتعمِيرها peuplement.
 
وتعمير الأرض أو عِمارة الأرض لا يمكن اختزالُه/ها، فقط، في استقرار الناسِ في منطقة من مناطق هذه الأرض. لماذا؟ لأن الناسَ، بحكم تساكنهم وتعايشهم في المجتمعات، يقيمون علاقاتٍ متبادلة فيما بينهم. وحتى ينتفع الناس من هذه العلاقات، من الضروري تسهيل حياتهم ببناءُ أو تشييدُ البنيات التحتية les infrastructures وكذلك، المؤسسات والمرافق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصِّناعية… التي تقدِّم لهم مختلفَ الخدمات.
 
ولهذا، فحينما نتحدَّث عن إعمار الأرض le  peuplement de la terre، فإننا، في الحقيقة، نتحدَّث عن التنمية بجميع أشكالها le développement sous toutes ses formes. "إعمار الأرض" بالمفهوم الفقهي و"التنمية" بالمفهوم المعاصر. وإعمارُ الأرض مشارٌ إليه في القرآن الكريم، من خلال الآية رقم 61 من سورة هود : "وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ". وفكرة إعمار الأرض وردت، في هذه الآية، حين قال، سبحانه وتعالى : "وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"، أي جعلكم تَعْمُرونها، أي تُمارِسون فيها جميعَ أنواع التنمية.
 
والإنسان، كمُعمِّرٍ للأرض، مهما تطوَّرَ وتقدَّم اجتماعياً، اقتصادياً، ثقافياً، صناعياً علمياً، تكنولوجياً... فالتَّنمية التي يمارِسُها فوق سطح الأرض، فيها ما هو إيجابي وفيها ما هو سلبي. بمعنى أن التنميةَ لا تخلو من المشاكل. وهذه المشاكل منها ما هو إنساني وما هو حضاري وما هو سياسي وما هو اجتماعي وما هو اقتصادي وما هو ثقافي وما هو أخلاقي وما هو قانوني وما هو حقوقِي وما هو فني وما هو تراثي…
 
بعد هذه التَّوضيحات حول إعمار الأرض، حان الوقتُ للإجابة عن السؤال الذي هو عنوانُ هذه المقالة : "هل إِعمار الأرض له علاقة بالدين أم له علاقة بالعقل؟ لكن، قبل الإجابة على هذا السؤال، أريد أن أوضِّحَ أن الدينَ عبادات ومعاملات. العبادات عمودية verticales، أي تدور أطوارُها بين الإنسان وخالقِه. بينما المعاملات هي عرضية transversales. والمعاملات هي جمعُ معاملة. والمعاملة هي مصدر فعل عَامَلَ. فحينما نقول "فلانٌ أ عامل فلانا ب"، فالمقصود هو أن الفلانَ أ تعامَلَ مع الفلان ب، أي أن الفلانَ أ ربط علاقةً متبادلةً مع الفلان ب في أمرٍ من الأمور الدنيوية. والأمور الدُّنيوية متنوِّعة وكثيرة. ولهذا، فالمعاملات يمكن تلخيصُها في العلاقات المتبادلة التي يُقِيمُها الناسُ فيما بينهم، الهدفُ منها هو التَّساكن والتَّعايش داخل المجتمعات. 
 
بعد هذا التَّوضيح، أُجيبُ وأقول : نعم. إعمار الأرض له علاقة بالدين وبالعقل. له علاقة بالدين، لأن الإنسانَ هو الذي يكون وراءَ التنمية. ودور الدين، هنا، يكمن في المساهمة، إلى جانب الأسرة والمدرسة والمجتمع، في بناء الإنسان. وبناء الإنسان تجب مُلاءمتُه مع التَّساكن والتَّعايش داخلَ المجتمعات. 
 
والتَّساكن والتَّعايش داخلَ المجتمعات مبنيٌ على حُسن وطِيب المعاملاتُ التي تربط الناسَ بعضَهم بالبعض الآخر. ولهذا، من الضروري أن يكون بناءُ الإنسان مرتكزاً على الأخلاق والقيم الإنسانية السامية les valeurs humaines suprêmes كالاستقامة la rectitude والنزاهة la probité والصِّدق l'honnêteté والمنفعة العامة المتبادلة l'intérêt général mutuel أو الصالح العام… والدينُ، إن لم يساهم في تعزيز بناء الإنسان، فهو تديُّنٌ سطحي مبنيٌّ على الببغائية psittacisme والتَّقليد الأعمى l'imitation aveugle.
 
أما العقل، فهو الذي يفكِّر ويخطِّط ويستشرف ويُنتِج الأفكارَ والمعارف، ويكون وراء الاختراعات والاكتشافات… من أجل إعمار الأرض أو من أجل تنميتِها بشراُ وعُمراناً.
 
فإذا لم يكن الدين رافدا أو داعِما قويا لبناء الإنسان، قد يفسد العقل وقد تستولِي عليه الأنانيةُ  l'égoïsme أو l'égocentrisme. بل قد يقود فسادُ العقلِ، كذلك، إلى العجرفة l'arrogance والاستكبار outrecuidance. حينها، لم يعد يرى هذا الإنسانُ في إعمار الأرض إلا خدمةَ مصالحِه الشخصية. وما دام الإنسان هو الذي، بطريقة أو أخرى، يًسيِّر شؤون البلدان، ففسادُ العقلِ قد يقود إلى فساد إعمار الأرض، أي إلى فساد التنمية.
 
وهذا هو ما نلاحظه، في عصرنا الحاضر، حيث أن نموذج التنمية le modèle de développement الذي اختاره الإنسان، مخالفٌ للقوانين والنَّواميس التي يسير عليها الكون، وبالأخص، يسير عليها الكوكبُ الأرضي la planète terre. النتيجةُ هي تغيير المناخ le changement climatique الذي تعاني منه الكرةُ الأرضية برمَّتها، والذي نَتَج عنه الجفاف la sécheresse والتَّطرُّفات المناخية les extrêmes climatiques التي، بدورها، تقود إلى الفيضانات les inondations والطوفان le déluge وحرائق الغابات les incendies de forêts.