Sunday 8 June 2025
اقتصاد

إدريس الفينة: 2024 سنة بداية التحول.. استراتيجية أخنوش تدفع الاقتصاد المغربي نحو الانتعاش رغم الصعوبات

إدريس الفينة: 2024 سنة بداية التحول.. استراتيجية أخنوش تدفع الاقتصاد المغربي نحو الانتعاش رغم الصعوبات رئيس الحكومة، عزيز أخنوش
رغم ما شهده العالم من تقلبات جيوسياسية، وارتفاع غير مسبوق في كلفة التمويل والطاقة، وقسوة الظروف المناخية على الفلاحة المغربية، خرج الاقتصاد الوطني من سنة 2024 بنتيجة غير متوقعة: معدل نمو بلغ 3,8%، متجاوزًا التوقعات التي وضعتها معظم المؤسسات الدولية.

لكن ما يلفت الانتباه هذه المرة ليس فقط الأرقام في حد ذاتها، بل تحوّل طبيعة النمو المغربي من نموذج متمركز حول الفلاحة والطلب الداخلي، إلى نموذج تدريجي يرتكز على الصناعة، البنية التحتية، وتحريك الاستثمار العمومي.

من التقلّب إلى البناء الهيكلي
القطاع الفلاحي، الذي طالما كان متقلب الأداء ومحركًا رئيسيًا للناتج الداخلي الخام، سجل تراجعًا بنسبة 4,8%، بفعل الجفاف وتأخر الإصلاحات الهيكلية. غير أن هذه الضربة الطبيعية لم تمنع الاقتصاد من الصمود، بل فتحت الباب أمام صعود قطاعات أكثر استدامة.
قطاع البناء والأشغال العمومية، الذي يُعد مرآة الاستثمار العمومي، سجل نموًا بـ +5%، مدعومًا بأوراش التهيئة المرتبطة بمشاريع كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. كما ارتفعت مبيعات الإسمنت بنسبة 9,5% سنة 2024، في مؤشر قوي على اتساع رقعة الأشغال والتهيئة الحضرية.

الصناعة تعود إلى الواجهة
ولأول مرة منذ سنوات، تحقق الصناعة التحويلية نموًا بثلاث نسب مئوية، فيما قفزت الصناعات الاستخراجية بـ +13%. ويُعزى هذا الأداء إلى استراتيجية حكومية تهدف إلى تثبيت المغرب كمنصة صناعية إقليمية، خصوصًا في قطاعات الفوسفات، الطاقات النظيفة، وصناعة أجزاء السيارات والطيران.

ميزانية الدولة: ضبط بتكلفة سياسية
ورغم الكلفة الاجتماعية لتقليص دعم الغاز والسكر، نجحت الحكومة في خفض نفقات صندوق المقاصة بـ –32%، دون أن يؤدي ذلك إلى انفجار اجتماعي، بفضل تحويلات مباشرة ودعم انتقائي للفئات الهشة.
في المقابل، ارتفعت مداخيل الدولة الجبائية بـ +5,4%، خصوصًا الضريبة على الدخل التي تعكس تحسنًا في نسب الشغل والتوظيف النظامي. إلا أن الضريبة على الشركات تراجعت بـ –5,2%، ما يكشف استمرار معاناة المقاولات من ضيق هوامش الربح وارتفاع التكاليف.

البطالة تنخفض… لكن الفجوات قائمة
أحدث الاقتصاد 157.000 منصب شغل، وانخفض معدل البطالة إلى 11,2%. لكن خلف هذه النسبة تختفي فجوات مقلقة:
• بطالة الشباب: 33%
• بطالة النساء: 17%
• بطالة حاملي الشهادات: 18,5%


وهو ما يضع تحديًا هيكليًا أمام الحكومة: كيف نحافظ على زخم النمو ونربطه بعدالة اجتماعية قادرة على احتواء الإقصاء الاقتصادي المتزايد؟

هل نحن أمام بداية إقلاع؟
الجواب ليس بسيطًا. فالنمو ما يزال هشًا أمام اختلالات الميزان التجاري، حيث تفوق الواردات (56% من الناتج) الصادرات (42%)، إضافة إلى ضغط العجز المالي الذي بلغ 54 مليار درهم.
لكن في المقابل، بدأت مؤشرات الثقة في الاقتصاد الوطني تعود تدريجيًا، كما تُظهره مبيعات الإسمنت، وارتفاع الاستثمارات العمومية، وتحسن الادخار الوطني إلى 28,9% من الناتج الداخلي الخام.

استراتيجية أخنوش: نهاية الشك وبداية الأثر
يبدو أن حكومة عزيز أخنوش بدأت تنتقل من مرحلة “الوعود” إلى مرحلة “الأثر الاقتصادي الملموس”. فرغم الانتقادات الموجهة لبطء الإصلاحات الاجتماعية وتحديات التعليم والصحة، فإن التحول في هيكلية الاقتصاد، وضبط المالية العمومية، وتحريك مشاريع البنية التحتية تُعد إشارات واضحة على بداية تبلور مشروع اقتصادي جديد.
قد لا تكون سنة 2024 سنة الانفراج، لكنها دون شك سنة عبور حاسمة نحو اقتصاد مغربي أكثر نضجًا، وتحكمًا، واستباقية.