لا حديث في أوساط العديد من الفئات الشعبية هذه الأيام سوى عن التهافت الكبير لبعض المغاربة على شراء اللحوم الحمراء و"الدوارة"، استعدادًا لعيد الأضحى الذي يمرّ هذه السنة في ظروف استثنائية بعد القرار الملكي القاضي بمنع ذبح الأضاحي حفاظًا على القطيع الوطني، وذلك في ظل توالي سنوات الجفاف وارتفاع تكاليف الأعلاف، وأزمة القدرة الشرائية التي تثقل كاهل المواطنين، سيما أن العديد من المواطنين لم تكن لهم في السنة الماضية القدرة على شراء الأضاحي التي حطمت كل الأرقام القياسية.
هذا التهافت المفاجئ أدى إلى ارتفاع صاروخي في أسعار اللحوم "الغنمي" وقفز ثمن "الدوارة" من 150 أو 200 درهم ليصل إلى 700 درهم، مع مؤشرات تدل على احتمال استمرار هذا الارتفاع مع اقتراب يوم العيد، نظرا لاستمرار الإقبال على شرائها من قبل عينات واسعة من المواطنين.
كما ارتفع ثمن "الحولي" في بعض المناطق إلى أزيد من 1500 درهم، بعد أن كان قد شهد انخفاضا ملموسا مباشرة بعد صدور القرار الملكي.
وقد لجأ البعض خلال الأيام الأخيرة إلى الاشتراك في شراء الأضحية، لتقاسم كلفتها وتوفير "طقس العيد"، رغم المنع الصريح.
ويتساءل العديد من المتتبعين عن سر هذا الإقبال اللافت على شراء اللحوم رغم وضوح القرار الملكي، وهل تحوّلت المناسبة الدينية التي ترتبط بقيم التضحية والتكافل إلى مجرد فرصة لاستهلاك اللحم بأي ثمن؟ وهل أُفرغ العيد من معانيه الروحية وتحول إلى طقس جسدي محض قائم على "التشنشيط" و"الشواء"، بغضّ النظر عن الأبعاد الدينية والاجتماعية التي تؤطر هذه الشعيرة الإسلامية التي تنبني عن التضحية.
ويؤكد بعض المتتبعين أن ما يحدث في أسواق اللحوم يثير الكثير من علامات الاستفهام حول فهم عدد من المواطنين لفلسفة عيد الأضحى، مشيرين أن البعض بات يعتبر هذه المناسبة فقط فرصة لـ"أكل اللحم"، حتى وإن أدى ذلك إلى أزمة مادية ما بعد العيد.
محمد الذهبي، الكاتب العام للاتحاد العام للمقاولات والمهن المكلف بالقطاعات، أكد أن "سعر الحولي" كان قد انخفض إلى النصف بعد القرار الملكي، بسبب اضطرار "الشناقة" إلى بيع ما كانوا قد اشتروه للمضاربة، لكن إشاعة مفادها أن الذبح سيتوقف قبل العيد بـ20 يومًا وبعده بـ20 يومًا، ساهمت في إشعال الأسعار مجددا.
ويتابع الذهبي قائلاً: "المؤسف أن بعض المواطنين قرروا شراء الخرفان لذبحها في العيد، ضاربين عرض الحائط بالقرار الرسمي، ما يستدعي تفعيل آليات الردع وتغريم كل من يخالف التعليمات.
وأكد محمد الدهبي أن الهدف من القرار الملكي هو رفع الحرج عن المواطنين الذين لا طاقة لهم بأداء هذه الشعيرة.
وكان هذا الأمر يسبب ضغطا اجتماعيا ونفسيا لدى العديد من الأسر المغربية، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة.
من جهته، يرى الصحافي وحيد مبارك أن هناك دوافع متعددة وراء الإقبال الكبير على شراء اللحوم والدوارة في هذه الظرفية، من بينها البلاغ المتداول عن نية الشركة المكلفة بتدبير المجازر البلدية بالدار البيضاء إغلاق المجازر خلال العيد، ( الشركة أصدرت بلاغا أكدت فيه أن خدمات المجازر ستتواصل خلال عيد الأضحى )، مما دفع العديد من الأسر إلى اقتناء اللحوم بكميات كبيرة وتخزينها مسبقا خوفا من نفاذها يقول وحيد مبارك.
وأشار وحيد مبارك أن "التشبث بطقس الدخان والشواء" هو عامل ثقافي واجتماعي قوي لدى بعض الأسر المغربية، معتبرا أن هذا التمسك المبالغ فيه أخرج العيد من أبعاده الدينية، وكرّس سلوكا استهلاكيا قائما على المتعة اللحظية وتحقيق رغبات جسدية على حساب الفهم الديني الصحيح.
وأضاف مبارك أن هذا السلوك يكشف عن أزمة قيمية وفجوة وعي عند بعض الفئات، التي تسلم نفسها لنزعة استهلاكية دون مراعاة للأبعاد الأخلاقية والاجتماعية. كما أكد أن هذا الوضع يستغله "الشناقة" والتجار، الذين يرون في المناسبة فرصة لتحقيق أرباح طائلة دون أدنى اعتبار للظروف الاقتصادية العامة أو للبعد التضامني والديني للمناسبة.
إن ما يجري في الأسواق اليوم يعكس تحولا مقلقا في فهم كثير من المواطنين للمناسبات الدينية، ويؤكد الحاجة الماسة إلى دور أكبر للعلماء والمجالس الدينية والمجتمع المدني في التوعية بمقاصد الشعائر الإسلامية، وتوضيح أن عيد الأضحى ليس فقط مناسبة للاستهلاك، بل هو محطة للتأمل، والتضامن، والامتثال لأوامر الله في إطار من التوازن والعقلانية والرحمة والتضحية، لأنك إذا كنت تمتلك المال لشراء الدوارة والتمتع بلحظات "التشنشيط" مع أسرتك فهناك فئات كثيرة وقد تكون تسكن بجوارك ليس لهم الإمكانات للقيام بذلك، والأولى أم تضحي بشهوتك على الأقل حتى تمر أيام العيد بسلام دون أن يشعر أي أخوك المواطن بالحرج. والله أعلم.