Wednesday 21 May 2025
كتاب الرأي

مصطفى المصموضي:  جذور تشيرنوبل الجامعة المغربية 

مصطفى المصموضي:  جذور تشيرنوبل الجامعة المغربية        مصطفى المصموضي
على إثر تفجر فضيحة بيع شواهد الماستر بجامعة اكادير، تناسلت مجموعة من الكتابات والتعليقات والآراء حول الواقعة، لم تتجاوز في اغلبها البعد الاخباري والاعلام عن فصولها أو البحث في امتداداتها سواء فيما يخص الفاعل الرئيسي او البحث عن المتورطين المستفيدين، او ضحايا إذا صح وصفها بتشيرنوبيل الجامعة المغربية دون محاولة التأصيل لهذا السقوط الأخلاقي لعلية القوم من منتجي النخب.

إن ما تحصده الجامعة المغربية من تلطيخ لسمعتها، تم زرعه منذ سنوات عندما انغمست التوجهات السياسية في المشروع الرأسمالي الدولي بعد سقوط المعسكر الشرقي الذي كان يحقق التوازن القيمي بين التصورين النقيضين حيث كانت المنظومة الرأسمالية تحاول إخفاء وجهها البشع للحفاظ على توازنها الأخلاقي. ومع سقوط المنظومة الاشتراكية التي يرمز لها بسقوط جدار برلين، وبعد تأبين هذا المشروع أخرجت المنظومة الرأسمالية المتوحشة انيابها معلنة عن سقوطها الأخلاقي وفرضه على بقية الأقطار العالمية من خلال فرض منطق تسليع كل شيء حتى التعليم والمعرفة، التي كان سقراط وابن رشد وغيرهم من الفلاسفة يلقنانها مجانا حتى ان سقراط كان يرفض ربط الحكمة بالمال. نفس نهج المجانية سلكته سابقا جامعاتنا التقليدية، ولنا في جامعة القرويين بفاس خير دليل. كما واصلت سلكه الجامعات المغربية الحديثة الى حدود نهاية الالفية الثانية عبر تقديم تكوين مجاني يحقق تكافؤ الفرص.

نعم لقد امتد هذا الوباء الرأسمالي الى السياسة التعليمية المغربية وتبلور للأسف خلال مرحلة حكومة التناوب التي تراسها حزب ادعى مبادئ الاشتراكية لكنه لم يأخذ من الاشتراكية سوى الاسم حكومة اغرقت المغرب في أكبر عملية خوصصة لكل شيء، بما فيه التعليم الذي وصل الى هذا الوضع من الفساد. فساد يجد جذوره في ميثاق التربية والتكوين لسنة 1999الذي صرخت حناجر الطلبة في حينها ضده معتبرة إياه في شعاراتها -ميثاقا للتركيع والتضبيع- كما اعتبرت قانون الإصلاح الجامعي 01.00، تخريبا جامعيا. إصلاح كان الغرض منه نهج سياسة خوصصة التكوين الجامعي وفرض قيمها المبنية على تسليع كل شيء ومعه بيع التكوين من خلال السماح بتكوينات مقابل رسوم.

واكب هذا التحول الجوهري في منظومة التعليم بالمغرب تغييرا هيكليا لإضفاء اختلافا شكليا عن المنظومة السابقة عبر تغيير مدة سنوات التمدرس لكل مرحلة ووحداتها، عبر مرسوم عدد 89.04.2 بتاريخ 7 يونيو 2004 المتعلق بتحديد اختصاصات المؤسسات وأسلاك الدراسات العليا والشهادات الوطنية وتم خلق بدعة شهادة الماستر هذه التي أصبحت تخضع للبيع والشراء. 

ولتنوير الجيل الحالي، لابد من التذكير أن اباءكم قبل دخول بدعة ثلاثة سنوات دراسة في مرحلة الاجازة وسنتين بالنسبة للماستر التي جاء بها الاصلاح، كان الحصول على الاجازة يستدعي أربع سنوات من الدراسة، اما الحصول على شهادة السلك الثالث فكانت تفرض سنة من الدراسة للحصول على دبلوم الدراسات المعمقة DEA، وأربع سنوات دراسية في الأقصى للحصول على دبلوم الدراسات العليا DES الذي يسمح للطالب بالتسجيل في سلك الدكتوراه. عملية الغربلة هذه هي التي كانت تنتج لنا نخبة ذات كفاءة وموسوعية معرفيتين بكل استحقاق..

لقد كان مسار الطالب التعلمي مؤطرا بروح المسؤولية والرقابة الذاتية التي كانت تغرسه وتفرضه روح الحركة الطلابية ممثلة في أعراف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. 

فلا عجب ان نلاحظ تمدد الفساد بالجامعة موازاة مع موت سريري للحركة الطلابية المغربية، فمن من الطلبة المنتمون الى مرحلة النموذج التعليمي السابق لا يتذكر جو الامتحانات التي كانت تمر دون حضور مراقبين ولا حراسة، فكانت اعراف وقيم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وحدها من تقوم بهذه الأدوار عبر فرض المراقبة الذاتية.
 
أما بعد دخول الإصلاح الذي سبق التطرق اليه صارت الجامعة تعيش اندحارا أخلاقيا وأصبحنا نسمع من الطلبة أنفسهم غشهم بالامتحانات واستغلال بحوث قديمة وتقديمها كمجهود بحثي شخصي بعد القيام بمجهود تغيير الاسم والغلاف الخارجي له. دون أن نغفل الأثر السلبي والمدمر لفتح جامعات لتكوينات مقابل رسوم للحصول على إجازة او ماستر يستغلها الأغلبية في الترقي الوظيفي.
 
هذا التنزيل لما سمي إصلاحا رافقه تضييق ممنهج على الحركة الطلابية، ساهم بشكل كبير في ظهور بعض النماذج من أساتذة جامعيين منعدمي الضمير لا يتمتعون بأي حس نقدي نتيجة فراغهم المعرفي، ومنعدمي الروح الوطنية نتيجة بؤسهم الاخلاقي، غير واعون بمسؤولياتهم الجليلة في تقدم المجتمع أو اندحاره قيميا وحضاريا. صعدت معها إلى السطح قضايا فساد جامعي بعدة تجليات وعلى طول المجال الجامعي الوطني لدرجة يمكن اعتبارها ظاهرة عامة تتحول نحو قاعدة شاملة نذكر من هذه القضايا التي تفجرت والأغلب ان هناك قضايا أخرى لم يتسرب إليها الفضح بعد:
قضية بيع الماستر مقابل أربعة ملايين بفاس التي أدين فيها الأستاذ الجامعي بسنة سجنا نافذة 
تفجر قضية السرقة العلمية لاحد المسؤولين الجامعين بجامعة فاس كذلك
الجنس مقابل النقط بتطوان أدين فيها الأستاذ بسنة سجنا 
الجنس مقابل النقط بسطات أدين فيها المتهم بسنتين سجنا
ثم قضية بيع الماستر بأكادير والمستفيدون منها هذه المرة علية القوم ونخبتها.

 
قضايا تظهر انها محدودة وأن الاحكام فيها خفيفة لكنها متكررة وبجامعات متعددة يجعل خطورتها أعمق كونها سلوك منتشر ومتمدد ويعني خريجي نخبة المجتمع، لنتخيل معا خريج جامعي حاصل على الماستر مقابل مبلغ مالي مثلا كما تم تداوله في قضية اكادير 25 مليون، لنستوعب الاثار المدمرة للفعل، سيتم توظيفه أو يستفيد من ترقية، غالبا سيكون هدفه الأول استرجاع الأموال المدفوعة لحصوله على الشهادة واكيد سيسلك الطرق الملتوية لتحصيلها مع الفوائد التي لا تنتهي. بعبارة أخرى سيسلك طريق الفساد المجرب لديه والذي طبع معه منذ البداية، فماذا سيقدم هذا الشخص منعدم الكفاءة والضمير للإدارة؟ هل سيصعب على من طبع مع الفساد مثله بيع مصالح الإدارة والوطن حتى لجهات اجنبية مقابل الحصول على منافع شخصية؟. يجب ان نكون  مقتنعين اشد الاقتناع ان الفاسد لا وطنية ولا اخلاق له خصوصا إذا كان من النخبة.

إن واقع الحال يفرض على الجميع تحمل المسؤولية، عبر تمثل غول الفساد الذي يهدد الوطن وتجنيد نزهاء وشرفاء الوطن ممن يتقلدون مسؤوليات عليا لاتخاذ خطوات حقيقية لتجفيف منابع الفساد، الذي يرقى الى مستوى السلوك الإرهابي ضد مستقبل الوطن، عبر تشديد العقوبات فيما يخص هذا الفساد الجامعي وتجريد كل المستفيدين منه من مهامهم أومن الترقيات الناتجة عن الشواهد المحصل عليها.
 
ولأن المقاربة الزجرية تدفع الفساد إلى تطوير آلياته الدفاعية لتحقيق استمراره، فلا بديل عن تطوير حصانة قيمية وأخلاقية موازية عبر:
 إرجاع المكانة المعرفية للجامعة عوض ربط دورها بسوق الشغل. فالجامعة كان دورها دائما إنتاج القيم، ولا يمكن ان تطلع بهذا الدور إذا لم يتم جعلها مجالا للسجال الفكري والديموقراطي عبر إعطاء مكانة خاصة للحركة الطلابية. إرجاع سنوات التكوين السابقة وطرق الغربلة سواء بالنسبة للإجازة او السلك الثالث. كما يجب في إطار تخليق الحياة العامة وتشجيع النزاهة الإدارية خلق يوم وطني للنزاهة يتم تخليده بطرق تشجع النزهاء من المسؤولين.

 
خلاصة القول ان انخراط المغرب في مسار المنظومة الرأسمالية العالمية بشكل إيجابي سواء اختلفنا أو اتفقنا حوله، لا يعفيه من اتخاذ تحفظات اتجاه منطق السوق الذي بَضع وسلع كل شيء حتى لا تكون الضريبة أثقل.