في صباح يوم الثلاثاء 14 ماي 2025، اهتزّ الرأي العام الجامعي بالمغرب مجددًا، بعد أن قرر قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمراكش، متابعة أستاذ جامعي بجامعة ابن زهر بأكادير في حالة اعتقال، ووضع ستة أشخاص آخرين تحت المراقبة القضائية، على خلفية ملفات تتعلق بـالفساد الجامعي، من بيع وشراء الشهادات العليا إلى التلاعب بالتوظيفات.
ليست هذه الواقعة الأولى، لكنها جاءت لتعيد فتح الجرح الغائر المعروف باسم "الجنس مقابل النقط"، الذي يختزل جانبًا من الفساد الأخلاقي في الجامعة المغربية، حيث يتحوّل الحرم الجامعي أحيانًا إلى مسرح للابتزاز والمساومة، بوسائل لا علاقة لها لا بالعلم ولا بالأخلاق.
في شتنبر 2021، تسربت محادثات عبر "واتساب" بين أستاذ جامعي وطالباته، تكشف ابتزازاً جنسياً سافراً مقابل نقاط دراسية. الفضيحة انفجرت من كلية الحقوق بجامعة الحسن الأول في سطات، لكنها لم تتوقف عندها. في غضون أسابيع، أُحيل خمسة أساتذة إلى النيابة العامة، وتوالت التحقيقات لتشمل مؤسسات أخرى، من مدرسة التجارة بوجدة إلى مدرسة الملك فهد للترجمة بطنجة.
في يناير 2022، صدرت أولى الأحكام: سنتان حبسا نافذاً لأستاذ أدين بهتك عرض طالبة وابتزازها جنسياً. توالت الإدانات لاحقاً في طنجة وغيرها، بينما أصدرت وزارة التعليم العالي قرارات بعزل الأساتذة المتورطين من الوظيفة العمومية. الوزير عبد اللطيف ميراوي استوعب الصدمة واستعمل حكمة السنبلة في مواجهة العاصفة رافعا شعار: لا تسامح مع "الجنس مقابل النقط".
وفي خطوة لحفظ ماء الوجه، أطلقت الوزارة “الخط الأخضر” لتلقي شكاوى التحرش، وبدأت جامعات مثل عبد المالك السعدي وابن زهر في تشكيل لجان إنصات ومواكبة للضحايا. لكن هل يكفي ذلك لكسر ثقافة الصمت؟.
في فبراير 2023، نشرت دراسة أنجزها مجلس النواب بعنوان: "القيم وتفعيلها المؤسسي: تغييرات وانتظارات لدى المغاربة". خلصت الوثيقة إلى أن الغش، والتحرش الجنسي، والابتزاز المالي باتت من أخطر التحديات التي تواجه الجامعة المغربية. ورصدت تفشي "الجنس مقابل النقط" باعتباره أحد أبرز مظاهر الانهيار الأخلاقي داخل الحرم الجامعي.
الدراسة دعت إلى حماية الضحايا وتشجيعهن على التبليغ دون خوف من الانتقام، وضرورة إحداث خلايا إنصات مستقلة داخل الجامعات، وتحريك المتابعة ضد أي تجاوزات، سواء جنسية أو مالية.
في 2024، دخلت منظمات المجتمع المدني على الخط. أطلق تحالف “خارجة عن القانون 490” دليلاً رقمياً موجهاً للطالبات حول كيفية التعامل القانوني والنفسي مع التحرش في الجامعة. بدأت مؤسسات أكاديمية في احتضان المبادرات التوعوية، لكن الحراك ظل محتشماً مقارنة بعمق الظاهرة.
في بداية 2025، وُلد صوت جديد: "الجمعية المغربية لمحاربة الفساد في الوسط الجامعي"، التي أعلنت في بيانها التأسيسي أن قضايا "الجنس مقابل النقط" لم تكن حالات معزولة بل جزء من منظومة فساد أكبر، تتشابك فيها خيوط الابتزاز الجنسي والمالي والزبونية في التوظيف وفي منح الشهادات.
في 14 ماي 2025، قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش متابعة أستاذ جامعي من جامعة ابن زهر بأكادير في حالة اعتقال، متورط في ملفات فساد تشمل بيع الشهادات العليا والسمسرة في التوظيفات، بينما وضع ستة آخرون تحت المراقبة القضائية. الواقعة أعادت السؤال من جديد: إلى أي مدى اخترق الفساد الأخلاقي والإداري الجامعات المغربية؟ وهل يكفي الزجر القضائي وحده لتطهير الفضاء الجامعي؟.
"الجنس مقابل النقط" ليس مجرد عنوان صادم لقصاصة إخبارية، بل هو انعكاس لانكسار القيم في مؤسسة من المفترض أن تنتج النخبة. وبينما تراكمت الأحكام، وارتفعت شعارات "صفر تسامح"، تبقى المعركة الحقيقية في تغيير ثقافة الخوف، وبناء فضاء جامعي آمن، تتساوى فيه الفرص والكرامة، وتُمنح فيه النقط بالكفاءة لا بالخضوع.
كرونولوجيا النقط مقابل الجنس
2021
شتنبر 2021: انفجرت الفضيحة بأخبار متواترة عن تسريب محادثات عبر «واتساب» لمحتوى جنسي بين أحد الأساتذة بكلية الحقوق بجامعة الحسن الأول (سطات) وعدد من طالباته. تُظهر التسجيلات استغلال الأستاذ منصبه لابتزاز الطالبات جنسياً مقابل منحهن نقاطاً دراسية.
شتنبر 2021: انفجرت الفضيحة بأخبار متواترة عن تسريب محادثات عبر «واتساب» لمحتوى جنسي بين أحد الأساتذة بكلية الحقوق بجامعة الحسن الأول (سطات) وعدد من طالباته. تُظهر التسجيلات استغلال الأستاذ منصبه لابتزاز الطالبات جنسياً مقابل منحهن نقاطاً دراسية.
نونبر 2021: كان مقررًا تقديم خمسة أساتذة جامعيين (من بينهم منسق ماستر القانون العام) إلى الوكيل العام للملك بسطات لنفس التهم. وتأجلت الجلسة حينها إلى أجل لاحق، وفق بيان النيابة العامة.
دجنبر 2021: استمر الكشف عن تجاوزات مماثلة. فقد أوقفت الوزارة مدير مدرسة التجارة والتسيير بوجدة وأعفت مسؤوليها بعد تأكد وجود حالات ابتزاز جنسي مماثلة. كما أمرت النيابة العامة بمتابعة أستاذ في مدرسة الملك فهد للترجمة بطنجة ووقفته احتياطياً بعد اتهامه بالتحرش طالبة.
2022
يناير 2022: صدرت أول أحكام قضائية في القضية. فقد قضت محكمة الاستئناف بسطات بسجن أستاذ جامعي عامين لإدانته بـ«هتك عرض عنف» وابتزاز طالبة جنسياً.
11 فبراير 2022: أصدرت محكمة بطنجة حكما بسنة سجنية نافذة لأستاذ متهم بممارسة التحرش الجنسي تجاه طالبة.
يوليوز 2022: نظرت استئنافية سطات في الطعون على الأحكام. وأيدت العقوبات الصادرة مع خفض طفيف فيها (مثلاً تقليص الحبس من 18 شهرًا إلى 12 شهرًا لرئيس شعبة القانون العام). وأعلنت وزارة التعليم العالي بعدها تصفية الملف إدارياً بعزل جميع الأساتذة المحكومين نهائياً من الوظيفة العمومية.
2023
دراسة برلمانية: في فبراير 2023 نشر المجلس النيابي دراسة سلطت الضوء على ظاهرة التحرش والابتزاز الجنسي في الجامعة المغربية باعتبارها من التحديات الأخلاقية الكبرى في المنظومة الجامعية. دعا التقرير فيه إلى إعمال القانون وحماية ضحايا الابتزاز وتمكينهن من التبليغ دون خوف.
2024
في فبراير 2024 أطلق تحالف حقوقي مدني (ائتلاف 490) دليلاً رقمياً للتوعية بمخاطر التحرش الجنسي في الوسط الجامعي. هدف الدليل إلى نشر المعلومات القانونية وتشجيع الطالبات الضحايا على الإبلاغ عن الاعتداءات وتجاوز ثقافة الصمت. كما برزت محاولات لتأسيس جمعيات أكاديمية ومحليات مجتمع مدني تركز على حماية الطالبات ومناهضة الفساد الأخلاقي بالجامعات.
2025
حراك أكاديمي جديد: في أوائل 2025 تأسست «الجمعية المغربية لمحاربة الفساد في الوسط الجامعي» التي أوردت في بيانها التأسيسي أن قضية «الجنس مقابل النقط» (فضيحة سطات 2021) كانت الأبرز في السنوات الأخيرة، وقد انتهت بسجن الأساتذة المتورطين وعزلهم من الوظيفة العمومية. جاء ذلك في سياق تأكيد أوساط أكاديمية على أن هذه القضايا ليست معزولة، بل جزء من محاربة أوسع للفساد بكافة أشكاله داخل الجامعة المغربية.
الثلاثاء 14 ماي 2025
قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بمراكش قرر متابعة أستاذ جامعي بجامعة ابن زهر بأكادير في حالة اعتقال وإيداعه السجن مع وضع ستة أشخاص أخرين تحت التدابير المراقبة القضائية، لتورطه في عدة ملفات فساد بجامعة ابن زهر وتحصيل أموال من بيع وشراء الشهادات العليا والسمسرة في التوظيفات.